إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(آباء الإستقلال الرئيس بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح وأحمد بك الأسعد في افتتاح “مطار خلده” الذي أصبح لاحقاً مطار بيروت الدولي. الآن يطالب لبنانيون كثيرون بافتتاح مطارات أخرى لأن المطار الرسمي يخضع لسيطرة الحزب الإيراني)
*
لعبت الطائفة الشيعية في تاريخ لبنان أدواراً مهمة في مناطق محددة من البلاد في “بعلبك”، وِجبَّة المنَيطرة” في أعالي “جبيل”، وفي “جبل عامل”. وكانت جميع هذه الأجزاء خارج إمارة جبل لبنان رسمياً.
كانت “جبيل” تحت ولاية باشا طرابلس وتم تلزيمُها إلى أمير جبل لبنان بموجب عقد على أساس سنوي. كان “جبل عامل” تحت الحكم المباشر لباشا عكا، وكان منطقة متمردة على العثمانيين منذ الأيام الأولى.
في الواقع، عندما وصل نابليون إلى حصار عكا عام 1799، لم يقف معه إلا شيعة “جبل عامل” بشكل علني، بسبب التنكيل وسوءِ المعاملة التي تعرضوا لها من باشا عكا، “أحمد باشا الجزار”.
مِثلَ جميع المجموعات العِرقية والدينية في لبنان، كان الشيعة تحت قيادة أسيادهم الإقطاعيين: ال حمادة في الشمال وعلي الصغير (الأسعد لاحقًا) في جبل عامل. وكانوا مكروهين بشكلٍ خاص من العثمانيين حيث كان يُنظَر إليهم على كـ”مرتدين” خارجين عن عقيدة “أهلِ السُنَّة والجماعة”. وقد تعرضوا لهجماتٍ وحملات عسكريةٍ شنيعة ومدمِّرة في “كسروان” تحت تأثير كتابات “إبن تيمية” (1263-1328)، الفقيه السني الذي كتبَ العديدَ من المنشورات ضد الشيعة. وأصدر حُكماً بالجهاد ضد شيعة كسروان، وقاتلَ بنفسه في حملات كسروان، واتهم الشيعة بأنهم ما نسميه في عصرنا الطابور الخامس للصليبيين والمغول.
وعندما اعتُمِدَ نظامُ المتصرفية على لبنان عام 1861، كانوا جزءاً أصغر منه، حيث لم يكن “جبل عامل” و”بعلبك” ضمن حدود المُتَصَرّفِيّة.
وعندما أُعلِنَت “دولة لبنان الكبير” عام 1920، تمَّ دمجُهم، كرهاً، في حدوده. ومع ذلك، فإن هذا الإطار الذي فرضته فرنسا لحماية المسيحيين في منطقة موسَّعة لجبل لبنان، كان الدولة الوحيدة التي قَبِلَتهم كمواطنين كاملين، دون أي تمييزٍ على أساس ميولهم الدينية.
في عام 1943، أَقرَّت “الجمهورية اللبنانية”، وهي نظامٌ رئاسي في الأساس، رئاسةَ البرلمان للشيعة، وهي الأولى من نوعها في أي بلد عربي بما في ذلك العراق وسوريا ودول أخرى.
شهدت فترة ما قبل الحرب عام 1975 انقسامَ المجتمع الشيعي إلى قسمين: الإقطاعيين الشيعة السابقين الذين اندمجوا بالكامل في النظام الذي يهيمن عليه المسيحيون (من “ّالدستوريين” إلى “الشمعونيين” إلى “الشهابيين”) والطبقة الوسطى الدنيا، المتعلمة، النشيطة والمستعدة للعب دور أكبر في المجتمع الذي قام بتهميشها، وخاصة داخل طائفتها. هذه المجموعة تَبنَّت وجهات نظر “يساريةّ وتحالفت مع “الحركة الوطنية” بزعامة كمال جنبلاط و”منظمة التحرير الفلسطينية”. ومع ذلك، كان معظم المواطنون الشيعة مؤيدين للبنان ومعاديين للمشاريع الأجنبية.
خلال الجزء الأول من الحرب الأهلية (1975-)1976، كان الشيعة ضحايا التطهير العِرقي الذي ارتكبته الميليشيات المسيحية في الجزء الشرقي من بيروت، وتم طردهم من حَيِّهم الفقير في “النبعة” وغيرها. خلال الجزء الأخير من الحرب الأهلية التي وضعت القوات اللبنانية المسيحية ضد الجيش السوري، لم يشارك الشيعة، بأغلبيتهم، في المعارك الرئيسية (الأشرفية 1978، قرية “قناة” في قضاء “بشري” عام 1980، زحلة عام1981). في عام 1982، خلال بدايات الغزو الإسرائيلي للبنان، كان الشيعة في الجنوب يدعمون “الجيش البديل” (“جيش جنوب لبنان” الذي كانوا يشكلون 57% من أفراده) و”جيش الدفاع الإسرائيلي”، لسحق منظمة التحرير الفلسطينية. وبحلول نهاية ذلك العام، ومع غياب “منظمة التحرير الفلسطينية”، سارعت إيران إلى ملء الفجوة وبدأت الحركة التي سُمِّيَت فيما بعد “حزب الله” والتي باشرت بتفجيرات انتحارية ضد المحتلين الإسرائيليين.
وبالتقدم سريعًا إلى التسعينيات، وبعد سحق “الجَيب المسيحي” على يد الجيش السوري، بدعمٍ من الولايات المتحدة ديبلوماسيًا في أعقاب “مؤتمر مدريد للسلام”، بدأ الشيعة في لعب دور محوري. بعد تأمين موقعهم الجديد في قتال إسرائيل في الجنوب، أصبح الشيعة المجتمع المساعد للجيش السوري. وبما أن حافظ الأسد “علوي”، فقد وجدَ بين أبناء هذه الطائفة في لبنان حليفاً محلياً أكيداً وموثوقاً.
لكن دور إيران ونفوذها تعاظم وتنامى، وتبدد نفوذ سوريا على حساب حركة أمل بين الشيعة، ولصالح حزب الله وحده. والباقي هو مجرى التاريخ كما يقول المثل.
وهكذا، فإن هذه الجماعة التي حاربت العثمانيين، وتحالفت مع نابليون، وحاربتها نظريات “ابن تيمية” المتعصبة، واندمجت في “لبنان الكبير” ثم في “الجمهورية”، ولعبت أدواراً فعالةً في السياسة حتى عام 1975، وانحازت إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية جزئياً ومع جيش جنوب لبنان في قسم آخر، انقسمت بين فصائل موالية لإيران وأخرى موالية لسوريا، وباتت، الآن، تسيطر بشكل كامل على لبنان، وهي ليست نقية وبسيطة في اختيارها كما يقول شعارها:” شيعة شيعة”..
ثم ماذا يعني هذا الشعار؟
إذا كان هناك اتساق في أي سياسة، فهو ليس كذلك. وإذا كان ذلك تمييزاً عن أي أقلية أخرى في لبنان في خياراتها الانتهازية والانتحارية أحياناً، فهو ليس كذلك. ماذا تقدم النخبة السياسية الشيعية (حزب الله أساساً) لمجتمعها ولم تقدمه الجمهورية اللبنانية، بكل عيوبها؟ ويبدو أن معظم أبناء هذه الطائفة ما زالوا يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، مع عِقَد اجتماعية و”عِقدة نقص” على الرغم من سيطرتهم المطلقة على البلاد. هم بالنسبة للسُنّة خارجون عن الأرثوذكسية الإسلامية. بالنسبة للدروز، فإنهم أبناء عمومة بعيدون ولكن مع اختلافات ثقافية واجتماعية ودينية عميقة. بالنسبة للمسيحيين فإنهم مجموعة متمردة ولاءها خارج الحدود وتبدو دوماً غير راضيةعن حالتها سواء عندما تكون في السلطة المطلقة أو محرومة ومهمشة.
ماذا يريد النظام السياسي الشيعي وماذا يمكنه أن يقدم لمجتمعه قبل بقية البلد؟
مشروع السلام والازدهار؟ بالكاد، عندما تكون متحالفة مع إيران التي تميل إلى حرب شاملة مع العرب الُسّنة ومع اليهود.
النمو الاجتماعي والاقتصادي؟ لم نرَ ذلك إلا في علامات الثروة المكتسبة حديثا لبعض الأفراد وليس المجتمع، أو حتى أغلبية هامشية منه.
لبنان أفضل؟ بأي طريقة: ثقافيًا، أو اجتماعيًا، أو سياسيًا، أو اقتصاديًا، أو غير ذلك؟ إذا سيطر “الحزب” يكون لبنان بخير؟ الواقع أن لبنان لم يكن بخير مع أي “فصيل مسلح غير شرعي”، سواءً كان مسلماً أم لا.
إن الطبيعة المتمردة المستمرة لهذه الأقلية النسبية قد تكون سبب ضعفها وسبب زوال الحزب وليس الطائفة .
الحزب ومعه مجتمعُهُ يريد الصعود إلى السلطة المطلقة باي شكل وثمن وتكلفة. وعندما يفعل وينجح بالاستيلاء على كل مقدرات البلد، يظل غير راضٍٍ وتبقى مطالب مجتمعه دون إجابة، سواءً كان الحليف “نابوليون” أو “سعد حداد” أو “أبو عمار” أو “حافظ الأسد” أو “ايران”!
سؤال ضروري : ماذا تريدون؟ شعار “شيعة شيعة” ليس الجواب.