مذكرات البحث والتحري التي صدرت في حق عناصر مسلحة تابعين لامام مسجد بلال بن رباح هو العنوان حيث وجد الشيخ احمد الاسير الفرصة لاستنهاض جمهوره وابناء مدينة صيدا في وجه حزب الله. فتصويبه على هذا الاجراء القانوني وجد له صدى، كما تؤكد اوساط اجتماعية مستقلة في صيدا. وهو صدى لا يتأتى من رغبة الناس العاديين في تحصين وحماية السلاح غير الشرعي في احياء المدينة في طبيعة الحال، بل من محاولة الاسير استثمار الخلل في امتناع الجهات الامنية والقضائية عن اصدار اي مذكرة بحث وتحر في حق من أطلق النار وتسبب بمقتل اثنين من انصار الاسير ومرافقيه في منطقة التعمير مطلع الشهر الجاري. علمًا أن ظهور المسلحين جاء خلال مشاركتهم في تشييع القتيلين.
واختيار الاسير هذا العنوان موصولا بشعار “كفى استخفافاً بأهل السنة” جاء في اعقاب الحديث عن انكفائه وتراجع الظاهرة التي يمثلها، بعدم عزف عن الانتقال الى حالة مسلحة، اثر تحذيرات وصلت اليه من قبل الحركات الاسلامية في صيدا ومخيم عين الحلوة، والتي أظهرت اعتراضها على انتقاله من ظاهرة دينية وشعبية الى تنظيم مسلح. وهي الى جانب فاعليات سياسية واقتصادية في المدينة أبلغته في الايام السابقة انها لن تتساهل في تجاوزه ثلاثة “خطوط حمر”:
• لا اعتصام مفتوحاً في المدينة
• لا تنظيم مسلحاً في صيدا
• لا قطع للطرق، خصوصًا تلك التي تصل صيدا بالجنوب.
نفَذ الاسير من هذه اللاءات عبر بوابة الرد على ما يعتبره “استخفافا بأهل السنّة”، من خلال تهاون المؤسسات الرسمية في اتخاذ اي اجراء في حق من ارتكب مقتلة تعمير عين الحلوة، ومن خلال تشددها مع كل من يعارض حزب الله، وذلك اعتقالا واحكاما وملاحقات. وهو ما تؤكده مصادر قريبة من الاسير، إذ تعتبر ان حزب الله هو من يتحكم بالقضاء والاجهزة الامنية والعسكرية، وان عدم صدور اي بلاغات بحث وتحر او توقيف سببه قرار الحزب، الذي يشدد انصار الاسير على انه “يوفر الحماية للمتهمين المنتمين الى صفوفه”. وهذه الاتهامات، التي تلقى صدى في اوساط الصيداويين، كان عبّر عنها امين عام تيار المستقبل احمد الحريري اثر”قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة إصدار بلاغ بحث وتحرِّ في حق 24 شخصًا كانوا يحملون السلاح في صيدا “، باستنكاره “الإستنسابيّة الفاضحة في تعاطي القضاء مع تداعيات هذا الحادث الخطير”، ورفضه “الكيل بمكيالين”، متسائلا إن كان “هناك مواطنون درجة أولى ودرجة ثانية”.
إذاً، يستعد الشيخ الاسير لتظاهرة الأحد الآتي، حين تشهد المدينة عادة تدفقاً للجنوبيين العائدين من قراهم في اتجاه بيروت. وينوي التحرّك من دون ان يتجاوز “الخطوط الحمر”. إذ حيّد بخطوته هذه اي صدام سياسي مع تيار المستقبل، في وقت يستعد لاطلاق تجمع يضم الحركات السلفية في لبنان ضمن اطار واحد رجح البعض ان تمهد المسيرة للاعلان عنه خصوصًا ان بعض القيادات السلفية من البقاع والشمال ستشارك في هذه التظاهرة. كما ذكرت اوساط اسلامية قريبة من الاسير، وعلى صلة مع حزب الله، انها لا ترى في تظاهرة الاسير، كما هي مقررة ومعلنة، اخلالاً في التفاهمات التي عقدتها معه. هذا وإن تخوفت من قطع الطريق لساعات قليلة، كون التظاهرة ستنطلق من عبرا في اتجاه ساحة النجمة، وبالتالي سيسبب مسارها قطعا للاوتوستراد الشرقي الشريان الاساسي لحركة السير الى الجنوب ومنه، فيما تجري محاولات مع الشيخ الاسير لحضه على تلافي هذا المسار الذي قد يسبب اضرارًا لا مبرر لها.
وسط هذا المشهد تبدو قيادات المدينة شبه منكفئة، مفتقدة اي مبادرة جدّية تخرجها من هذا التناتش الذي يتخذ ابعادا مذهبية. رغم أنّ وفدًا من مؤسسات في المجتمع المدني برئاسة ماجد حمتو أجرى سلسلة اتصالات مع النائب بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة والنائب السابق اسامة سعد وفاعليات سياسية ودينية اقتصادية متنوعة، بهدف بناء طاولة حوار صيداوية تضم الاتجاهات النافذة في المدينة كلّها، لتلافي المخاطر التي تحيط بأمن صيدا ومحيطها سياسيًا واجتماعيًا.
إجتماع فاعليات المدينة بات ضرورة ملحة، لأن غيابه أظهر بشكل واضح الفراغ الاعتدالي في المدينة لحساب استقطاب مذهبي ينذر بالأسوأ اذا لم يُلجَم. ولم تكن مطمئِنة أبدًا المسيرة الحسينية التي نظمها حزب الله قرب مجمع فاطمة الزهراء في صيدا، للمرة الاولى في العاشر من محرم، بمشاركة حشد كبير وُصِفَ بأنّه “عرض عضلات” في ظل الاحتقان السائد وأثر المواقف التي اطلقها الشيخ الاسير بالتصعيد بعد عاشوراء.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد