الجلسة الثالثة عشر المزمع عقدها لانتخاب الرئيس العتيد مرت مثل سابقاتها دون جدوى، حتى غدا الرقم /13 / المشؤوم أصلاً، نذير شؤم مضاعف عند الجميع، وبأن الوضع من صعب إلى أصعب مع مرور الأيام، وثمة شعور متزايد وكبير بالخيبة يجتاح الشارع اللبناني بالكامل؟ وهذا طبعاً بما لا يقاس مع ما شعر به، الأمين العام للجامعة العربية، السيد عمرو موسى و(مبادرته) في تجواله الماراثوني بين قصور(ودارات) و(دعامات) لبنان اليائسة!! فمن المؤكد لو كان عوضاً عنه أحد (الملائكة) لكفر بصوت عالي بكل الوزارات والطوائف، وبالثلث والربع والنصف، وما جاء به علم الحساب والرياضيات من أرسطو وما قبله، مروراً بالخوارزمي وانتهاءً بأينشتين وما بعده. فالمفارقة المفرطة بالتشاؤم والحزن معاً أن يصبح الوطن أرقاماً مجردة للتداول بين السياسيين، بدءاً من المساحة إلى السكان وانتهاءً بالانتماء!! لكن السؤال الصعب والسهل في آن: هل يمكن أن يقاس حب الوطن بالأرقام؟؟
لبنان منذ أكثر من أربعة أشهر من دون رأس، أو رئيس، أو ربان، والسفينة اللبنانية تائهة تتخبط وسط محيط متلاطم الأمواج، ومن الملاحظ بان هذه المسألة قد لا تعني شيئا للكثيرين، شأن أهل قريش وأصنامهم الجاهلية قبل الإسلام!!
الثلث المعطل، يصوب الآخرين بالثلث الضامن، النصف زائد واحد، والثلث زائد واحد، والنتيجة من كل ذلك حين يصبح الجميع ناقصاً الوطن، فسيكون لا محالة (الصفر) سيد الموقف، ومصير الجميع بدون استثناء.
فالمشكلة في كل الكتابات التي تتناول الشأن اللبناني، بغض النظر عن هوية الكاتب واسمه، فبعد السطر الأول يصنف فوراً بأرقام الحساب: مع 14 آذار أو 8 آذار، وذلك ببساطة طفولية وساذجة أحياناً كثيرة. فالتعرض للقرارات الدولية مثلاً: إن كان الرقم / 1559 / أو / 1701/ من الذي مهد للأول وسعى بكل إصرار لولادته أثناء وجوده في واشنطن؟ هل كان الجنرال ميشيل عون يدرك بأنه سيصبح في الخندق الذي حفره لخصومه يومذاك؟؟ حتى جاء القرار بكل ما فيه من تحد لسوريا وحلفائها في لبنان، أم إن المصالح الشخصية، والمواقف الوطنية (اللبنانية) تتغير لديهم مثل تغير الأعداد في ماكينة اللوتو أو اليانصيب اللبناني؟؟ هذا ولم نتكلم بعد عن المحكمة الدولية وما فيها من تداعيات غيرت من أفكار الجميع بكل الاتجاهات مابين انتظار – وتعطيل بكل ما أوتي الطرفان من قوة.
حتى لو دققنا بالآلية التي جاء بها القرار الدولي الثاني 1701 سنجد بأن (الرياح كانت تجري بما لا تشتهي السفن)، وان (حزب الله) كان أقوى قبل القرار وقبل حرب تموز و(النصر الإلهي) بما لا يقاس بالأيام الحالية، ومن الطبيعي القول الآن =: بأنه كان مقبولا على (الأرض) من الجميع ، وقد يكون الأكثر إقناعا في الشارع، لو لم يدخل الحياة السياسية بخطاب (تعبوي واستقوائي) على الجميع دون استثناء، لشركاء الوطن في الداخل، ولكل ما يعنيه الخارج (لا تستطيع أية قوة على الأرض نزع سلاح حزب الله؟!)، وقد يكون من النتائج السلبية الكثيرة لذلك العدوان: الحالة المزرية التي وصل إليها الوضع اللبناني حالياً، وحالة التشنج الميداني التي يعايشها المواطن على مختلف طوائفه، وفي داخل كل الطوائف كذلك؟؟ وفي أغلب المناطق، نظرا لتوزع الأدوار بين المعارضة والموالاة في تبادل الاتهامات عما وصل إليه البلد؟؟ وبالمقابل إن (استقواء) فريق 14 آذار بالخارج لا يمهد لأي حل يرضي الآخرين على الأرض، بسبب (المصداقية) المنهارة بكل الجهات التي حاولت التدخل لصالح طرف دون الآخر؟؟ فقد حان الوقت ليدرك الجميع بان الخارج (الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا أو إيران أو أية دولة كانت) لن تقدم شيئاً مفيداً للبنان بعيداً عن مصالحها المستقبلية، أكثر مما يقدم اللبنانيون لأنفسهم في هذه اللحظات الحرجة.
فالشحن الطائفي(المعزز) بأزمات طارئة، مثل انقطاع التيار الكهربائي، و(التظاهر اللاسلمي) بدون توجيه عقلاني، سبّب صداماً دموياً بالشارع مع قوات الجيش اللبناني، التي (ربما) كانت مستهدفة من خلال هذه الإشكالات من احد الأطراف التي استهوت خلط الأوراق دائماً، والتي نتمنى أن لا تتكرر بأي صورة كانت، لأنها لن تجلب للبنان إلا مزيدا من الفوضى والضياع. ويضاف هذا إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مختلف الشرائح في المجتمع اللبناني وخاصة الفقيرة منه، وتبقى الأزمة بالنهاية مفتوحة على مصراعيها، لدى كل الأطراف التي لا تقبل أي من الحلول المطروحة والمقدمة من (كل الوساطات الصادقة) والمجسدة بالظاهر لكلا الطرفين بموقع وزير إضافي ولا فرق إن كان مع النصف أو الثلث، حتى ولو كان هذا الوزير (شكلياً).
ومشكلة هذه الحالة الجديدة (الثلث المعطل أو الضامن) بأنها في المستقبل ستحمل بذرة أزمة جاهزة للتفاقم في أية لحظة تسبق تشكيل أية حكومة، وذلك بتبادل الأدوار بين الموالاة والمعارضة؟
إن الخصوصية اللبنانية في تشكيل الحكومات أمر مميز منذ الاستقلال حتى الآن، حيث التقسيمات والحصص التي نجدها في تركيبة الوزارة، لا يمكن مقارنتها في أي من دول العالم، حيث الديمقراطية الطائفية؟؟ أو ديمقراطية الطوائف هي بدون منازع سيدة الواقع والموقف!! وكأن الذي وضع قواعد النظام الطائفي (الديمقراطي) في لبنان، قد أسس لازمة سياسية جاهزة ومتفجرة في أي وقت من تاريخ لبنان مستقبلا.
فالمشكلة التي تأخذ بالقياس حالياً، هي تلك الفترة الممددة قسراً بثلاث سنوات إضافية، لولاية الرئيس السابق إميل لحود، والتي كانت مثالاً لا يحتذى لأي رئيس قادم للبنان، والعقبات التي توضع أمام مرشح التوافق قائد الجيش الحالي العماد ميشال سليمان ليست في صالح البلد من كل جوانبه. فاحتمالات انفجار الوضع في أية لحظة تهدد الجميع دون استثناء، وعندها لا ينفع لبنان وسكانه أجمعين والمنطقة أية وزارة ولو كانت بكاملها الضامنة، وليس ثلثها فقط المعطل!..
marwanhamza@maktoob.com
السويداء 4/2/2008