النهار – رلى بيضون في 21-10-2009
في الاعوام الاربعة الاخيرة، تنقّل لبنان بين أزمة وأخرى، وشهد الوضع في الاراضي الفلسطينية مزيدا من الاهوال والانتكاسات. لكن بالتوازي مع هذا المشهد المظلم ليوميات شعبين يتكبّدان وحدهما ثمن النزاع مع اسرائيل، وتُستخدم أراضيهما ساحات لمواجهات الآخرين، برزت نقطة مضيئة تمثلت بتحسن لافت للعلاقات بينهما.
وقد اضطلع ممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عباس زكي، بالتعاون مع “لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني” برئاسة السفير خليل مكاوي، بدور كبير في “فتح صفحة بيضاء في العلاقات”. اما اليوم، كما يقول زكي، “فانتقلنا من خنادق متقابلة ومن مشاعر الكراهية وحتى الخوف، الى فضاءات رحبة للتعامل بعضنا مع بعض في شكل طبيعي”.
وعشية مغادرته بيروت عائدا الى الاراضي الفلسطينية، حيث سيتسلم ملفَي العلاقات العربية والخارجية في اللجنة المركزية لـ”فتح”، وهو ما سيتيح له متابعة الاوضاع في لبنان، خص زكي “النهار” بحديث تضمن جردة للانجازات والصعوبات خلال مهماته، في بلد لاحظ انه “يختزن ذاكرة أمة”.
ولم يغب الحديث عن ملفات مهمة، منها المصالحة مع المسيحيين، (“كلانا كان ضحية عدم قدرته على ضبط النفس والسيطرة على الفعل ورد الفعل”)، والتوطين (“السُنّي قبل غيره لا يريدنا، ياسر عرفات أقنع الاميركيين والاسرائيليين باعادة فلسطينيي لبنان على دفعات”)، والسلاح داخل المخيمات (“انشاء لواء فلسطيني يرتبط برئاسة الاركان اللبنانية”).
ولأن زكي كان “مفوّضا” في لبنان، ستخلفه قيادة جماعية تتوزع المهمات، وتضم مسؤولين عدة بينهم سفير للشؤون السياسية والديبلوماسية. وهو كان اول “سفير لدولة فلسطين في لبنان”، ولو ان اجراءات رفع مستوى التمثيل الى سفارة لم تُستكمَل رسميا بعد، على رغم إصرار البعض على اعتباره مجرد ممثل لمنظمة التحرير.
يوضح زكي انه “عندما أُعلنت الدولة الفلسطينية من المنفى في الجزائر، في 15-11-1988، واعترفت بها دول كثيرة، لم يكن ثمة علاقات بين فلسطين ولبنان، فبقي التمثيل على مستوى مكتب”. وعمل لاطلاق سفارة لدولة فلسطين في لبنان، اسوة بالسفارات في دول عربية وصديقة كثيرة، مثل الجزائر وليبيا والعراق وروسيا وكوبا. وهو ممثل فلسطين الاول في لبنان الذي يحمل لقب سفير، اذ ان سلفه الراحل شفيق الحوت كان عضو لجنة تنفيذية و”ممثلاً” لمنظمة التحرير في لبنان.
لكن اجراءات رفع مستوى التمثيل الى سفارة لم تُستكمَل رسميا بعد. والتبرير الذي يقدم هو وجود خلافات فلسطينية – فلسطينية، وعدم موافقة المعارضة اللبنانية. وتعليقا على هذا الامر يقول زكي: “هذا ليس سببا وجيها. لو كان اي سفير في اي بلد يحتاج الى موافقة المعارضة اولا، لما قامت سفارات في العالم. واللبنانيون لديهم ظرف استثنائي خاص، ومحبة شديدة للفلسطينيين، ويتمنون ارضاءهم دفعة واحدة. وأنا دفعت في اتجاه فصل لبنان عن المشكلة داخل فلسطين، واتفقت مع الشباب الخيّرين في المنظمة والمعارضة، على أن نتعاون لمصلحة المخيمات والفلسطينيين. اما في السياسة، فلا نستطيع ان نواجه قياداتنا، لا أنا ولا هم. لنتدبر امرنا لما فيه مصلحة مخيماتنا، ثم الاستراتيجية الكبيرة تُبحث في مكان آخر. وقد اخترت الحياد وعدم تصدير بضاعة الصراع الفلسطيني الى لبنان، لان لبنان سبق أن عانى معارك دونكيشوتية وتخبطات فيها مقابر جماعية واحقاد ومآسٍ في كل بيت، لبناني او فلسطيني”.
ويشرح زكي أهمية السفارة الفلسطينية في الخارج عموما وفي لبنان تحديدا، “فهي تشكل حماية من التوطين، وتثبت أن الفلسطيني له مرجعية وكيان ودولة ومستقبل”.
المخيمات كانت جهنم
واليوم، في ختام مهماته، أي صورة يرسم للوضع الفلسطيني في لبنان؟
أولا، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يشدد على أن “المخيمات كانت أشبه بمدن أشباح: أسلاك متشابكة، روائح كريهة وما اليه. وكنت أفكر في ان الله خلق لبنان كجنة، وجهنم هي المخيمات الفلسطينية. اما الآن، فحقّقنا تحسّنا بنسبة 20 في المئة على مستوى البنى التحتية، لان حاجات المخيمات كبيرة، واستجابة القيادة الفلسطينية قليلة، و”الاونروا” خفضت خدماتها. فبعدما كان ممنوعا إدخال كيس اسمنت، صار يمكن إدخال سيارة مليئة بالحديد. وتحدثنا مع “الاونروا”، وبدأنا نؤمّن بعض التقديمات من مياه وكهرباء”.
ثانيا، سياسيا، “لقد حققت حلماً راودني منذ زمن. فأنا من الذين فتحوا صفحة جديدة في لبنان، ونضحوا الماء العكر من وادي العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، وتحملوا وصمدوا على رغم اعداء هذه العلاقة. وبرز ذلك في الاعتذار الذي قدمته ضمن “اعلان فلسطين في لبنان” (وثيقة سياسية اعلنتها منظمة التحرير عام 2007 لتأكيد احترامها سيادة لبنان واستقراره واستقلاله)، و”وثيقة العهد والوفاء للمسيحيين” (وجهتها منظمة التحرير الى المرجعيات المسيحية في عيد الفصح سنة 2008). فقد تحملت مسؤولياتي، واعتز الآن بان كل من كان يتهمني بأنني متواضع، وبِعت البندقية والشعب، صار يتكلم مثلي اليوم. وهذه دلالة على أن الفكرة كانت ناضجة، والرؤية كانت واضحة، والرسالة كانت تصل. وكنا مجموعة رواد في القيادة، اخذنا على عاتقنا تصحيح هذه العلاقة، وأشعر بأن فجرا جديدا قد بزغ، على رغم كل المعاناة اللبنانية – الفلسطينية والنظرات القديمة والآلام. وتجاوزناها، الى صيغة تحفظ في المستقبل ان نكون متحدين، اصدقاء، على الاقل شركاء في الدم، نفهم بعضنا البعض”.
ويشرح أن الامر لم يكن سهلا، مشيرا الى عدد من اللقاءات والمخيمات التي جمعت شباباً وشابات لبنانيين وفلسطينيين، دامت اياما، وساهمت في تطوير النظرة الى الآخر.
الأمن ومخيم عين الحلوة
ثالثا، المستوى الامني، وقد منحه زكي الاولوية “لأن اي انهيار امني ستكون تداعياته على الفلسطيني”. وأجريت اتصالات بالجيش، “وزار عقيد مخيم عين الحلوة وتناول القهوة معنا. وزار المخيم وزراء وجالوا في الازقة ففهموا حجم هذه المأساة. فبدأت الدولة تتحرك، وخصوصا عبر “لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني. فكان الامن المفتاح والمدخل، بعدما تبين أن المخيم آمن وغير مرعب. وبدأنا نسلم الجيش كل العناصر المشبوهة، ولم يعد هناك أعزّ من أمن البلد، لأننا لا نريد أن نشكّل ثغرة في جداره الامني”.
وهل يشمل التحسن الوضع في مخيم عين الحلوة، اجاب “نعم، فوصلنا الى مرحلة متقدمة، اذ ثمة ثقة متبادلة مع أجهزة الدولة. وفي المخيم ثمة لجان احياء، ولجان شعبية، ولجان فصائل، ولجان متابعة، وكفاح مسلح. وخارج المخيم هناك الجيش، واعتقد أن اي اعمال مخلة بالامن لن تتجاوز الشغب الذي يحدث في افضل العائلات”.
اغتيال كمال مدحت
ولكن حصل عمل كبير كان اغتيال معاونك كمال مدحت في مخيم المية ومية؟ “كان كمال ذا مناقبية عالية، يحب لبنان، ويريد انشاء علاقات. لقد قاتَل اسرائيل، وكان متمرّساً في العمل السياسي، ومثقفا، وواعيا لكل شيء، وملتزما، وجنديا صامتا. كان اداؤه رائعا، وشخصيته جميلة، وكان أمامه مستقبل كبير، وأتى اغتياله لوقف تطور العلاقة الفلسطينية – اللبنانية. فكثر غضبوا لان وضعنا تحسن في لبنان، ويعلمون ان سنّي ومرتبتي لا تسمحان لي بأن أبقى هنا، فكان اقصاء كمال لضرب العلاقة او وقف نموها، ليبقى الفلسطيني مشكلة، او ليبقى مرمياً في حضن هذا او ذاك. لكن لا يجوز ان نُهزم. الرسالة كانت قاسية لي، وجاءت بعدها تهديدات كثيرة، الا اننا وصلنا الآن الى قرار حاسم مع الدولة اللبنانية، هو ان مأساة مخيم نهر البارد لن تتكرر ايا يكن الغضب نتيجة عمل أمني”.
“لجنة الحوار” شركاؤنا
عندما يُسأل عن دور “لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني” برئاسة السفير خليل مكاوي في تطوير العلاقات، يشدد زكي على مساهمتها الواسعة في هذا الاطار: “لجنة الحوار عملت أكثر منا، وهي تعمل على مدار الساعة. هم شركاء لنا، بل احيانا متقدمون علينا، ونتعاون معهم على كل مستوى: المعتقلين، والمشكلات، والمانحين، والخطط، ودورات التدريب، والاتصالات العربية او الدولية. وعندما بدأنا “نتسول” من الدول المانحة، رموا بثقلهم، وجال السفير مكاوي في أوروبا”.
ويشيد بجهود السفير مكاوي: “افخر لأن السفارة لم تتمكن من التأثير على الآخرين كما فعلت لجنة الحوار. لماذا؟ لان الانسان عند حقه ضعيف. ونحن نخجل ان نتكلم عن انفسنا. فكانوا هم الاجرأ والاكثر انتاجا، ولهم الشكر. ونتمنى ان يواصلوا ذلك لان الشعب الفلسطيني له دين في عنق كل عشاق الحرية وحَمَلة المبادئ”. ويثني على مستشار مكاوي، زياد الصائغ، “وهو الدينامو والمفتاح الذي يعمل مع السفير ليلا ونهارا، ويعكس فاعلية الشباب اللبنانيين وعشقهم للقيَم”.
المسيحيون ونهر البارد
يشدد على أهمية لقاءات المصالحة مع كل الافرقاء اللبنانيين، وخصوصا المسيحيين منهم. “ثمة مَثل يقول، لا محبة الا بعد هزة بدن، ولا مصالحة الا بين خصمين. وقد وجدت ان الفلسطيني معشوق في لبنان، اذا كان فلسطينيا يخدم قضيته الاساس ويرفع شعارات قابلة للتطبيق. وانا لا اقول للبنانيين تعالوا نحرر فلسطين، بل اقول لهم: اهتموا بهؤلاء الفلسطينيين في لبنان وتعاملوا معهم كبشر”.
واعتبر المصارحة مع المسيحيين اولوية، “لان كلانا كان ضحية عدم قدرته على ضبط النفس والسيطرة على الفعل ورد الفعل. ولاحظت أن ثمة آلاماً لا بد من المصارحة حولها، لكي لا يبقى الفاعل مجهولا. فذهبت الى إحدى الكنائس لأن الكاهن فقد رجليه نتيجة تعذيب الفدائيين له منذ زمن. لما جلست معه طويلا، سمّاني رسول سلام، قال: الآن استعدت عافيتي ورُد اعتباري، واشكرك جدا. اعتبرتُ الامر مهما جدا، ودفعني الى مواصلة الزيارات، فزرت الكسليك وكل المناطق التي كانوا يقولون انها ممنوعة على الفلسطيني”.
ويشير الى ما حصل في مخيم نهر البارد: “الناس انتظروا ان اقف مع المخيم ضد الجيش، وتاليا ان احقق حلم من كان يتمنى معركة مع كل الفلسطينيين، كأننا لم نتعلم من الماضي. فسألت نفسي: هل نعطي صدقية للاستراتيجية الجديدة ام نبقى مكبلين بذيول الماضي والحماقات؟ وعلمت اننا ان لم نتخذ قرارا يريح اللبنانيين، فستدمر كل المخيمات. وحين اعلنت اننا والجيش في خندق واحد لمواجهة الارهاب واجتثاث هذه الظاهرة، تراجع عدد شهدائنا. وعلى رغم الحزن والفاجعة، لاحظ اهل المخيم ان اولادهم لا يزالون احياء، وانهم لم يكونوا سببا في تدمير مخيم آخر”.
ضمانات في كمب ديفيد
لكن ثمة ملفاً يهدد العلاقات مع لبنان، هو التوطين الذي يحذر منه البعض دوريا. فكيف يستطيع تطمين هذا البعض؟
يتفهم زكي التخوف اللبناني من التوطين، ويربطه بهاجس الخلل الديموغرافي. ويقول الامور بصراحة: “يعتقد البعض ان التوطين سيزيد حصة السُنة، لان غالبية الفلسطينيين سُنة. لكن السُني قبل غيره لا يريدنا لأننا سنأخذ من حصته في الوظائف وسنصير عبئاً عليه. وعلى كل حال، نسبة السنة كافية وليسوا في حاجة الى معارك لزيادتها. من جهته، الشيعي يعتقد اننا مع السنة، فلا يريدنا، على رغم اننا روحَان في جسد واحد، وجنود في خندق واحد. لكن كل مرحلة لها فلسفة. والمسيحي يفكر في اننا نزيد حصة المسلمين، ولا يريدنا. واذا كان الكل لا يريدنا، فنحن أيضا لا نريد أن نبقى”.
ويروي “أن ياسر عرفات، عندما ذهب الى كمب ديفيد، نجح في ان يقنع (الرئيس الاميركي آنذاك بيل) كلينتون و(رئيس الوزراء الاسرائيلي) ايهود باراك بإعادة فلسطينيي لبنان الى فلسطين على دفعات. ووافق الجميع على ذلك. ويومها سألته لماذا لبنان فقط؟ فأجابني أبو عمار: اصبر قليلا، اذا اعادوا 20 الفا، 30 الفا، 60 الفا، فلا مشكلة. هكذا نكسر حق اميركا واسرائيل والعالم في الفيتو على حق العودة”.
ويوضح انه التقى مرارا النائب ميشال عون، “وابرز لي اوراقا تتعلق بجنيف ولقاءات وبيانات مشتركة. فقلت له يا جنرال، هذه الاوراق مضى عليها العهد. فلنتفق على تجاهل كلمة توطين واستبدالها بحق العودة. فرعبي الحقيقي اننا اذا بقينا نتحدث عن التوطين، تتعود الاذن ذلك ويصبح امرا عاديا، فيفرض علينا. وهذا على رقابنا لا امشي فيه. ودعوت الجنرال الى ان يقود فريقا فلسطينيا لبنانيا عربيا دوليا، حتى يطمئن وتصير الامور لمصلحتنا. وكل من كان يتكلم على توطين تفهم ان التوطين اذا حصل في دول ما، فهو محرم في لبنان بسبب الشحن الطائفي ورفض الاخلال بالتوازن”.
ويشدد على أمر آخر، هو أن “نصوصا كثيرة، منها اتفاقية جنيف الرابعة، والقرار 194 تنص على ان حق العودة مكتسب للافراد، ولا تستطيع الحكومات اسقاطه. وحتى لو حاولت القمة العربية توطين شخص واحد في بلد ما، فلا يمكنها فرض الامر عليه، لأنها قضية خاضعة للافراد”.
لواء فلسطيني في المخيمات
وعن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، يذكر بتوافق اركان الحوار اللبناني على نزعه، آملا ان يتم ذلك مقابل تحسين اوضاع الفلسطينيين.
اما بالنسبة الى السلاح داخل المخيمات، فقد اقترح زكي على اللبنانيين “الا نسلمكم البندقية وحدها، بل حاملها ايضا، على أن يكون ثمة لواء فلسطيني يرتبط برئاسة الاركان اللبنانية وبغرفة العمليات اللبنانية. وثمة لواء مشابه في سوريا، اسمه “حطين”، وآخر في مصر باسم “قوات عين جالوت”، وفي الاردن باسم “بدر”، وكان في العراق ما يعرف بـ”القادسية”. فتكون السيادة للبنان، والامن للبنان، ونكون نحن ارتحنا من القول اننا دولة ضمن دولة”. ويؤكد ان هذا الاقتراح جدي، وعرض على الدولة اللبنانية، “وعندما تُحل المشاكل السياسية، يبدو لي ان الفكرة ستكون صائبة بالنسبة اليهم. وهي في حاجة الى قرار سياسي، لكن ويا للاسف، منذ ان جئت ولبنان يتنقل بين أزمة وأخرى”.
صعوبات وإنجازات
وكانت الازمات السياسية المتتالية في لبنان احدى الصعوبات التي واجهها زكي في مهمته. ومن الصعوبات ايضا: كثرة الفصائل الفلسطينية في لبنان، التي بلغ عددها 21، “وكانت معجزة، والحمد لله، ان يجلس المتخاصمون معا الى الطاولة، وهذا الامر رد الاعتبار الى الحالة الفلسطينية”. ولمواجهة الخلافات اللبنانية، وضع زكي السفارة على مسافة واحدة من الجميع، “عندما كانوا يسألونني انت مع 8 آذار او 14 آذار، كنت اجيب: انا في حاجة الى الاثنين، واريد الاثنين، لأننا اصحاب قضية في حاجة الى الكل”.
كذلك الظروف المركزية الفلسطينية لم تساعد زكي: “نحن ايضا نمر بأزمة، سقوط وراء سقوط، وتراجع وراء تراجع، وصرت اخجل ان امثّل فلسطين ونحن في قلعة محاصَرة وعداؤنا لبعضنا البعض اكبر من عدائنا لاسرائيل. وهذا امر يشكل شرخا في الوجدان للوطنيين”. ومن المشكلات ايضا الوضع الاستثنائي الذي كان سائدا في لبنان، امنيا وسياسيا واقتصاديا، بالاضافة الى التهديدات الاسرائيلية وحرب تموز 2006 وحوادث 7 ايار 2008.
وكما المشكلات، الانجازات ايضا كثيرة، ولو غير كافية قياسا بحاجات الفلسطينيين، ومنها منح أوراق ثبوتية، اولا عبر السفارة ثم بعد حوادث مخيم نهر البارد، عبر الامن العام اللبناني، لنحو 2800 شاب وشابة فلسطينيين دخلوا لبنان عام 1967. وهذه الاوراق “غير المسجلة”، تتيح لهم ان يدرسوا في الجامعة اللبنانية وان يتزوجوا.
ومن الانجازات ايضا: قبول الجواز الفلسطيني للدخول والخروج الى لبنان وقبول الطلاب الفلسطينيين في الجامعة اللبنانية، وكذلك عودة التمثيل الديبلوماسي وتسجيل مبنى السفارة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وقرار إعادة اعمار مخيم نهر البارد “علما ان التقليد كان أن كل مخيم يدمر لا يعاد بناؤه”، زيارات الوفود الفلسطينية في كل المناسبات، المشاركة في المناسبات ومنها مثلا “القدس عاصمة للثقافة”، السماح للمنتج الفلسطيني بأن يدخل بلا جمرك، زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبيروت واستقبال الرئيس ميشال سليمان له في المطار، والتعاون اللبناني – الفلسطيني على المستوى الاستراتيجي في الاطارات العربية والدولية والتنسيق بين الوفود في الخارج.
ذاكرة أمة
ويلفت زكي الى انه متفائل حيال العلاقات اللبنانية – الفلسطينية: “أراهن على انه حتى لو أتت عواصف هوجاء ودمرت كل شيء، فالعلاقة اللبنانية – الفلسطينية ستبقى ثابتة، لأن الطرفين ارتاحا جدا الى تحسنها. وهذا انجاز سيحافَظ عليه بأي شكل من الاشكال. وسأبقى اهتم بتطور العلاقات مع لبنان، وفي اي لحظة قد آتي لعقد بروتوكول تعاون او اتفاق مع لبنان”.