تكمن احدى المشاكل الاساسية لـ”حزب الله” في انّه لم يعد ينطلي على احد. لا على العرب عموما، خصوصا عندما يهاجم المملكة العربية السعودية، ولا على اللبنانيين خصوصا. هذا لا يعني في أي شكل انه لم يعد يشكل خطرا. على العكس من ذلك، ان خطره اليوم أكبر من اي وقت بعدما صار يتصرّف من منطلق انّه القوّة الاساسية في لبنان وأن دويلته فوق الدولة اللبنانية.
هذا من جهة. هناك من جهة أخرى ترجمة على الارض لهذا التصرّف فحواها أنّ النظام في لبنان تغيّر عمليا بقوة سلاح الحزب. صارت النصوص، بما في ذلك الدستور اللبناني مجرّد حبر على ورق.
جاء الخطاب الأخير للامين العام لـ”حزب الله” بدليل تلو الاخر على أن لبنان مستعمرة ايرانية لا أكثر وأن الميليشيا المذهبية التابعة لايران تتولى حكم الوطن الصغير وتنفيذ التعليمات الصادرة من طهران.
من بين هذه التعليمات منع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلّف من تشكيل حكومة. وهذا يعني أن السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه الحزب هو الذي يقرّر شكل الحكومة اللبنانية ويحدّد الشروط التي تتشكل هذه الحكومة بموجبها. هذه هي الرسالة التي شاء حسن نصرالله توجيهها الى اللبنانيين في مناسبة اعياد آخر السنة.
انّه يقول لهم بالفم الملآن أن ليس من حق أي لبناني الاعتراض على الطريقة الجديدة المعتمدة في ادارة شؤون البلد ولا على الصيغة الجديدة المفروضة على لبنان. لقد تغيّر النظام وعلى اللبنانيين أخذ العلم بذلك. ومن يعترض على الامر الواقع، يعرف المصير الذي يمكن ان يلقاه. هل هناك رسالة أوضح من هذه الرسالة، خصوصا عندما يحذّر نصرالله من “اللعب معنا”.
كلّ ما في الأمر ان هناك انقلابا حصل في لبنان. هذا ما يفترض باللبنانيين اعلان قبولهم به. الكلام الحقيقي ليس ذلك الكلام الذي يقوله حسن نصرالله عن رفض “حكومة أمر واقع” تضمّ سياسيين محايدين يحبّذ رئيس الجمهورية تشكيلها بالاتفاق مع رئيس الوزراء المكلّف تمّام سلام. الكلام الحقيقي مرتبط قبل أي شيء بالواقع اللبناني الجديد. من يؤلّف الحكومة في لبنان هو “حزب الله” ولا أحد آخر غير “حزب الله”. لا وزن سياسيا للسنّة في لبنان ولا وزن للمسيحيين. أما الدروز، فمغلوب على أمرهم بعدما صارت قراهم ومناطقهم مهدّدة بشكل يومي.
كان الخطاب الاخير لحسن نصرالله من اجل تكريس ما يعتقد انه نجاح للانقلاب الايراني في لبنان. بيروت مدينة ايرانية على المتوسط. بيروت رهينة ايرانية. لبنان كلّه رهينة. لا حكومة في لبنان اذا لم يكن الغرض من تشكيل هذه الحكومة تغطية ما يرتكبه “حزب الله” في سوريا. فالتدخل الايراني المباشر وغير المباشر الى جانب النظام الفئوي في سوريا قضية “وجود” بالنسبة الى الحزب. كلّ ما تبقى تفاصيل بما في ذلك مصير لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين. مطلوب من الحكومة اللبنانية التصفيق لـ”حزب الله” لانه يقتل سوريين ويهجّر قرى ويسوي بالارض احياء في مدن عريقة.
ما يفعله “حزب الله” في سوريا سبق وفعله في لبنان، هو الذي هجّر في الثمانينات من القرن الماضي أكبر عدد من المسيحيين من بيروت الغربية، كي يأخذ مكانهم وكي يصبح سلاحه موجها الى الأحياء السنّية في العاصمة. يتبيّن اليوم أن عملية تهجير المسيحيين، بمن في ذلك الارمن من أحياء في بيروت الغربية، كان سياسة مدروسة بدقّة تستهدف تفادي المواجهة المباشرة مع السنّة في مرحلة أولى… وصولا الى غزوة السابع والثامن أيار- مايو 2008.
كان “حزب الله” يطمح الى عمل الشيء نفسه في طرابلس لو استطاع ذلك ولو لم يتبيّن أن أهل المدينة واعون لمخططاته وعلى استعداد للتصدي لها مهما ارسل اليها من سلاح وغير السلاح!
هناك تتمة للخطاب الاخير لحسن نصرالله. فعندما يؤكد أن المطلوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية، نظرا الى أن ولاية الرئيس الحالي تنتهي في الخامس والعشرين من أيّار- مايو 2014، يجب على اللبنانيين وضع أيديهم على قلوبهم. فهذا يعني أنّه مع الفراغ. ليس صحيحا انّه ضد الفراغ السياسي في لبنان. مطلوب أن يحصل فراغ وأن لا يتمكن النواب من انتخاب رئيس للجمهورية وذلك تمهيدا للانتقال الى المرحلة الاخيرة من الخطة الايرانية.
هذه الخطة تعني أوّل ما تعني الانتقال الى مرحلة تثبيت المثالثة في النصوص وذلك بما يسمح لـ”حزب الله” بحكم لبنان بواسطة الدستور وليس فقط بواسطة سلاحه غير الشرعي الذي يصرّ على تسميته بسلاح “المقاومة” في حين أنّه لا يقاوم شيئا سوى ثقافة الحياة في لبنان.
شيئا فشيئا، يستفرد “حزب الله” بمؤسسات الدولة اللبنانية من دون استثناء. يعمل على تدمير هذه المؤسسات أو احتوائها الواحدة تلو الأخرى.
لا خيار أمام اللبنانيين، من كلّ الطوائف والمذاهب، من شيعة وسنّة ودروز ومسيحيين، سوى المقاومة، مقاومة ثقافة الموت التي يسعى “حزب الله” الى فرضها عليهم. ربّما يفسر كمّية الحقد لدى “حزب الله” على طرابلس والشمال اللبناني، وصولا الى عرسال المرتبطة بالبقاع، أن أهل طرابلس والشمال وعرسال، كما أهل بيروت وصيدا وكلّ منطقة لبنانية يعرفون أن كلّ الكلام عن المقاومة وعن مواجهة اسرائيل ليس سوى كلام. المعركة الحقيقية لـ”حزب الله” ومن خلفه ايران في لبنان وسوريا.
كل المطلوب ابتلاع لبنان بكلّ الوسائل الممكنة بما في ذلك المثالثة، أي تقسيم البلد بين الشيعة والسنّة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي أقرّها اتّفاق الطائف.
أما بالنسبة الى سوريا، التي يشارك “حزب الله” في المجزرة التي يتعرّض لها شعبها، فهي امّا مستعمرة ايرانية، كما الحال منذ عشر سنوات على الأقلّ…وامّا بلد مقسّم على اسس عرقية وطائفية ومذهبية.
هل يمكن لاسرائيل أن تكون معارضة لمشروع من هذا النوع يحقق لها كلّ امنياتها، بل ما يتعدى ذلك؟ هل هذا ما يجعل الامين العام لـ”حزب الله” يبدو مرتاحا، أقلّه ظاهرا، لدى القاء خطابه؟