(28/10/09)- “سكايز” – دمشق/مايا أحمد
قطع الشك باليقين عن تأجيل توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي، حيث أعلن مصدر دبلوماسي قريب من الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي أن توقيع اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية الذي كان من المزمع توقيعه في 26/10/2009 قد أرجىء إلى موعد آخر، وذلك بناء على طلب دمشق للتدقيق فيه.
وأعرب وليد المعلم، وزير الخارجية السوري آنذاك، عن شكوك جدية حول إمكانية توقيع الاتفاق في التاريخ الآنف الذكر في اللوكسبورغ كما كان يأمل الأوروبيون.
وأضاف المعلم أن الاتحاد الأوروبي “جمّد الاتفاق في 2004 والقرار الأوروبي بتوقيعه قد فاجأنا، لذلك يتعين على الحكومة السورية بحث كل تفاصيل هذا الاتفاق”، وأوضح “إذا ما أنهت الحكومة السورية التدقيق في الاتفاق خلال رئاسة السويد للاتحاد الأوروبي التي تستمر حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2009 نوقع الاتفاق، وإلا سنوقعه خلال الرئاسة الاسبانية” التي تبدأ في الأول من كانون الثاني/يناير 2010.
وفي الثامن من تشرين الأول/اكتوبر الماضي اتفق مندوبو بلدان الاتحاد الأوروبي على توقيع اتفاق شراكة مع سورية في 26 من الشهر الجاري، بعد بضع سنوات من التردد. فرغم أن اتفاق الشراكة قد تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى في خريف 2004 بعد سنوات من التفاوض، تم تجميده في 2005 إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والذي تبعه تدهور العلاقات بين سورية والدول الأوروبية.
استخدمت هولندا حق النقض فترة طويلة على توقيع الاتفاق، مشددة على إدراج بند ينص على تعليق الاتفاق إذا ما حصل انتهاك لحقوق الإنسان. وتنص تسوية قدمتها الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي على أن يترافق مشروع الاتفاق مع إعلان منفصل للبلدان الأوروبية، كما ذكر مصدر دبلوماسي في بروكسل.
وتتيح اتفاقات الشراكة للاتحاد الأوروبي منح مساعدات مالية شرط التزام البلدان الموقعة الاستمرار في بعض الإصلاحات.
استمرار التجاوزات
اعتقال مهند الحسني وهيثم المالح
بالتزامن مع الضجة الإعلامية التي رافقت تأجيل اتفاقية الشراكة السورية الأوربية، استمرت السلطات السورية بانتهاج القمع وانتهاك حقوق الإنسان وقمع حرية التعبير، حيث أقدمت على اعتقال العديد من ناشطي المجتمع المدني كان أبرزهم المحامي والناشط الحقوقي مهند الحسني، ومؤخراً اعتقال شيخ الحقوقيين السوريين كما وصفه العديد من السوريين المحامي هيثم المالح، وذلك إثر مقابلة له مع قناة “بردى” الفضائية السورية المعارضة التي تبثّ من خارج سورية.
هيثم المالح محام وناشط وكاتب حقوقي من مواليد دمشق 1931، حاصل على إجازة في القانون، ودبلوم القانون الدولي العام، بدأ عمله كمحام منذ عام 1957 وهو قاض سابق. اعتقل لمدة 6 سنوات بين عامي 1980 ـ 1986 مع عدد من النقابيين والناشطين السياسيين والمعارضين بسبب مطالبتهم بإصلاحات دستورية، ساهم في تأسيس جمعية حقوق الإنسان في سورية، وترأسها لأكثر من مرة.
أشار المالح في مقابلته مع قناة “بردى” في برنامج “بانوراما”، إلى عدة نقاط أهمها القبضة الأمنية التي تشتدّ من شهر إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى في سورية، وقال “إن أحوالنا في هذا العام هي أسوأ من العام الماضي، فالاعتقالات تزداد”. وأشار إلى أنه كل من يتحرّك في سورية في الجانبين السياسي أو الاجتماعي، يتحرّك بشكل سلمي، فـ”إعلان دمشق” مثلاً ينادي بالتغيير السلمي الديمقراطي المتدرّج، وما من أحد يعتقد أن هناك طريق للتغيير بالعنف أو الثورة. وأكّد أن السلطة لديها إمكانيات ضخمة من حيث الجيش والمخابرات والشرطة والأسلحة ووسائل القمع، لكنها تتمترس خلف قوانين خارجة عن أي مفهوم حقوقي أو مفهوم عدالة.
وتحدّث المالح عن واقع الحال في البلد قائلاً إن القوانين لدينا في الكتب فقط، وأن الكتب على الرفّ منذ زمن بعيد، وأكّد أن البلد يُدار بواسطة أوامر وبلاغات وتعليمات، وأنه ليس في سورية أي شخص فوق رأسه مظلة تحميه من عَسْف السلطة وعدوان الأجهزة الأمنية. وأضاف أنه يجري تعطيل الدستور السوري في ظلّ حالة الطوارئ، فالأجهزة الأمنية الآن تصدر أوامر كي تصادر بيوت الناس. واعتبر أن حزب البعث مجرّد واجهة، وبعض أفراده متنفذين ومستفيدين من السلطة، بينما من يحكمون البلاد هم خلف الستار، كما قال أنه لا يعرف من بيده الأمر في هذا البلد من أجل حلحلة مشاكل الناس، ومن بيده مفتاح المستقبل.
وردا على مقابلته التلفزيونية إستدعي المالح للتحقيق من قبل إدارة أمن الدولة، وتم اعتقاله بتاريخ الأربعاء 14/10/2009 ومن ثم حوّل إلى القضاء العسكري بدمشق الأربعاء 21/10/2009 حيث ثم استجوابه أمام النيابة العسكرية بدمشق عن عدد من مقابلاته الإعلامية وعدد كبير من مقالاته وخطاباته إلى الرئيس الأسد، أمر القاضي بعد ذلك بتوقيفه وإيداعه سجن دمشق المركزي في عدرا، حيث حركت الدعوى بحقه بتهم “نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة، والإساءة إلى رئيس الجهورية والقضاء السوري”.
نداءات دولية وعربية عديدة دعت إلى إطلاق سراح المالح، تم تجاهلها كلها، حيث دعت الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” إلى إطلاق سراح المالح والاعتقالات التعسفية بحقّ المعارضين. وقال البيت الأبيض في بيان “ننضم إلى المملكة المتحدة وفرنسا وأطراف دولية معنية أخرى في التعبير عن القلق العميق فيما يتعلق باعتقال محامي حقوق الإنسان هيثم المالح من جانب أجهزة الأمن السورية يوم 14 تشرين الأول (اكتوبر)”.
وأشار البيان إلى أن اعتقال المالح “هو أحدث إجراء سوري في حملة مستمرة منذ عامين ضد المحامين وناشطي الجمعيات الأهلية، ويجب على سورية أن تظهر التزامها بالأعراف القانونية الدولية بالإفراج عن المالح ومواطنين سوريين آخرين سجنوا لمجرد أنهم يمارسون حرياتهم السياسية المعترف بها دولياً”. ودعا البيت الأبيض الحكومة السورية إلى “تحمل مسؤولياتها بموجب المعاهدة الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية وإلى إنهاء ممارساتها في مجال الاعتقالات العشوائية”.
العديد من الحقوقيين السوريين ابدوا ارتياحاً من تأجيل اتفاقية الشراكة السورية الأوربية، على أمل أن يكون هذا التأجيل مفيداً لقضايا حقوق الإنسان، التي على دمشق الالتزام بها وفقاً لبنود الشراكة. حيث أكد المحامون أن ملف حقوق الإنسان مطروح في هذه الشراكة، وطلب التأجيل السوري يؤشر على عدم جديتها في الالتزام ببنود الاتفاقية. وأشار محام مقيم في دمشق فضّل عدم ذكر اسمه الى وجود وثيقة ستترجم من قبل إحدى السفارات الأوربية بدمشق لكي يطلع عليها الجمهور السوري، تتضمن أهم الالتزامات المطلوبة من سورية.
وأضاف المحامي “الاتفاقية مبرمة ولا مجال لتأجيل أي بند من بنودها، حيث الالتزام كامل بها وبكافة نقاطها، على سورية الالتزام بها حرفياً، وعدم تأجيل أو إهمال أي بند من بنودها”.
من جهته نفى ناشط سوري أن يكون النشاط الحقوقي وأوضاع حقوق الإنسان السوري عامة قد تأثرت إيجابياً بالانفتاح العربي والأوروبي على دمشق.
ورفض أستاذ الاقتصاد، السجين السياسي السابق عارف دليلة في تصريحات خاصة لوكالة “قدس برس” الربط بين الانفتاح العربي والدولي على سورية وبين واقع حقوق الإنسان السوري، وقال: “لن يكون هناك أي أثر للانفتاح العربي والأوروبي على سورية على أوضاع حقوق الإنسان السوري، لأنه ببساطة شديدة لا علاقة بين الأمرين، فالموضوع الحقوقي ليس مطروحاً على الطاولة. ولا أحد يراهن على الخارج في مثل هذا الموضوع، لأنه لا أحد يطرح ملف حقوق الإنسان كشرط للعلاقات بين الدول، الموضوع الحقوقي شبه مستبعد، وعندما تتحدث عنه بعض الأطراف فإنما تتحدث عليه من دون جدية”.
اعتقال الشيخ عبد الرحمن الكوكي
في مسلسل استمرار الأجهزة الأمنية قمع حرية التعبير في سورية، اعتقلت الأجهزة الأمنية السورية الشيخ عبد الرحمن الكوكي لدى عودته إلى سورية قادماً من قطر بعد مشاركته في برنامج “الاتجاه المعاكس” الذي تبثه قناة “الجزيرة” القطرية، واعتقل الكوكي الخميس 22/10/2009 وقامت الأجهزة الأمنية بتفتيش منزله وصادرت جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به.
وكان الكوكي قد شارك في حلقة الثلاثاء 20/10/2009 من برنامج “الاتجاه المعاكس” الذي يقدمه الإعلامي السوري فيصل القاسم، وناقش قضية النقاب وموقف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي منه.
ووصف فيصل القاسم مقدم البرنامج، عمليات الاعتقال التي يتعرض لها عدد من المشاركين في برنامجه من قبل الأنظمة العربية، بأنها “أسلوب متخلف وفات وقته”.
وأشار القاسم، حسب ما نقلت عنه وكالة “قدس برس”، الى أن قناة “الجزيرة” أذاعت خبر اعتقال السلطات السورية للشيخ الكوكي، وأنها تتابع الموضوع مع الجهات المعنية.
وقال القاسم “أنا لست جسراً ولا أتشرف بأن أكون جسراً للنظام الأمني العربي الرسمي لاعتقال أي شخص، وأنا مع حرية الرأي والتعبير وضد الاعتقال، ولا أدري حقيقة إلى متى سنعمل بهذه العقلية كلما نطق شخص بما لا يهواه الحكم يتم اعتقاله، هذا أسلوب متخلف وأنا أتضامن شخصياً مع كل شخص يلاحق بسبب آراء عبر عنها سواء كتابة أو قولاً في أحد البرامج التلفزيونية”.
مدير الانترنت أمام القضاء!
إلى ذلك ذكرت مصادر إعلامية سورية أن المهندس علي علي مدير الانترنت في “المؤسسة العامة للاتصالات” وصاحب تصريح “أيادٍ خفية تعمل على إضعاف شبكة الانترنت في سورية” أحيل السبت 24/10/2009 إلى القضاء العسكري مع زميله المهندس أسامة خليل، حيث اعتقل علي علي بتاريخ السبت 17/10/2009 في حين اعتقل أسامة خليل بتاريخ الاثنين 19/10/2009.
ونقلت نشرة “كلنا شركاء” التي يصدرها الإعلامي أيمن عبد النور عن مصادر أنها توقعت تبرئة المهندسين اللذين اعتبرا حسب المصادر ضحية صراعات بين مراكز قوى اقتصادية وحكومية وأمنية وكان المطلوب تشويه سمعة علي وآخرين، لكن البعض الآخر يتوقع إدانة علي ببعض جوانب المشاكل التي تعاني منها شبكة الانترنت، وكان واضحا البطء في الخدمة خاصة في الأيام الأخيرة والانقطاعات المتكررة وصعوبة التصفح.
هذا وكان مدير الانترنيت علي علي قد أدلى بتصريح لصحيفة “البعث” السورية بتاريخ الاثنين 12/10/2009 يتعلق بالانترنت واتهم أياد خفية بالعمل على تخريب الانترنت، إضافة لهجوم حاد على مدير عام المؤسسة ناظم بحصاص، وعلى مزودي خدمة الانترنت في القطاع الخاص.
احتجاب “شبابلك” احتجاجاً على المناخ الاعلامي في سوريا
إلى ذلك، أعلن إياد شربجي رئيس تحرير مجلة “شبابلك”، إياد شربجي، عن إيقاف إصدار مجلة “شبابلك” السورية احتجاجاً على ما اسماه “المضايقات التي تتعرض لها المجلة”، ريثما يتحسن المناخ الإعلامي في سورية، وذلك في حفل ختام مهرجان “شبابلك” الثقافي بتاريخ 24/10/2009.
وقال شربجي أن أعداداً سابقة من المجلة تعرضت لمنع التوزيع بأمر من وزارة الإعلام وأن العدد الحالي محجوز منذ خمسة أيام في مؤسسة التوزيع ولم يوزع إلى هذه الساعة.
وأشار “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في بيان بخصوص حجب العدد /52/ من مجلة “شبابلك” من النشر إلى أن احتواء العدد على ملف جاء في 22 صفحة، حول واقع الإعلام الخاص في سورية حمل عنوان “الصحافة المطبوعة في سورية تحتضر والحكومة تعلق نعوتها” حيث تناول واقع الإعلام الخاص المطبوع في سورية ودور وزارة الإعلام والمؤسسات التابعة لها، استناداً إلى شهادات العديد من الصحافيين السوريين.
وعبر “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” عن قلقه الشديد نتيجة الوضع الذي وصلت إليه حالة الحريات الصحافية في سورية، والتي لم يكن آخر دلالاتها تراجع سورية 6 مراتب إضافية في مؤشر الحريات الصحافية للعام 2009 حيث جاءت في المرتبة 165 عالميا من أصل 175 دولة وفقاً للتصنيف السنوي الذي تصدره “منظمة مراسلون بلا حدود”.
سلوك لم يتغيّر..
في الفترة التي ركز الإعلام السوري والعربي وحتى الأوروبي على تأجيل اتفاقية الشراكة السورية الأوربية، تم رصد العشرات من الانتهاكات التي طالت نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وكذلك استمرت الأجهزة الأمنية في اعتقال النشطاء لمجرد كتاباتهم لمقالات أو لقاءات إعلامية، في دليل أن الحديث عن الشراكة الأوربية السورية زاد من القمع ولم يتغير سلوك الحكومة السورية تجاه مواطنيها، على الاتحاد الأوربي الضغط على الشريك المستقبلي ليتوجه نحو الانفتاح على الداخل، ومنح مواطنيها المزيد من حرية التعبير، وعليها احترام القوانين والمواثيق الدولية، إضافة إلى دستور البلاد الذي كفل حرية التعبير عن الرأي وحرية الاعتقاد.
نقلاً عن “سكايز” (مؤسسة سمير قصير)