ظهرت في أميركا والعالم مجموعات مدنية وسياسية أيدت الثورة السورية، ومطالب الشعب بالتغيير، وكان في تلك المجموعات سياسيون سوريون يهود بقوا على مسافة من التشويش الحاصل في أروقة المشهد السياسي السوري الحالي، لكنهم فاعلون ومؤثرون، من بينهم شلومو بولتس، الباحث في الشأن السوري والمشرف على تقديم أوراق العمل السياسية والدراسات والاستبيانات لكبار المسؤولين في الحكومة الأميركية والكونغرس.
هاجرت أسرة شلومو من مدينة حلب السورية إلى الولايات المتحدة، وما زالت تعتبر نفسها أسرة سورية، فلا يجد أفرادها، شأنهم شأن كثير من اليهود السوريين، مشكلة في كونهم يهوداً، الأمر الذي يعتبرونه لا يتعارض مع مواطنتهم السورية الكاملة، وحقهم في طلب التغيير الديمقراطي مثلهم مثل بقية أفراد الشعب السوري من المسلمين والمسيحيين والإيزيديين.
درس شلومو بولتس العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة كولومبيا، وحصل على الماجستير في المجتمع المعاصر والتحولات العالمية من كامبريدج، لينشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ومقاومة الأعمال الوحشية، والحوار بين اليهود والعرب طيلة السنوات العشر الماضية، كما أنه عضو في منظمة المغتربين السوريين في ميريلاند، وبدءاً من العام 2011 بدأ شلومو بالمشاركة في المظاهرات الداعمة لمطالب السوريين في أميركا، وأصبح عضواً في الائتلاف من أجل سوريا الديمقراطية في خريف العام 2012، وهو عضو في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في قسم مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط.
كان عدد اليهود السوريين في العام 1922 عشرة آلاف نسمة من أصل مليون ونصف المليون نسمة هو إجمالي سكان سوريا، فتجاوزت نسبتهم الشيعة السوريين الذين كانوا قرابة الـ”0.6” بالمئة، بينما شكّل اليهود ما نسبته “0.72” بالمئة، ليقتربوا من الإسماعيليين الذين يشكلون “0.9” بالمئة من السوريين، قبل ذلك كان قد تم تأسيس أول مجلس برلماني سوري في العام 1919 تحت اسم المؤتمر السوري، انتخب اليهودي لينادو نائبا عن دمشق، واستمر في عضوية مجلس النواب السوري إلى العام 1943 حيث انتقل تمثيل اليهود للبرلمان السوري من دمشق إلى حلب بفوز اليهودي الحلبي عزرا أزرق، وبعد الاستقلال، أجريت انتخابات نيابية في العام 1947 وأصدر الرئيس شكري القوتلي مرسوما حدّد بموجبه عدد نواب الدوائر الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها فكان نصيب دمشق مقعدا واحدا لليهود فاز به اليهودي وحيد مزراحي نائبا عن دمشق وضواحيها، وبلغ عددهم في العام 1957 اثنان وثلاثون ألف نسمة.
شلومو بولتس يقول لـ “العرب” إن “اليهود السوريين في بداية الثورة كانوا ينشدون مع المتظاهرين عن بعد (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد)”
الهجرة في عهد حافظ الأسد
” كان اليهود يشاركون في الحياة العامة قبل نظام حافظ الأسد” يقول شلومو بولتس لـ”العرب”، ويضيف: “في عهد الأسد الأب غادروا البلاد جميعاً، هاجروا بالفعل بسبب ضغط المخابرات الأسدية، لأن كل حفل ديني أو صلاة أو عيد أو أي مناسبة، كنت ترى عناصر المخابرات في كل مكان، يتدخلون ويراقبون، حتى أصبحت الحياة مستحيلة بالنسبة إلى اليهود السوريين في سوريا مع أنهم لم يكونوا يرغبون بممارسة السياسة في هذا المناخ”، ولكنه يشرح قائلاً: “نحن نحلم بالمحافظة على الثقافة والدين في المستقبل، ونحتاج الصلات والاختلافات الدينية والثقافية، لأنها تعني الغنى والثراء الروحي، وقد تم عزل اليهود السوريين عن بقية أفراد شعبهم، كما تمّ عزل بقية الطوائف بصورة أو بأخرى، حتى يظهر الأسد وحده كحاضن للأقليات وحامٍ لها، هذا حصل في سوريا وحدها، لكن في المغرب يمكنك أن ترى اليهود يعيشون بصورة طبيعية، وكذلك في تونس، حتى بعد الثورة التونسية على نظام زين العابدين بن علي، لم نسمع بحادثة واحدة ضد اليهود، إذاً ما حصل ليهود سوريا كان بسبب طبيعة النظام الأسدي”.
ولكن كيف كان رد فعل اليهود السوريين في الولايات المتحدة والمهجر، تجاه الانتفاضة الشعبية السلمية في العام 2011، وخروج المظاهرات التي طالبت بالتغيير وإسقاط النظام؟ يقول شلومو: “أنا أعتقد أن معظم اليهود السوريين لم يكترثوا في البداية كثيراً لما فعلته الثورة السورية، كنت أحكي مع يهودي عراقي في بداية الربيع العربي، وكانت المظاهرات قد بدأت، وفي ذلك الوقت كان العراقيون السنة والشيعة والأكراد موحدين ضد الطاغية المالكي، قلت له إن مظاهرات العراق من كل الأطياف وكل الأديان، لكنه قال إنها نوع من الفوضى، وسمّاها (أناركية) وهي تخلق وضعاً غير آمنٍ، أتفهّم كيف يفكر اليهود، ولسبب مثل هذا هاجرنا نحن أيضاً من سوريا، لأنها لم تكن آمنة، لكن مع زيادة العنف الذي استخدمه الأسد ضد الشعب، بدأ اليهود السوريون يفكرون في مساعدة اللاجئين والمحتاجين من الشعب، وقد بدأت أحاديث ومشاريع عن هذا في الشهور الأولى من عمر الثورة، لكنّ كثيراً منها لم يحدث، أنا شخصياً شعرتُ أن وجهة نظر الغالبية من الشعب السوري تجاه اليهود السوريين كانت خاطئة، لأنهم اعتبروا أن كل الصلات قد انقطعت بين اليهود السوريين وسوريا، ولكنّ اليهود السوريين في بداية الثورة كانوا ينشدون مع المتظاهرين عن بعد (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد)”.
الهولوكوست والكيميائي
لا يجادل شلومو بولتس في شأن مسؤولية رأس النظام السوري بشار الأسد، عن المجازر المرتكبة بحق الشعب، يقول لـ”العرب”: “أنا مع الربيع العربي، وأريد أن أساعد شعبي السوري، لأن ما يحصل في سوريا هو إبادة جماعية بمعنى الكلمة، حصلت على مدى أربع سنوات، وتحصل الآن على يد نظام بشار الأسد، واليهود يعرفون الإبادة الجماعية من الهولوكوست، ولذلك يجب على اليهود أن يكونوا ضد كل إبادة جماعية في أي مكان”، يتحدث بولتس عن مجموعات من اليهود السوريين تنشط في مجال الإغاثة، وتناصر الثورة السورية، وأنها تزداد تعداداً بشكل دائم، فينضم إليها يهود جدد من أصول سورية، ولكنهم لا يريدون أن يبدو الأمر دعائياً ويصرون على أن الهدف الوحيد لديهم هو حماية الشعب السوري مما يتعرض له، ويضيف: “حين استعمل الأسد الكيميائي في الغوطة، كان رد الفعل كبيراً من قبل اليهود السوريين، وقالوا إن هذا تصرفٌ إجرامي، وهؤلاء الأبرياء من شعبنا، ماتوا كما مات اليهود في الهولوكوست على يد النازيين، حتى أن الأيباك، كان يدعم القرار الأميركي في الكونجرس بتوجيه ضربة عسكرية للأسد، وأنا أظن أن معظم اليهود الأميركيين سوريين وغير سوريين، كانوا مصدومين مما حدث في الغوطة”.
موقف إسرائيل
لكن كيف تفكّر إسرائيل من خلال معرفة شلومو بولتس بالكواليس السياسية اليهودية، تجاه ما يحدث في سوريا؟ كثير من السوريين يعتبرون أن بقاء الأسد مطلب إسرائيلي، وأنها هي من تحميه في الخلفية، لأنه حافظ على مصالحها وقام بحماية حدودها في سوريا ولبنان، يقول شلومو بولتس: “إسرائيل ليست رأياً واحدا، بالنسبة إلى سوريا، هناك العامل الإيراني، الذي تحسب له إسرائيل حسابات خاصة، وكذلك حزب الله، هؤلاء تصنفهم إسرائيل أعداء لها، ومنذ أن وقعت مجزرة الحولة، لم يتوقف السياسيون الإسرائيليون، وخصوصاً اليمينيون منهم، عن إدانة تلك المجازر، من الممكن أن تقول إن هذه الإدانات مجرد كلام سياسي لا يعكس حقيقة الموقف، ولكن كانت هناك مظاهرات في إسرائيل خرجت لتدعم الشعب السوري، وأنا لديّ صلات مع إسرائيليين مؤثرين من داخل النظام الإسرائيلي الحاكم، وأسألهم عن الثورة السورية التي هي ضد إيران وضد حزب الله عدو إسرائيل، لا نتحدث عن الإبادة والمجازر، بل عن الجيواستراتيجي، وعن المصالح الكبيرة في المستقبل، وأسألهم لماذا لا تدعم إسرائيل الشعب السوري، فيقولون إن في إسرائيل تيارين، الأول يؤمن أن الشعب السوري يريد انتصار ثورة ديمقراطية، بينما الثاني يقلق من الإسلاميين المتطرفين مثل النصرة وداعش”.
سيتساءل كثيرون عن موقف اليهود السوريين من قضية الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، وهو الموقف الذي بقي ملتبساً مغلفاً بالغموض مثل كل ما يتصل باليهود السوريين أنفسهم، يقول شلومو بولتس: “معظم اليهود السوريين كانوا مع مفاوضات السلام التي أجريت في الماضي، من أجل التوصل إلى اتفاقية نهائية تضع حداً، للحرب، وتعيد الجولان إلى سوريا، وقبل الثورة عملتُ طويلاً على الحوار العربي اليهودي، وناصرتُ كل ما كان يحصل من تقدّم في تلك المفاوضات بين نظام الأسد وإسرائيل، ولكن حين تفكّر في الأمر من جديد، فمن هو الذي يملك الحق في إقامة السلام؟ حكومة مثل حكومة الأسد؟ أم الشعب السوري؟ كنا نتمنى أن يتم التوصّل إلى سلام، ولكن من الأفضل أن تكون الحكومة التي توقع السلام حكومة شعبية منتخبة ديمقراطياً، كنت ولا زلتُ مع إعادة الجولان للشعب السوري، وكان يمكن أن يحصل ذلك السلام، ولكن الآن المجتمع المدني مهم أكثر من المفاوضات بين نظامين سياسيين قد يتغيران في أي لحظة، لأننا بحاجة إلى أن نضع حداً للصراع بين اليهود والعرب، العلاقات بين الشعبين هي الأهم، وأتمنى أن يحدث هذا الآن”.
يقرأ شلومو بولتس في خارطة النزاع السوري اليوم، وفق اعتباراته هو، فيقول: “أنا مناصر للجيش الحر، لأنه الوحيد الذي يحمل علم الاستقلال، فهذا هو العلم الذي كان قبل الأسد، حين كان هناك يهود سوريون في سوريا، وأنا ضد داعش بالطبع، لأنها تقتل المسلمين وقد ارتكبت مجازر كبيرة، وأظن أنه من الممكن أن يكون نظام الأسد وإيران قد قاما بصناعة داعش للقضاء على الثورة السورية وتوسيعه النفوذ، ولكن المهم واللافت أن داعش لم تحارب نظام الأسد، في المناطق التي سيطرت عليها داعش، 60 بالمئة من الداعمين لداعش كانوا ضد المعارضة السورية، ونسبة 13 بالمئة فقط منهم كانت ضد النظام السوري، داعش في الواقع ضد النظام الأسدي بالكلام، أما بالفعل فهم يساندون بشار الأسد، ولديهم نفس الأهداف، ولذلك يجب أن نحارب الاثنين معاً، ونرفضهما، ونتخلص منهما”،
أما الكتائب الإسلامية المستقلة التي تقاتل على الأرض، فيقول عنها شلومو: “بالنسبة إلى المعارضة الإسلامية مثل الجبهة الإسلامية، أنا لا أتفق مع أرائهم السياسية بالتأكيد، ولكن أنا أعلم أنهم يحمون الشعب السوري من مجازر الأسد، ولذلك أنا سعيد بانتصارهم”، لكن الأمور كما يراها شلومو بولتس، كانت قد بدأت تتعقّد في منعطف هام، يحدّده كما يلي: “منذ معركة القصير، كانت إيران قد بدأت تحضر على الساحة السورية بقوة، ودون تغطية، ممثلة في حزب الله، الذي رفع شعارات طائفية على مآذن المساجد السنيّة، وروسيا تدعم الأسد طيلة الوقت، كيف يمكن للشعب السوري أن يقاوم هذا كلّه وينتصر عليه؟ الأقوياء أكثر”.
خطة دي مستورا
يعارض شلومو بولتس خطة دي مستورا ويقول: “نحن نعمل بقوة، ونشرح للمسؤولين في واشنطن، أن هذا ليس هو الطريق الصحيح، هذا طريق خاطئ، لأن أميركا الآن لديها مشكلة مع داعش، بعد ثلاث سنين من المجازر ضد الشعب السوري، ولم يكن لديكم مشكلة أمام أوضاع السوريين، خلال ثلاثة أشهر فقط تمكنتم من أن تقوموا بعمليات عسكرية دون موافقة من النظام الأسدي.
أعتقد أن دي مستورا وخطته من الممكن أن يساعدا في الحرب ضد داعش، لكن هذا انتصار لإيران في الوقت ذاته، وقد كان هناك وقف لإطلاق النار في حمص، وفق خطة هدنة سابقة، طبعاً لم يتلزم بها الأسد بل إنه استغل ذلك لإجراء تغيير ديمغرافي على بنية سكان حمص، الأميركيون يقولون نحتاج إلى عقد اتفاق مع السنة المعتدلين في العراق وسوريا، ضد داعش، ولا أعتقد شخصياً أن قرارات تؤدي لمثل ما حدث في حمص يمكن أن تحصل على موافقة من السنة المعتدلة، لأن السنة المعتدلة في حمص لا يمكنها العودة الى حمص الآن، السنة المعتدلون هم في مخيمات لبنان يتعرضون للهجوم من حزب الله، هناك صراع كبير في المنطقة، والمشكلة أن إيران هي الدولة الأكثر طائفية في كل الشرق الأوسط، وكل الناس يقولون إن داعش كسرت الحدود العراقية السورية، ولكن قبل هذا، حزب الله فعل الشيء ذاته تجاه الحدود السورية اللبنانية في معركة القصير”.
الحل السياسي في سوريا
يقول شلومو بولتس إن الأسد لن يسلّم السلطة بالحل السياسي، ويضيف: “من يعتقد أن بشار الأسد يريد في المستقبل أن يتحول إلى شخص عادي يعيش فقط خارج السلطة واهم، وأنا أعتقد أن إيران وحزب الله حلفاؤه أقوى منه بكثير في سوريا، ولا أظن أنهم يمكن أن يسمحوا له بتسليم السلطة، أتمنى لو أستطيع القول إن المفاوضات التي يتحدثون عنها في موسكو وغيرها يمكن أن تجلب السلام، ولكن أنا رأيت ما يفعل بشار الأسد في المفاوضات عن مستقبل سوريا، والقول إنه يحارب الإرهاب كاذب، ففي الوقت الذي قال هذا، كانت المعارضة السورية هي من يحارب الإرهاب وليس نظام الأسد، بينما كان هو يدعمه بالبراميل المتفجرة فيقوّيه ويضعف المعارضة، إذا تم تطبيق حل سلمي صارم فستنتصر المعارضة من جديد، ولكن هذا لن يحصل، لأنه سيكون نهاية للنظام الأسدي، ومع الوقت فإن الأسد يضعف بلا حسم عسكري، وبلا حل سياسي، يوجد اليوم في الأراضي السورية متطرفون حقيقيون، مثل داعش، وهم يقتلون العلويين، ولكن المعارضة لم تفعل هذا معهم، ولم ترتكب مجازر بحق العلويين، ولذلك فإن العلويين بدأوا يقولون كفى، لم نعد نريد أن نحارب الطوائف الأخرى من أجل بشار الأسد، في الوقت الذي بدأت تتفاقم فيه مشاكل الأسد مع مقاتليه وجنوده، لهذا أتمنى أن يعيد الجيش الحر والمعارضة المعتدلة تشكيل أنفسهم من جديد، هذا هو الطريق الوحيد لكي يسقط بشار الأسد”.
يهود سوريا والمعارضة
هل ينشط اليهود السوريون ضمن تشكيلات المعارضة السورية السياسية؟ وهل لديهم أي دور في المحافل الدولية للدفاع عن قضية الشعب السوري؟ يقول شلومو بولتس: “أنا موجود، وأقول لك إن معظم اليهود السوريين لديهم تعاطف كبير مع الثورة السورية، وإذا تسنى لهم أن يفعلوا شيئاً إيجابياً فسيكون هذا أفضل، هم الأقلية الصغرى في سوريا، وإذا تشكّل لوبي سوري حر في الولايات المتحدة سيكون لديهم دور كبير حتماً”.