قد لا تكون الرواية الامنية دقيقة، تلك التي جرى تداولها حول تورط الوزير السابق ميشال سماحة في مخطط تفجيري فتنوي في الشمال. لكن ردود فعل قوى حليفة له لم تطل جوهر الاتهامات أو الاعترافات بقدر اهتمامها بالشكل وطريقة الاعتقال غير القانونية. فسرعة الاجراءات والسلاسة التي اتسمت بهما جلسات التحقيق في “شعبة المعلومات” مع المتابعة القضائية والطبية، كان مفتاحها، على ما يقال، الوقائع الموثقة التي فتحت باب الاعتراف عند سماحة على مصراعيه…
من حق البعض الاعتراض على طريقة اعتقال سماحة، لكن هذا البعض عليه ايضا القول: اذا ثبتت الاتهامات الموجهة ضد سماحة فنطالب باعدامه. واللافت ايضا ان احدا لم يقل من المعترضين ان النظام السوري ليس وراء هذا التخطيط، بل جلّ ما قيل هو: هل عدِمَ السوريون الوسيلة الا ميشال سماحة؟ بالطبع يفقدون ثقتهم بكثير من ادواتهم وعملائهم لذا يختبرون ولاءهم بهكذا اعمال امنية قذرة. وان كان اكثرهم بدأ يبحث عن مشغلين آخرين في الشرق او الغرب.
سماحة هو من مدرسة تخويف المسيحيين وايهامهم بأن نظام الاسد “حامي الاقليات”، وهي عبارة لطالما كان يرددها سماحة في اطلالاته التلفزيونية مرفقة بالدعاء المستمر إلى “سماحة السيد”. سماحة ومشغله علي المملوك ينتميان الى تلك المجموعة التي روجت لهتاف ادعت ان الثوار السوريين يرددونه: “المسيحي ع بيروت والعلوي ع التابوت والسني بالبيوت”. مجموعة مستعدة ان تقتل من اجل الفتنة من دون ان يرف جفن لها.
موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي تعامل من موقع المساند لعمل قوى الامن الداخلي وأقرّ بأن شيئاً خطيرًا كان يجري التحضير له ونجا لبنان منه لا يريح قوى 8 آذار ولا بطبيعة الحال الجنرال ميشال عون، لا سيما تحصين موقع القوى الأمنية من هذه القضية.
وفرض موقع سليمان عليه اليوم ان يواجه التداعيات السورية بمزيد من الدفع والتمسك بدولة المؤسسات، وهو سلوك يلقى تشجيعا وتأييدا عربيين ودوليين. ولعله السبب في ارتفاع نبرته تجاه الاعتداءات السورية على لبنان واندفاعه نحو طاولة الحوار برؤية لاستراتيجية دفاعية طموحة واستقباله اللواء اشرف ريفي والعميد وسام الحسن بعد القبض على سماحة يتجسد في تحول نوعي في سلوك بعبدا اتجاه نظام الاسد.
أما التيار الوطني الحر، الواثق بسلوك النظام السوري واحترامه للسيادة اللبنانية، لن تغير الوقائع الاخيرة من موقفه باعتبار انه لا يعترف بوجود شيء في الدولة اسمه جهاز فرع المعلومات وبالتالي لا مؤامرة سورية.
سقوط سماحة او اسقاطه هما نتيجة تحوله إلى مقاتل منخرط في الذود عن “محور الممانعة والمقاومة” ولو بالفتنة، وهما إشارة إلى بداية المرحلة الاخيرة من عملية اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد. ليس هذا فحسب، بل الادعاء من قبل المحكمة العسكرية على ابرز اعمدة النظام الامنية، اللواء علي المملوك، هو دليل على ان زئير الاسد خفت ولم يعد يسمع في لبنان وفي بعبدا تحديدا.
اما المتباكون على المسيحيين والاقليات في سورية، وفي لبنان، فعليهم ان يعيدوا تحديد الخطر: هل هو من السلفية ام من نظام لا يجد فرصة للبقاء الا بالفتنة وتحويل الاقليات دروعا له والتخويف المكشوف بخطر الاسلاميين كأن علمانية البعث لم تغرق في دماء قتلهم بعد؟
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد