صورة المقال: سفير السعودية عبد الرحمن الشهري يقبّل رأس هاشمي رفسنجاني
*
انتقد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، الشيخ هاشمي رفسنجاني، “شتم الصحابة والاحتفال بمقتل الصحابي والخليفة عمر بن الخطاب”، لافتا إلى أنّ “ذلك قاد إلى ظهور تنظيمات إرهابية كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش-“. أن يصدر مثل هذا الموقف عن شخصية في هذا المستوى داخل ايران، وهو أحد أعمدة النظام والثورة الاسلامية، يطرح تساؤلات حول ابعاد هذا الموقف الذي يجري عادةً تفسيره من قبل أتباع ولاية الفقيه على أنّه “خطاب تبريري للتكفيريين”. ولطالما قالها قادة حزب الله في ردّهم على أيّ محاولة للبحث في أسباب نشوء التيارات التكفيرية وازدياد شعبيتها، غير مقولة “المؤامرة”. تلك الظاهرة التي نمت وتمدّدت في البيئة السنية داخل لبنان وسورية.
هذا الرجل الذي تجاوز الثمانين من عمره، منذ انتصار الثورة الاسلامية في العام 1979 حافظ على موقع رسمي دائم في الدولة، رغم محاولات تهميشه واقصائه التي برزت بقوّة من قبل التيار المحافظ لاسيمّا في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. علما انه يمتلك شرعية ثورية لا توازيها في ايران الا شرعية السيد علي خامنئي.
صاحب هذا الموقف الصادم لجمهور”تيّار الولاية” هو من تولّى أهمّ المواقع داخل الدولة. لذلك يلّح السؤال حول الاسباب والخلفيات التي دفعت إلى قوله ما قال؟ علماً أنّ هذا الموقف تناقلته وسائل الاعلام الايرانية الرسمية. فهل كلام رفسنجاني هو رسالة من النظام الاسلامي في ايران تهدف الى الانفتاح على المجال الاسلامي السني العام، عبر التبرّؤ من الاعمال المخلّة بالتوازن والمنطق الإسلامي الوحدوي في الصراع الدائر بين السنّة والشيعة؟ أم أنّ ذلك يعكس حالة صراع بين أركان النظام الايراني، بين تيارين شيعيين، واحد متشدّد وآخر معتدل؟
اذ لا بد من الإشارة الى وجود اتجاهين داخل المذهب الشيعي لهما عمق تاريخي، اتجاه رئيسي عبّر عنه الشريف المرتضى والشيخ الطوسي امتدادا وصولا الى مدرسة النجف الاشرف، قام دائما عن انّ التشيع هو رافد في نهر الاسلام، وانّه يمثل رؤية اخرى لفهم التاريخ والشريعة. أي أن التشيّع رافد الى جانب روافد متنوّعة تؤلف في مجملها المذاهب في الاسلام. وثمّة اتجاه شيعي ثانٍ يذهب الى النهاية في الصراع مع المذاهب السنيّة، يصل الى حدّ القول انّ التشيّع والتسنّن هما دين مقابل دين، ويرى انّ اتباع المذاهب غير الشيعة هم من اهل النار. لعلّ اثارة الشيخ رفسنجاني بغضب مسألة الاحتفاء بقتل الخليفة عمر بن الخطاب، هي اشارة الى رفض هذا التطرف والغلو.، وان كان مثل هذا الاحتفاء يعكس نفساً شعوبياً وليس ظاهرة شيعية، بدليل انّنا لا نشهد حضورا له في البيئة الشيعية العربية.
ولأنّ ايران دولة مؤسسة على المرتكزات الشيعية، فإنّ هذا الصراع والجدل هذا ينتقل الى قلب المؤسسة السياسية الحاكمة. ويُستشفّ ممّا قاله رفسنجاني الاشكالية التالية: هل إنّ إيران تحمل مشروعا ثورياً تريد ان تصدّر نموذجه إلى المسلمين والعالم، ليخاطب تطلعات المسلم والانسان عموماً؟ أم أنّها تريد أن تصدّر التشيّع الى العالم العربي والإسلامي، ذي الاكثرية السنية الساحقة؟
لكنّ السؤال يبقى: هل انّ هذا الصوت المعتدل والنقدي الذي يمثله رفسنجاني يمكن ان يصمد ويتقدم امام مشهد الغلو الغالب اليوم على الضفتين السنيّة والشيعية؟
ربما يعبر رفسنجاني بهذا النقد عن مأزق السلطة في ايران، التي بالغت في استخدام التعبئة المذهبية لتحقيق النفوذ والتحكم في المنطقة العربية؟ المأزق هو في انّ السياسة الايرانية هذه في العالم العربي استفزّت مارداً سنّيا كان تنظيم داعش احد تجلياته، وربما يحاول رفسنجاني ان يُخرج النظام من هذا المأزق. ذلك انّ القيادة الايرانية التي استثمرت في العنوان المذهبي والديني لتكسب في السياسة في المنطقة العربية، وحقّقت خروقات مهمة على هذا الصعيد، باتت في حاجة خلال مناخ التسويات، إلى لغة جديدة تتيح لها تصريف هذا النفوذ اقليميا ودوليا.
لا ننسى ان رفسنجاني طالما كان يوصف بـ”الثعلب”. في اشارة إلى امتلاكه الحنكة السياسية. وها هو يقوم بمهمة تبدو أخيرة لاستنقاذ مشروع الثورة الاسلامية، وهي خطوة تحذيرية في مرحلة انهاء العداء مع اميركا، خوفا ربما من اغراء عداء مذهبي بديل. علماً انّ رسالة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المرشد السيد علي الخامنئي جوهرها يقوم على ربط الحلول بالنسبة لإيران بين الملفين الاقليمي والنووي. وهي اشارة واضحة الى ضرورة ان تبادر ايران الى التسوية مع جيرانها العرب، لا سيما السعودية. الشيخ رفسنجاني قد يكون كلمة النظام إلى المسلمين السنّة عرباً وغير عرب، وإن لم يكن، فهو بالضرورة يحدّد مدخل إعادة الاعتبار لإيران في المجال الاسلامي العالم اوالسنّي بوجه خاص.
alyalamine@gmail.com
البلد