لندن- مراسل “لوموند” مارك روش
لم تخصّص جريدة “أراب نيوز” سوى كادر صغير للخبر: ومع ذلك، فالإعلان في يوم 16 فبراير عن إندماج “دبي إنترناشينال كابيتال” مع “مجموعة دبي”، اللذين يمثّلان الصندوقين السياديين في هذه الإمارة، جاء ليؤكّد مدى عمق الأزمة المالية التي لا سابقة لها التي تجتازها هذه المدينة-الدولة.
إن الإندماج “يهمّش” سمير الأنصاري، الرئيس التنفيذي لصندوق “دبي انترناشيونال كابيتال”، أي شركة “رساميل المخاطرة” التي خسرت محفظة أصولها ثلث قيمتها منذ خريف 2008. وكان هذا الموظف الحكومي الكبير، الذي يتّبع أسلوباً أميركياً في إدارة الأعمال، أحد المساعدين المقرّبين لرئيس الدولة، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وتشير التضحية بسمير الأنصاري إلى المتاعب التي تواجهها المنطقة الوحيدة في الخليج التي لا تملك ريعاً نفطياً أو غازياً يقيها غوائل الأزمة الإقتصادية العالمية. فالواقع أن “دبي” هي العضو الفقير في عائلة “الإمارات العربية المتحدة” (التي تضم 7 إمارات) التي أسّسها وترأسها شيخ “أبو ظبي”، زايد بن نهيان حتى العام 2004، ثم إبنه “خليفة” من بعده، والتي تُعتبر بين أكبر منتجي النفط الخام في العالم.
إن توزيع السلطات في الإتحاد، الذي يعطي “أبو ظبي” مركز الرئاسة و”دبي” نيابة الرئاسة، يعبّر عن تفاوت في المواقع كان يبدو أن طموحات عائلة “آل مكتوم” ترغب، بدون ضجّة، في إعادة النظر به.
ولكن “دبي”، التي اعتادت المشروعات الخارجة عن المألوف، مضطرة اليوم لتخفيف طموحاتها. فأقساط سداد مديونية الإمارة باتت أكبر من الأقساط المتوجّبة على “إيسلندا”، وهي ضحيّة أخرى للعاصفة المالية. وينبغي على “دبي” أن تسدّد 16 مليار دولار (6،11 مليار أورو) قبل نهاية العام الحالي لكونسورتيوم من البنوك الغربية.
وقد رفضت هذه البنوك الغربية فتح أية خطوط إعتماد جديدة، على غرار ما فعلت المؤسسات التي أسهمت في إنقاذ “بورصة دبي”، التي باتت عاجزة عن سداد ديونها. ومن علامات الحذر المهمة أن وكالة “موديز” خفّضت العلامات المالية لكل الشركات المحلية في الإمارة، الأمر الذي سيزيد من كلفة القروض التي قد تلجأ إليها هذه الشركات.
وعلى غرار البنوك، تُجري مكاتب الإستشارات، وشركات النقل، وشركات الخدمات، التي كانت زادت أعداد موظفيها بدون حدود خلال سنوات الإزدهار العشر الأخيرة، خفوضات حادة في عدد موظفيها.
شركات مترنّحة
إن شركات العقارات السكنية، التي تمثّل الذراع الضارب لنموذج دبي، وأحد رموز الكسب السهل، قد انخفضت بنسبة 30 بالمئة خلال الشهرين الأخيرين. بل وتحقّق السيناريو الذي كان يُعتبر مستحيلاً حتى أسابيع قليلة: فتمّ وقف مشروعات بناء طموحة أو تأجيلها إلى أجل غير مسمّى بسبب النقص في السيولة: وبينها شبكة قنوات، وبرج “نخيل” الذي كان مقرّراً أن يكون الأعلى في العالم، ومركز تجاري ضخم جداً. وجرّت أزمة العقارات معها القطاع المصرفي المحلي الذي كان مكشوفاً جدّاً لتمويل “الحجارة” (أي البناء). إن شركتي “إعمار” و”نخيل”، اللتين تأسّستا على الديون وعلى المخاطرة، تترنّحان. وتلفّ العتمة شركات التنمية الكبرى الأخرى، وشركات التوزيع، وشركات الفنادق، والقطاع المرفأي.
في لندن، يقول الخبير “نيغيل دادلي” (Nigel Dudley) أن “مصاعب دبي تظهر مدى إندماج الشرق الأوسط ضمن النظام العالمي. فالإقتصاديات المحلية لم تعد تتمتع بنفس ما كانت تحظى به في السابق من حماية إزاء عواقب الأزمة العالمية. مع ملاحظة أن دبي المحرومة من الفوائض النفطية، والتي اختارت تنويع إقتصادها في قطاع الخدمات، تدفع أغلى ثمن للأزمة”.
تُضاف إلى ما سبق الروابط الوثيقة مع الولايات المتحدة التي تجعل “دبي” معرّضة لتطوّرات الوضع الإقتصادي الأميركي. إن عملة دولة الإمارات تلتصق بالدولار وبالسياسة النقدية التي يتبعها “الإحتياطي الفيدرالي الأميركي” أكثر من إرتباطها بسياسات البنك المركزي في “أبو ظبي”. وأخيراً، فإن “دبي” تعاني من كثرة الأعمال التجارية التي تملكها العائلة الحاكمة التي تمسك كل الخيوط. إن هذه المحسوبية، التي تشكل مناخاً مساعداً للفساد، تعيق إتخاذ القرارات.
هل تستطيع “دبي” أن تعتمد على شقيقتها الكبرى “أبو ظبي” للخروج من مأزقها؟ متذرّعة بهبوط أسعار النفط، وبالخسائر التي تكبّدها صندوقها السيادي (“هيئة الإستثمار في أبو ظبي” ADIA) في الأسواق المالية الأميركية، فقد اكتفت “أبو ظبي” حتى الآن بدعم موضعي. أما إذا ما استدامت الأزمة، فإن إمارة “أبو ظبي” الغنيّة، والتي تستهويها الجوهرتان الكبيرتان في عرش “دبي”، وهما “خطوط الإمارات” و”نخيل”، يمكن أن تفوز بما تطمع به.