المركزية – في الاتجاه الروسي، تُسجّل حركة لبنانية ناشطة . فبعد لقاء روسيا الرئيس المكلف سعد الحريري في الامارات ، زار موسكو وفد من “حزب الله” برئاسة النائب محمد رعد،ثم حط فيها الحريري فرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، على ان تتبعها زيارات أخرى، لاحقاً. فما هي الرسائل التي تبلغها موسكو لهؤلاء؟
السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار قال لـ”المركزية”:
“صحيح ان روسيا تجتمع مع الجميع وحريصة على علاقات مع كل الاطراف، لكنها تفرّق في مستوى الاهتمام بينهم. فعندما يزورها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مثلا او رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او “حزب الله”، فإن المحادثات السياسية يجريها معهم وزير الخارجية سيرغي لافروف شخصيا في وزارة الخارجية، وفي حال توفر بعض الوقت، يقيم لهم المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف غداء على شرفهم، خلافا لآخرين.
وأشار الى “ان وفوداً لبنانية كثيرة تزور موسكو. فمنذ سنتين زارها نواب من تكتل “الجمهورية القوية” هما النائبان زياد الحواط وفادي سعد، كما جرت العادة ان يزورها رئيس حزب “الكتائب” النائب المستقيل سامي الجميل سنوياً، لكنه لم يأتِ بعد هذه السنة بسبب كورونا. والزيارة الاقرب المتوقعة خلال النصف الثاني من الشهر الجاري هي لرئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان ولسليمان فرنجية، لكن لا مواعيد مؤكدة. كما من المتوقع ان يزورها جنبلاط في حزيران المقبل، من دون موعد محدد حتى الساعة ايضا.
عن زيارة باسيل قال بو نصّار:
« على رغم انه حاول الايحاء بأن لافروف استقبله، إلا ان هذا الامر غير دقيق. ما يحصل هو ان الزوار اللبنانيين، اذا تصوّروا مع شخصية روسية يعتبرون انهم اجروا معها مباحثات، وهذا غير صحيح. ما حصل مع باسيل، وهنا أتحدث من الناحية الدبلوماسية والقانونية بعيداً من السياسة الداخلية اللبنانية وزواريبها، هو ان نائب وزير الخارجية اجرى معه المباحثات، واستقبله من الحادية عشرة صباحاً حتى الثانية عشرة والنصف ظهرا، توجّهوا بعدها الى قصر الضيافة التابع للخارجية الروسية، حيث عادة ما تقيم الخارجية الروسية المناسبات والاحتفالات للسفراء وغيرهم. وحضر لافروف لكنه لم يجلس مع باسيل ولا دقيقة واحدة، بل سلّم عليه ودخل مباشرة الى المائدة، حيث تناولوا الغداء لمدة ساعة من الوقت، وبالتالي المحادثات السياسية كانت مع بوغدانوف. وقد سمعت من بعض المصادر، حتى هنا في وزارة الخارجية في روسيا ان باسيل كان قد طلب ان تكون محادثاته مع لافروف قبل قدومه الى موسكو، لكن الروس لم يقبلوا بذلك لأنه وزير سابق، وبالتالي أجريت المباحثات معه على مستوى نائب وزير، على عكس ما يحصل مع او حصل مع النائب محمد رعد الذي رأس وفد “حزب الله” واستقبله لافروف واجرى معهم محادثات، ومع سليمان فرنجية قبلهم ووليد جنبلاط منذ ثلاث سنوات “.
وما الرسائل التي سمعها الزوار اللبنانيون من الروس؟
يقول بو نصار: الرسالة الاولى هي تأكيد الجانب الروسي على الاهتمام بلبنان واستقراره وامنه، هذا الاهتمام ينطلق من دورهم الرئيسي في سوريا. فمصالح روسيا في سوريا واهتمامها بسلامة جنودها يجعلها تهتم بلبنان، اي بمعنى آخر لبنان ليس الطبق الرئيسي، سوريا هي الاساس، واهتمامهم بلبنان ينطلق من مصالحهم في سوريا، لأنهم يعلمون ان اي خلل امني كبير في لبنان، ينعكس على سوريا مع وجود مليون ونصف مليون نازح سوري على الاراضي اللبنانية، كما ان للروس قواعد عسكرية في سوريا، ما قد يشكل تهديداً لأمن هذه القواعد وللطاقم الروسي العامل في سوريا، وبالنسبة للوضع الاقتصادي، فإن روسيا يهمها عدم تدهوره، لأن عندما انهارت العملة في لبنان، أثرت سلبا على سوريا.
الرسالة الثانية، هي من باب تأكيد روسيا على دورها في الشرق الاوسط ككل، وان دورها فاعل في سوريا وغيرها من الدول ايضاً، حرصاً على علاقاتها المتوازنة مع كل الاطراف اللبنانية. روسيا هي الدولة الوحيدة ربما بين الدول الاجنبية التي لها علاقات متوازنة مع الاطراف اللبنانية كافة ولا تصطف طرفا كغيرها او تتخذ مواقف منحازة مع فريق ضد آخر او طائفة ضد أخرى.
ورداً على سؤال حول اعادة سوريا الى الحضن العربي وقد بات على نار حامية، يقول:
“روسيا تشجع دائما عودة سوريا الى الحضن العربي، وسمعت من بوغدانوف منذ فترة طويلة قوله ان مقاطعة العرب لسوريا امر خطأ، لأنه يسمح بالتغلغل الايراني اكثر فاكثر في سوريا، وبالتالي روسيا تدعو لعودة سوريا الى الحضن العربي. وقد رحبت موسكو عندما اعادت الامارات فتح سفارتها منذ حوالي السنتين في دمشق معتبرة بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح. كما ترحب اليوم بالتقارب السعودي -السوري ويهمها اضعاف النفوذ الايراني المنافس لها في سوريا، علما ان لروسيا، مع وجود ايران وتركيا، الدور الاول بفعل القوة العسكرية والقواعد التي تملكها، لكن هذا لا يعني انها غير منزعجة من تركيا التي تحتل جزءا كبيرا من شمال سوريا وايران الموجودة في ضواحي العاصمة دمشق وتحاول السيطرة على الاجهزة الامنية السورية. لكن يجب التوضيح ان استراتيجيا لا خلاف بين روسيا وايران، ومن يتوقع خلافات قريبة بينهما غير واقعي، انما على المستويين المتوسط والبعيد متوقع جدا حصول خلافات عميقة بين الطرفين، لكن حاليا روسيا تدعم التوجه العربي تجاه سوريا لأنه يلتقي مع مصالحها في إضعاف النفوذ والدورالايرانيين “.
هل من بوادر حلحلة في المنطقة، يجيب سفير لبنان في روسيا:
“الوضع في المنطقة متقلب، لا يمكن لأحد التوقع بدقة، لكن الاكيد والواضح ان هناك تحركات ايجابية كمفاوضات فيينا مثلا والمحادثات الايرانية -السعودية في بغداد والمبادرة السعودية والخليجية الواضحة تجاه سوريا، كلها مؤشرات باتجاه حلول ايجابية وليس التوتر كماحصل في الماضي، على امل ان يستفيد لبنان من الايجابيات ويصل الى تشكيل حكومة في أقرب فرصة”.