في جولة القتال الاولى في صيدا لم يستطع امام مسجد بلال بن رباح الشيخ احمد الاسير اقتحام شقتين قريبتين من المسجد تابعتين لحزب الله. لم ينجح الاسير وانصاره في ذلك رغم الانتشار المسلح على امتداد المدينة، والعراضة العسكرية التي نفذوها عبر اطلاق نار كثيف كان جزءاً كبيرا منه في الهواء. بقيت الشقتان على حالهما. فشل الاسير في طرد عناصر حزب الله منهما واهتزت المدينة امنياً، وكادت الفتنة المذهبية تنفجر في الشارع السني – الشيعي بعدما وصلت الاشتباكات الى محيط حارة صيدا ذات الغالبية السكانية الشيعية.
امس ببساطة يتم قتل ضابطين وثلاثة جنود من قبل انصار الاسير، ايا كان البادىء في المواجهة التي ادت الى هذه المقتلة. وثمة سؤال حول استسهال انصار الاسير توجيه الرصاص القاتل إلى الجيش، وهو ما لم نعهده لديهم من تجرؤ في مواجهاتهم ضد اي طرف آخر، خصوصا ممن يعتبرونهم خصوما بل اعداء.. والشقتان شاهدان. فلماذا الاصرار على الصدام مع الجيش ولماذا القتل؟
الجيش اللبناني سيرد، ورده طبيعي على مثل هذه الجريمة التي استهدفته، اذ لا تستطيع قيادته ان تنظر الى دماء عناصرها تسفك في الشارع وتقف مكتوفة. رد الفعل هذا يبدو طبيعياً، واذا تم عزله عن السياق العام الذي يعيشه البلد، فهو امر مطلوب وضروري وصحيح. من الناحية الموضعية لا بد من معالجة هذه الظواهر بما تمثله من نمط استفزازي، يحيا وينمو ويبرز على تحريك الحالة المذهبية، واستثمارها في مسار تحويل البلد الى جزر امنية مذهبية. الجيش يقوم بعلاج موضعي في نقطة قدرت قيادته انها قادرة على معالجتها، بعدما بالغ الاسير وانصاره في التجرؤ على الجيش بالقتل.
لكن غياب السياسة العامة بسبب الانقسام السياسي، تلك السياسة التي يفترض ان تنعكس اجراءات امنية وميدانية وموحدة، تضيف عوائق امام المؤسسة العسكرية: اذ كيف ينجح الجيش في ظل غياب مثل هذه السياسة العامة المعبرة عن وجهة واضحة لدوره على المستوى الوطني العام. أن يحمي نفسه اولا قبل ان يحمي المواطنين وحدود البلد وصولا (مع الاسف) الى زواريبه واحزابه وعشائره؟ وكيف ينجح في منع الفتنة في ظل تنامي مسبباتها؟
تلك المسببات التي تبدأ من ثقافة الاستهانة بالدولة من قبل الجهات السياسية اولا، واقامة المربعات الامنية والمناطق المغلقة ثانياً، وقبل ذلك منع الحكومة من ان تولد، تعطيل الرئاسة الثالثة ثالثاً، عدم اجراء الانتخابات النيابية واستساغة التمديد للمجلس النيابي، وتمديده على مواقع عدة في الدولة رابعاً. والاهم تجاوز كل الاعتبارات وانطلاق الجحافل العسكرية للقتال في سورية، بتجاوز فاجر لدور الدولة والجيش ومسؤولياته الاولى على الحدود خامسا… هذه مفاتيح الفتنة التي تفتح بابها كل يوم. هذه مفاتيح الفتنة، وما دونها هي الفتنة والتداعيات. فاذا توفر مناخ الفتنة لا تسل عن السبب المباشر.
تلك هي التفاصيل، ومع تنامي حس الغلبة بين المكونات الطائفية في لبنان، هل يمكن الغاء ظاهرة كظاهرة الاسير المرفوضة، التي ما كانت لتنمو بهذه السرعة، لولا تفتيت الدولة وتشتتها؟ ما كانت لتطل برأسها لولا ان الممارسات السياسية اظهرت وجود فئات مكسورة واخرى مستقوية. ففي ظل استقالة الحكومة وغيابها، ثمة مخاطر ان تدفع الوقائع الميدانية الجيش باتجاه يخدم وجهة الخلل بين الطوائف، لا المجال الوطني العام. خصوصا انه رسخ لدى فئات من اللبنانيين ان بعض الفئات السياسية قادرة على ان تنفذ الى داخل قرار المؤسسة العسكرية.
لذا فإن رد الاعتبار الى الجيش يتطلب، بعد القبض على المتورطين بقتل جنوده، حماية لبنان من التدخل الخارجي، سواء كان عدوانا اسرائيليا، او تدخلا سوريا على الحدود. علما ان منع تشكيل الحكومة يبقى هو الصفعة التي توجه يوميا الى اللبنانيين والى المؤسسة العسكرية، فيما النظام السوري لا يكف عن توجيه الرسائل التخريبية، منها رسالة ميشال سماحة التفجيرية، الى رسالة منع رئيس الجمهورية من الحكم التعطيلية طيلة المدة المتبقية من ولايته.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد