في 9 آب/أغسطس، وخلال زيارته لسوريا، صرح علي أكبر ولايتي المستشار المؤثر على المرشد الأعلى علي خامنئي أن إيران مستعدة للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي. ولكن، في 11 آب/أغسطس، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين ميهمانباراست أن طهران ليست لديها خطط للتفاوض الثنائي مع واشنطن. وتدل هذه وغيرها من الإشارات المتضاربة عن وجود انقسامات داخلية عميقة بين الحلفاء السابقين في معسكر المتشددين في إيران. إن انقسامات من هذا القبيل هي جزء من النموذج القائم منذ مدة طويلة في الجمهورية الإسلامية: بأنه حالما يستولي فصيل على السلطة بإقصاء خصومه، فإنه سرعان ما ينقسم إلى أطراف متنازعة.
نزاعات أحمدي نجاد مع المحافظين القدامى
بعد أن فاجأت إيران المراقبين بقيام احتجاجات الحركة الخضراء في العام الماضي، من المرجح أن تفاجئهم مرة أخرى قريباً بخلاف حاد بين المتشددين الذين انقسموا بالفعل إلى فصيلين رئيسيين: محافظين قدامى ومحافظين جدد. وحتى وقت قريب، ظلت الجماعتان متّحدتين لأنهما اعتبرتا حركة الإصلاح تهديداً خطيراً للنظام. لكن خامنئي يعتقد الآن أن الآلة القمعية للنظام قد أدارت بنجاح أزمة ما بعد الانتخابات. ونتيجة لذلك، فإن الفجوة التي لا يمكن جسرها بين ناخبي الرئيس أحمدي نجاد ومراكز القوى التقليدية مثل رجال الدين وتجار البازار، أصبحت ظاهرة للعيان.
وقد برز هذا الإنشقاق عبر عدد من الأحداث التي وقعت أخيراً:
•
رجال الدين المتشددون:
في المؤتمر الكبير الأخير للإيرانيين المقيمين في الخارج، أكد رئيس موظفي الرئاسة إسفنديار رحيم مشائي الرغبة [الكبيرة] للحكومة في العمل مع المهاجرين الإيرانيين، واعتبرهم جزءاً من “المدرسة الإيرانية” التي يمكن أن تساعد على إلحاق الهزيمة بخطط الغرب. ورداً على ذلك، قال المناصر الرئيسي السابق لأحمدي نجاد بين رجال الدين، آية الله محمد تقي مصباح يزدي: “لم نوقع على عقد أخوّة مع أي شخص [كان]. وإذا انحرف شخص ما عن المسار القويم، فإننا ننصحه في البداية، ثم نضربه بالعصا”. ويعكس مثل هذا النقد كيف أن أحمدي نجاد هدم بالفعل جسره الأخير إلى المؤسسة الدينية. وقد جادل مصباح يزدي أيضاً بأن الأزمة السياسية القادمة في إيران ربما تنشأ من الناس الذين يبدون حالياً موالين للنظام – وهو، بذلك، يشير ضمنياً إلى أن حاشية الرئيس الإيراني يمكن أن تشكل التهديد المحتمل القادم للجمهورية الإسلامية.
•
البازار:
انتقد رجل الأعمال البارز حبيب الله عسكر أولادي تعليقات مشائي أيضا ًقائلاً: “أمريكا ربما تريد أن تدفع لهؤلاء الناس (مثل مشائي)، وإذا لم يُدفع لهم بالفعل [فإنهم] خدم [أمريكا] بلا أجر”. وبالإضافة إلى ذلك، تم مؤخراً إغلاق البازارات في طهران والعديد من المدن الأخرى الكبيرة لعدة أيام احتجاجاً على الزيادات الضريبية الباهظة التي أقرها أحمدي نجاد على التجار.
•
السلطة القضائية والبرلمان:
وبخ أحمدي نجاد السلطة القضائية علناً بسبب معاملتها للصحفيين الذين يدعمونه. وقد رد رئيس الهيئة القضائية صادق لاريجاني هذا الأسبوع قائلاً: “نحن نتوقع من الرئيس أن يستخدم خطاباً مهذباً يقوم على البينة وتعبيرات طيبة وأن يكون أيضاً عادلاً ومحقاً”. وبالمثل، كان أعضاء المجلس صريحين في حديثهم حول سياسات أحمدي نجاد ولغته. وكما قال أحد المشرعين: “استخدام مفردات سكان الأحياء الشعبية، والنفور من الخطاب الدبلوماسي يضر البلاد”. ومن جهة أخرى، انتقد الرمز المحافظ البارز والأمين العام لـ “مجلس صيانة الدستور” آية الله أحمد جنتي، الرئيس أحمدي نجاد بسبب التطهير في كوادر الحكومة واستبعاد الأعضاء المحافظين السابقين.
استراتيجية أحمدي نجاد: خلق هويته السياسية الخاصة
منذ مدة طويلة، حاول الرئيس المحاصر [بالإنتقادات] رسم خط مميز بينه وبين المحافظين القدامى الذين ساعدوا آية الله خامنئي على الوصول إلى السلطة قبل إحدى وعشرين عاماً. ولكي يقوم بذلك، احتاج إلى دائرة مؤيدين جديدة مستمدة من طبقات اجتماعية كانت مهملة أو مستبعدة من قبل المحافظين التقليديين. وقد اضطرته هذه الحاجة إلى اختيار القومية لتكون خطابه السياسي الرئيسي ومزجها بأفكاره الدينية حول آخر الزمان.
كان القصد من الوجه الديني لهذه العملة هو جذب المتشددين في “الحرس الثوري” والمنظمات العسكرية والسياسية والإقتصادية الأخرى — ومعظمهم أفراد من ذوي الإتجاهات الدينية، المرتبطين بالحكومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وقد كان الهدف من الخطاب القومي هو غزو قلوب جيل الشباب والعناصر العلمانية الذين يمثّلون الثروة، أو أعمالاً تجارية مرتبطة بالغرب، أو يملكون إرتباطات سياسية، أو لهم مصداقية كمثقفين. إن هذه العناصر، التي أغلبها من الجناح اليساري، ليست بالضرورة مغرمة بالثورة الإسلامية لكنها تفتخر بالسياسة النووية الإيرانية المتحدية [للغرب]، وكذلك بمواقف طهران المناهضة لإسرائيل والمعادية لأمريكا.
ومع ذلك، تقترن كل من عقيدة آخر الزمان والعقيدة القومية بنزعة مناهضة لرجال الدين. ويتجلّى ذلك في قرار أحمدي نجاد بتجاهل نصيحة فقهاء الشيعة حول العديد من القضايا. وتشمل الأمثلة تعيين النساء بمناصب وزيرات وجمع المهاجرين الإيرانيين في مؤتمر عالي التكلفة لم تُظهر فيه المشارِكات احتراماً للزي الإسلامي.
ويعتقد معظم نقاد أنه لو أظهر إخلاصاً لخامنئي وأدار البلاد حسب نصيحة المرشد الأعلى، فسوف تختفي معظم المشاكل الحالية. لكن أحمدي نجاد يريد تأكيد وجوده وتشكيل لغته الخطابية وهويته ودوائر مؤيديه المتميزة الخاصة به. ولذلك فهو يرحب بمعركة مع المحافظين القدامى الذين يستفيدون أيضاً من دعم خامنئي، ولهم تاريخ طويل في توطيد سلطته.
وأما عن سبب شعور أحمدي نجاد بالحاجة لمثل هذا الإستقلال، فلا بد للمرء أن يضع في اعتباره كيف وصل الرئيس الإيراني إلى السلطة في المقام الأول: كان ذلك من خلال اجتذاب [أبناء] الطبقات الشعبية ووعدهم برخاء اقتصادي ومعاقبة الفساد الحكومي. بيد أنه، بعد مرور أكثر من خمس سنوات ورغم ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى المستويات في التاريخ، ازدادت الحالة الإقتصادية في إيران سوءاً. ويتمنى الرئيس الإيراني أن ينقذ مستقبله السياسي بخليط من الخطاب القومي والنبؤي، إلى جانب سياسات اقتصادية غوغائية وخطاب سياسي مبتذل.
وأياً كانت استراتيجية [أعضاء] فصيل أحمدي نجاد، فإنهم سيواجهون صعوبات هائلة خلال الإنتخابات البرلمانية في العام المقبل. وكما هو الحال في الماضي، سيقوم الرئيس الإيراني على الأرجح بمغازلة الإيرانيين البسطاء الذين تم تهميشهم من قبل المحافظين الكلاسيكيين على مدى الثلاثين عاماً الماضية. كما أنه ربما يحاول أيضاً إقناع المتطرفين في الحكومة بأنه — وليس خامنئي — سيكون الملاذ الأخير لهم في حال وقوع اضطراب سياسي. وفي ضوء ذلك، ينبغي أن تُقرأ سياسته من خلال ما يقوم به من إغداق أكبر عدد ممكن من الإمتيازات الإقتصادية على “الحرس الثوري”.
مأزق وسلوك سياسي فوضوي
وصل الفصيلان المتنازعان حالياً إلى مأزق: فالمحافظون القدامى يسيطرون على فرعين من الحكومة (السلطة القضائية و”المجلس” و”مجلس صيانة الدستور” المرتبط به)، بينما يسيطر المحافظون الجدد بقيادة أحمدي نجاد على الفرع التنفيذي الأكثر قوة. ولا يبدو أي من الفصيلين قادراً على محو الآخر من المشهد السياسي، لكن كل واحد منهما يمكن أن يعيق مبادرات الآخر — مثل تخريب جهود الآخر للإنفتاح على المجتمع الدولي وتسوية الأزمة النووية.
ووفقاً لذلك، سيواصل كلا الفصيلين على الأرجح التأكيد على خلافاتهما الأيديولوجية والسياسية، وهي استراتيجية تبدو غريبة نظراً لأن كليهما يريد حماية ترتيبات السلطة الأساسية للجمهورية الإسلامية، التي يرفضها معظم الإيرانيين كما ظهر من خلال احتجاجات العام الماضي. ومع ذلك، المنافسة الشديدة بين مختلف الأجنحة كانت إحدى سمات الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها الأولى، والمجابهة الحالية ليست إستثناءً. وحيث أن أحمدي نجاد ومنافسوه لا يتّفقون حول المصالح الوطنية، فإن المستقبل القريب ينذر بمزيد من السياسات، الداخلية والخارجية، الفوضوية إيران.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، متخصص في سياسات إيران والجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.