يخطئ من اعتقد يوما او لا يزال يعتقد، الى الآن، انّ ميشال عون يمكن ان يتغيّر وان وصوله الى موقع رئيس الجمهورية سيجعل منه شخصا آخر، فيكون عندئذ قاسما مشتركا بين اللبنانيين.
من اعتقد في العامين 1989 و 1990 انّ صدّام حسين سينتصر على حافظ الأسد وسيُخرج القوات السورية من لبنان وسيوصله الى رئاسة الجمهورية، لا يمكن إقناعه في السنة 2021 ان “حزب الله” ومن خلفه “الجمهورية الإسلامية” سيفشلان في إيصال الصهر جبران باسيل الى قصر بعبدا يوما.
هناك مأساة لبنانية قديمة اخذت بعدا جديدا مع وصول ميشال عون الى موقع رئيس الجمهورية وتجاوزه كلّ الحدود التي يمكن لسياسي لبناني، في موقع رئيس الدولة، تجاوزها، خصوصا لجهة تعاطيه مع رئيس الحكومة. لم يسبق في يوم من الايّام ان قال رئيس الجمهورية عن رئيس الوزراء المكلّف بالصوت والصورة انّه “كذاب”، علما ان كلّ الوقائع تثبت ان كلامه لا يمتّ الى الحقيقة بصلة.
اسم المأساة اللبنانية القديمة عجزُ رئيس الجمهورية اللبنانية عن الربط بين احداث المنطقة والتوازنات العالمية من جهة والداخل اللبناني من جهة أخرى.
تتجلّى هذه المأساة في ابشع صورها في لبنان اليوم حيث غياب كامل عن استيعاب الاحداث التي تدور داخل البلد المفلس الذي خسر كلّ مقوّمات وجوده. يعود احد الأسباب الأساسية للافلاس اللبناني إلى الجهل الذي يرشح كلّ يوم اكثر انطلاقا من قصر بعبدا. إنّه جهل في كلّ شيء، خصوصا في معرفة ما هو لبنان وما خصوصيّة كلّ طائفة وما هو الاقتصاد اللبناني وما هي الأسس التي قام عليها البلد والتي ابقته حيّا يرزق طوال مئة عام.
ليس ميشال عون اوّل رئيس لبناني يفتقر الثقافة السياسية التي تسمح له برؤية ما يدور في المنطقة. لكنّ فرادته تكمن في انّه تفوق على كل الرؤساء السابقين في هذا المجال. من سوء حظ لبنان وصول شخص مثل ميشال عون وقبله سليمان فرنجيّة الجدّ الى رئاسة الجمهورية في ظروف إقليمية معقّدة تحتاج اوّل ما تحتاج الى شخص يمتلك ثقافة سياسية واسعة تتجاوز حدود لبنان. ليس عيبا الّا يكون رئيس الجمهورية ملمّا في كلّ شاردة او واردة في المنطقة والعالم. العيب في عدم استعانته بمستشارين يعرفون الف باء السياسة والوضع الإقليمي. ليس مستغربا وصول لبنان الى ما وصل اليه عندما يكون جبران باسيل، الذي يريد تعليم دول العالم كيف يمكن إدارة دولة من دون موازنة، المستشار الاوّل، وربّما الأخير، لرئيس الجمهورية.
مسكين لبنان، مسكين بلد يأتي فيه ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاوّل- أكتوبر رئيسا للجمهورية بصفة كونه مرشّح “حزب الله” الذي لا يؤمن أصلا بلبنان ولا يرى فيه سوى ورقة إيرانية. وصل مرشّح “حزب الله” الى رئاسة الجمهوريّة بموجب ما سمّي “تسوية” تبيّن مع الوقت انّ لا علاقة بهذه الكلمة. كانت التسوية مبنيّة على لعب “التيّار الوطني الحر” دور “بيضة القبّان” في الحياة السياسية اللبنانية. تبيّن مع الوقت ان لا وجود لا لبيضة ولا لقبّان. كلّ ما في الامر انّ “حزب الله” وضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى سياستها الخارجية من دون ان يكون هناك رئيس للجمهورية يستطيع توجيه سؤال من نوع: اين مصلحة لبنان في تخريب علاقاته بدول الخليج العربي؟ وأين مصلحة لبنان في ان يفعل الحزب كلّ شيء من اجل ان يكون النظام المصرفي للبلد مستهدفا اميركيا واوروبيا؟
هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن توجيهها الى رئيس للجمهورية لا يبدو انّه استوعب معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني وان يكون البلد معزولا عربيا ودوليا ولا حتّى ابعاد تفجير مرفأ بيروت. نحن امام رئيس وجد من يقنعه بان ايران مستقبل المنطقة وان بشّار الأسد سيعود ويسيطر على سوريا وسيستعيد نفوذه في لبنان.
في مرحلة يعاد فيها تشكيل المنطقة، جيء بميشال عون رئيسا للجمهورية.
كان لبنان في حاجة في كلّ وقت الى رئيس عاقل يزن الأمور وعلى دراية بكيفية حماية لبنان من داخل ومن خارج وكيف يمكن العمل على ابعاده عن تعقيدات المنطقة وازماتها، بما في ذلك الازمة السورية التي لا يمكن ان تنتهي الّا برحيل بشّار الأسد ونظامه.
يبدو البلد مقبلا على كارثة اكبر بكثير من تلك التي تسبب بها انتخاب سليمان فرنجيّة الجدّ رئيسا في العام 1970، وهي سنة كانت مفصلية على الصعيد الإقليمي، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار أنّها كانت سنة وفاة جمال عبد الناصر ودخول مصر عصر أنور السادات. كانت ايضا سنة الانقلاب الذي نفّذه حافظ الأسد تحت شعار “الثورة التصحيحية”. كذلك، كانت سنة خروج المقاتلين الفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية من الأردن وتوجههم الى لبنان بضغط من حافظ الأسد الذي كان هدفه تجميع الفلسطينيين فيه من اجل الإمساك بالورقة الفلسطينية نهائيا من منطلق مقولته المشهورة أنّ “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”…
في 1970 وما تلاها، لم يكن رئيس الجمهورية وقتذاك في مستوى الاحداث الإقليمية. اخذ لبنان الى 13 نيسان – ابريل 1975 يوم « بوسطة عين الرمانة » وبداية الحرب الاهليّة التي يتحمّل جانبا من المسؤولية فيها الزعيم الدرزي كمال جنبلاط وبعض القيادات السنّية والشيعية التي انحازت كلّيا الى الفلسطينيين واعتبرتهم جيش المسلمين الذي سيقلب النظام القائم. حصل ذلك في وقت كان فيه لبنان في حاجة اكثر من أي وقت الى رئيس عاقل من طينة فؤاد شهاب. جاءه رئيس من طينة سليمان فرنجيّة الذي لا يمكن اليوم الّا الترحّم على عهده بعد كلّ ما شهدناه في عهد ميشال عون – جبران باسيل الذي يمتلك القدرة على التفوق على نفسه كلّ يوم من منطلق ان حقوق المسيحيين تستعاد بسلاح “حزب الله” وبالمواقف النبيلة لبشّار الأسد الذي تحوّل بين ليلة وضحاها مثلاً اعلى لدى جبران باسيل وامثاله!