قد يسألنى قارئ عندما يقرأ عنوان هذا المقال السجعى الرخيص :”وكمان عندك نفس تهزر فى وقت زى ده” ، وردى هو أن :”شر البلية ما يضحك” ، وأقول أنه إزاء ما يحدث حولنا اليوم لم تعد هناك دموع تكفى لبكاء الضحايا الأبرياء كل يوم ، ضحايا العنف الطائفى وجنون التطرف وحماقة القوة ، ليس أمامى إلا أن أصاب بالجنون من كثرة الحزن أو أن أضحك حتى الجنون ، وأنا أفضل خيار الضحك ، ولم لا أضحك وقد تحررت غزة من آخر جندى فلسطينى ، ولم لا أضحك وقد تم الإستيلاء على مقر الرئاسة فى غزة بواسطة الأخوة الفلسطينيين (لا بواسطة الأعداء الإسرائيليين) ، ولم لا نضحك وقد تم نزع صورة “القائد الرمز” ياسر عرفات من مكتب الرئاسة بغزة ودوسها بالأقدام ، ولم لا نضحك على منظر “الأخ مقاتل حماس” وقد إحتل مكتب الرئيس فى غزة (بعد نجاح غزوة غزة) ، ورفع سماعة التليفون متظاهرا بالإتصال بكوندليسا رايس (وزيرة خارجية أمريكا) ويقول لها بأنها من الآن فصاعدا عليها أن تتصل بحماس لا بالرئيس عباس (وكأننا نشاهد فيلما لإسماعيل ياسين فى فلسطين) ، ولم لا نضحك وقد سقطت القذائف الفلسطينية على منزل إسماعيل هنية فى غزة وهو أمر لم تقم به إسرائيل من قبل ، ولم لا نضحك ونحن نشاهد الطلقات الفلسطينية فى الهواء ليس إبتهاجا بإحتلال مبنى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى ولكن إبتهاجا بإحتلال مبنى المجلس التشريعى (البرلمان) الفلسطينى فى رام الله .
ولم لا نضحك ونستبشر بأنه أصبح هناك حكومتان فلسطينيتان بدلا من حكومة واحدة (وأهو زيادة الخير خيرين) وربما يساعد هذا فى المساعدة على حل مشاكل البطالة فى فلسطين ، والشئ المحزن والمضحك فى نفس الوقت أن فلسطين عاجزة عن دفع مرتبات حكومة واحدة حاليا ، فما بالك عندما يكون هناك حكومتان ، وأقول للأخوة الفسطينيين والعرب :”أبشروا فدائما طالبتم بدولة فلسطينية واحدة ، الآن أصبح هناك إحتمالا كبيرا أن يكون لديكم دولتان فلسطينيتان (وعلى رأى المثل المصرى :”الفقى لما يسعد يجى له ختمتين فى ليلة واحدة”).
وبالرغم من هذه الكوميديا السوداء إلا أنه لا بد من زرف الدموع على الضحايا والأبرياء ، لا بد أن نبكى على الفلسطينى الفتحاوى الذى تمت إلقاء جثته من الدور الثامن عشر ، ولو أن إسرائيل فعلت أمرا وحشيا مثل هذا لتمت شكوتها إلى مجلس الأمن ، ولأشبعتنا لطما قناة لهلوبة الفضائية طوال الأشهر القادمة وحتى بداية شهر رمضان المعظم ، ولكن هل هناك دموع تكفى لزرفها على مشاهد قصف مستشفيات غزة ومناظر أخذ الأسرى الفلسطينيون وقتلهم بدم بارد عيانا بيانا على أعتاب المساجد بأيدى فلسطينية ، وماذا عن أخذ الرهائن من الأطفال والنساء داخل أحد المساجد والتهديد بقتلهم ، وهل سيصبح لدينا دم بعد ذلك فى أن ندرس لأطفالنا مذبحة دير ياسين ، وهل ياترى نبكى أم نضحك على إتفاق مكة (الذى لم يجف حبره بعد) والذى تم توقيعه بالأحضان والقبلات بينما الخناجر تختبئ وراء الظهور ، وماذا عن الوفود المصرية والتى حفيت أقدامها غداة ورواحا فى محاولة للتوفيق بين الأخوة الأعداء لوقف إطلاق النار ولم تتوقف إلا النيران الموجهة لإسرائيل ، وإذا كنا لا نحترم إتفاقيات الأحضان والقبلات فهل ننتظر أن يحترم العالم توقيعاتنا على أى شئ .
….
ولقد كتبت فى يوم 27 يناير من العام الماضى مقالا عنوانه:
“ألف مبروك لحماس والإستقالة لعباس!!”
http://65.17.224.235/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/1/123592.htm
وذكرت فيه بالحرف الواحد :
“….ونصيحة أخوية للأخ محمود عباس، قدم إستقالتك لأن (المركب إللى فيها ريسين حتغرق). ولتكن هناك إنتخابات جديدة يفوز بها أحد أعضاء حماس كرئيس جديد للسلطة الفلسطينية.”
ولكن يبدو أن الأخ محمود عباس لم يصدق كلامى ، ولقد أثبتت الأحداث أن :” المركب إللى فيها ريسين ستغرق بالفعل” ، ولكن القوات الفلسطينية نجحت فى إثبات خطأ كلامى ، وبدلا من أن تعين “ريسا” وحيدا للمركب قامت بشق المركب نصفين وأهو:” كل ريس يبقى ريس على نص مركب” ، وأهو نص مركب أحسن من مافيش .
وختاما لا أجد فى الحقيقة ما أقول سوى :”ألف مبروك لإسرائيل وإيران “.
samybehiri@aol.com