إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
أدهشني أن يبدأ أحمد الصرّاف مقاله الذي نشره الشفاف بعنوان “مآسينا.. وغياب المسيحية” بعبارة « أعتقد أن ما جعل المسيحيين بهذا التميز والتفرد يعود إلى أسباب منطقية، تُعتَبر من صلب الإيمان المسيحي »، بدون أن يشرح أسباب هذا الزعم « المتفجّرّ » الذي يعطي المسيحية « ميّزة » على اليهودية والإسلام أولاً، وكذلك على أديان الشرق الأقصى.
أعتقد أن الصرّاف على حقّ، بمعنى أن المسيحية، كما يقول، امتلكت « أسباباً منطقية تُعتَبَر من صلب الإيمان المسيحي دفعت مجتمعاتها إلى « التقدم » وإلى « العقلانية ». وهذا التقييم يمكن أن يقبل به المرء سواءً كان مسيحياً أو مسلماً أو ملحداً…
قد يكون أوّل هذه الأسباب أن « العهد الجديد »، أي الكتاب المقدّس المسيحي ليس كتاباً « مُنزلاً »، بل هو « شهادات » للرُسُل، أي لرفاق المسيح. ويُنقَل عن « القديس بولس » قوله أن «معرفتنا ناقصة، ونبؤتنا ناقصة”! ويُنسَب للقديس بولس، بالمناسبة، أنه هو من حوّلَ المسيحية من “طائفة يهودية” (المسيح نبي يهودي وكان يصلّي في المعبد اليهودي) إلى “دين عالمي” (“المسيح اليهودي” نفسه كَسَر بسلوكه الحواجز بين اليهود والرومان وبعض الطوائف الخارجة على اليهودية).
ولأن المسيح لم يترك إنجيلاً « مُنزلاً »، فإن المسيحية واجهت مشكلة « التوفيق بين العقل والنقل »، كما جاءت في « علم الكلام » الإسلامي بطريقة مختلفة.
فـ« العقل » جزء « شرعي » من « الإيمان » المسيحي. ويقول « القديس أغسطينوس »: « “حاشا للسماء أن يكره الله فينا الشيء الذي جعلنا بواسطته أرفع من البهائم! حاشا للسماء أن نؤمن على نحو يجعلنا لا نقبل الأسباب أو لا نسعى لمعرفتها، فنحن لن نكون حتى قادرين على الإيمان لو لم نكن نملك أرواحاً عقلانية“.
جانب آخر مهم جداً هو أن اليهودية والإسلام هي أديان « شريعة » تبحث في التطبيق السليم للشريعة الدينية، في حين أن المسيحية هي دين « رأي »، ينصبّ لاهوتها على « الرأي القويم »، وهذا معنى كلمة “أرثوذكسي”. اليهودية والإسلام تميلان بطبيعتهم إلى “الأصولية” و”السلَفية”، في حين تميل المسيحية إلى العقلانية.
ماذا عن المسيحيين العرب؟
وهنالك جانب آخر حيث أن الصرّاف تحدث بإعجاب عن « المسيحيين العرب». وكلامه ذكّرني بإعجاب الراحل « العفيف الأخضر » (ومثله أفضل مفكّري شيعة لبنان المعاصرين، ولن أسمّيهم) بالمسيحيين العرب. قلت لـ « العفيف » يوماً أن بين المسيحيين العرب نسبة من الحمقى والمهابيل و« المعّازة » لا تقل عن نسبتهم في الطوائف الأخرى. فأجاب: « ليست هذه النقطة الجوهرية. الأهم هو أن المسيحيين العرب منفتحون على الغرب، والتقدم يأتي من الغرب »!
مثل « المطبعة » وحتى « الحنفية » التي جاءت من الغرب.
كل ما سبق ليس دعوة لاعتناق المسيحية، بل دعوة للتفكير في أٍسباب التقدّم والتأخّر في مجتمعاتنا وفي مجتمعات غيرنا.
وإذا كان عندي «دعوة»، فإنني أنصح قارئ « الشفاف »الفضولي، وبشدّة، أن يقرأ ترجمتي لـ « مقدمّة كتاب “إنتصار العقل: كيف أدّت المسيحية إلى الحرية، والرأسمالية، ونجاح الغرب »، للأميركي « رودني ستارك ».
ويجدها القارئ على الرابط التالي:
https://wp.me/s6sGh8-840