عام ٢٠٠٩ لم يكن افضل من الاعوام التي سبقته، فلاسباب عديدة يمر الشرق الكبير وتمر البلاد العربية بواحدة من المراحل الساخنة التي تختلط فيها الكثير من المشكلات مع الكثير من السياسات مع الكثير من العبث. حروب ونزاعات صراعات وخلافات ، مذهبية وقبيلة، كراهية وتصادم، بطالة وعنف وإنهيار في دول. حال الشرق الكبير انه مكان للصراع، مكان للانظمة السياسية التي تعصى على التطوير والتنمية، ومكان لصراعات العالم ومكان لمطامع القوى الخارجية والصهيونية. كان عام ٢٠٠٩ صعبا على على العالم العربي. لكن عام ٢٠١٠ لن يكون افضل على الاطلاق. فنحن لازلنا في صلب المرحلة القاسية. فالتدهور الذي تعيشه المنطقة العربية بالتحديد سوف يستمر هذا العام ومعه فوضى في بعض المناطق وعنف في مناطق اخرى وتراجع واضح في مناطق ثالثة. بمعنى اخر لن تنعم منطقتنا بوضع افضل هذا العام. لنأخذ نظرة سريعة على الوضع.
فالعراق لازال يخوض حربا داخلية يملؤها العنف والتفكك، ورغم تحسن في وضعه في بعض المجالات الا انه يعاني من الفساد والفوضى. طريق العراق طويل، سينعم في يوم ما بالهدوء لكن وضعه مرتبط بطبيعة الصراع الامريكي الايراني وبموقع سوريا في المعادلة وبطبيعة التفاهم النهائي بين سنته وشيعته واكراده ووطنيه حول المستقبل.
اما في اليمن فلا يوجد افق للحل، ففي اليمن عدة نزاعات متداخلة سوف تزداد ضراوة، فالمسألة في اليمن ليست في الحوثيين فقط، فهناك أيضا الجنوب المعارض الساعي للانشقاق عن الدولة في دولة مستقلة، وهناك المعارضة الرسمية في الشمال التي تسعى لتحقيق مطالبها، وهناك القاعدة بثوريتها وعنفها ونفوذها الذي يزداد انتشارا في اليمن. اليمن ستكون بكل المقاييس موقع الصراع القادم والبديل عن افغانستان. فالمؤشرات حتى الان تشير الى هذا مضيفة على طبيعة التناقضات والمشكلات التي تثيرها فوضى الصومال القريب من اليمن. اما في مصر فهناك ازمة التراجع التي تعاني منها كل الفئات السياسية بما فيها المعارضة الاسلامية، وهناك ازمة الدولة والمستقبل والتعامل مع كيفية حماية النظام من اعاصير المرحلة، فمصر تعيش انكفاءا يزداد كل يوم.
ولو عرجنا على الوضع الاسرائيلي الفلسطيني والعربي الاسرائيلي لوجدنا ان المسألة هي الاخرى شديدة التعقيد. لن نرى حل للنزاع في المدى المنظور، ولو شاهدنا مفاوضات ستكون شكلية. لقد اضاع الرئيس اوباما الفرصة عندما عقدت الامال عليه بعد انتخابه، الجميع انتظر مبادرة كبرى، لكن المبادرة لم تتحقق بينما يزداد تركيز اوباما على الوضع الداخلي وحرب افغانستان. ان الاجواء السلبية تخيم على العلاقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. هل ينفجر الوضع الاسرائيلي الفلسطيني مجددا؟ هل يقدم الشبان في فلسطين على مواجهات جديدة لتكسير الجدار العنصري؟ هل يخرج من السجن مروان البرغوتي في صفقة تبادل اسرى، وهل تتحد حماس وفتح في ظل رؤية جديدة وربما قيادة جديدة؟ اسئلة الصراع العربي الاسرائيلي كبيرة، لكن عام 2010 سوف يشهد عودة لهذا الصراع بأشكال مختلفة وذلك لان اسرائيل لم تتوقف عن الاستيطان او عن تهويد القدس او عن السعي لاخراج الفلسطينيين من ارضهم وبلادهم.
ان الاخطر على العالم العربي في 2010 نجده نزعة التفكك في كل دولة عربية. لو نظرنا لليمن سنشاهد التفكك الكبير فيها بين فئات وطوائف وقبائل، اما في الكويت فنجده بين الحضر والقبائل وبين المتدينين والغير متدينين، ولو عرجنا الى العراق لشاهدنا عمق الصراع السني الشيعي وامتداده الاقليمي.
اما في السعودية، وهي الدولة التي لا ينشر عنها الكثير، فهناك تحت الرماد ذات الصراعات العلنية التي تنتشر في اماكن اخرى. فصراع القبيلة مع الدولة وصراع الطوائف والفئات والمتدينين واللامتدينين، وفوق كل هذا صراع السلطة والنفوذ الذي يتحكم بالكثير من صراعات الشرق هو الاخر في اعمق تعبيراته في المملكة. ورغم مركزية الدولة وقوتها وقيمتها العربية، الان ان تجارب الشرق تؤكد لنا بأن كل شيئ في منطقتنا بما فيها اقوى الدول يقف على ارجل خشبية وذلك بسب ضعف الحداثة، والتعليم التجديدي، وغياب الحريات الفكرية والانسانية، وغياب التعددية السياسية، وغياب التنمية الجادة والاستثمار الحقيقي في الناس ومستقبلهم وعلمهم. هناك اشارات للتجديد في المملكة، لكنها اشارات خجولة لا تتناسب حتى الان مع حجم التحدي الكبير الذي نواجهه. الوقت في عام ٢٠١٠ ليس بمصلحتنا. نحن في سباق مع الزمن.
اما ايران على الضفة الاخرى من الخليج فسوف تبقى في حالة انشقاق كبير بين اصلاحيين يريدون التغير وبين محافظين يريدون سلطة المرشد والقوانين الاسلامية. هذا الصراع بين العلمنة والتغير من جهة وبين الاسلام بصورته المحافظة سوف يبقى في ايران طوال العام القادم. قد تقع مفاجآت، لكن التدهور مستمر الى ان تقع مساومة سياسية واضحة تأخذ ايران نحو الاصلاح والتغير. فأيران مرشحة لاصلاح حالها والانطلاق الى افاق تزيدها قوة ونفوذا. ان مستقبل ايران في الحداثة والتجديد، وهذا ما تعد به الحركة الاصلاحية. ان نجاح الاصلاحيين في ايران سوف يحول ايران الى دولة اكثر قوة مما هي عليه الان، وسوف تتحول ايران اضافة الى تركيا الى مزيد من الدور والتأثير.
المشكلة في الشرق هي في العرب وفي حالهم وفي تراجعهم وفي قبليتهم وفي طائفيتهم وفي ضعفهم تجاه العالم الحديث والتجديد وفي تخلفهم عن ركب الحريات السياسية والفكرية والاعلامية وفي ضعفهم في مواجهة اقدس قضاياهم في القدس وفلسطين. يبقى سؤال 2010 كيف يتغيرون، كيف يتقدمون، كيف يصلحون حالهم؟
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت