الرأي السائد لدى دبلوماسي دولة عربية كبرى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يقرأ جيداً الرسالة التي أراد قاتلو رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن إيصالها من وراء جريمة الاغتيال، والتي توازي في مغزاها جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي لم يتخذ في تلك اللحظة، التي شكلت مفصلاً جديداً في الصراع القائم داخلياً وإقليمياً، الموقف الذي يتناسب مع حجم الجريمة – الرسالة.
فميقاتي يُدرك أن الجهة التي خطّطت ونفّذت الاغتيال تعود إلى التحالف السياسي الذي يغطيه بوجوده في سدة الرئاسة الثالثة، وأن المستهدف هو إحدى الشخصيات الأمنية ذات الخصوصية، والتي أصابه اغتيالها مقتلاً على غير صعيد: أصابه وطنياً، ومذهبياً، ومناطقياً وحتى شخصياً، لا سيما وأن الحسن كان من الأشخاص المؤتمنين على حياته، وكان رئيس الحكومة يتغنى أنه من حماه في منصبه الأمني، تماماً كما حمى مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، في وقت كان يعوّل «حزب الله»، وراعياه السوري والإيراني، على تغيير التركيبة الأمنية التي شكلها فرع المعلومات في زمن الثنائي الحسن – ريفي، اللذين استطاعا أن يخلقا، في غمرة السيطرة الأمنية السورية – الإيرانية على البلاد، جهازاً أمنياً – استخباراتياً متقدماً موثوقاً به دولياً، ومزوداً بأحدث التقنيات وخارجاً عن تأثير «حزب الله» الذي نجح في أن يُحكم قبضته على الأجهزة الأمنية الأخرى من خلال اختراقها بالكامل وتوظيفها في خدمة مشروعه وأجندته.
وفي رأي الدبلوماسي العربي ذي الاطلاع الواسع، أنه كان على ميقاتي أن ينتفض في وجه حلفائه الذين غدروا به، والذين استخدموه واجهة لتنفيذ مآربهم، فيُقدّم استقالته على وقع الاغتيال، في إعلان مدوٍ على رفضه هذا الاستهداف ومغزاه السياسي والأمني. وهو لو فعل لكان أحدث صدمة قوية وصلت أصداؤها وارتداداتها إلى كل الجهات وفي مختلف الاتجاهات. إلاّ أنه أضاع الفرصة على نفسه، حيث سيخرج من الامتحان – التحدي مهشماً سياسياً، بدل استعادته بعضاً من مكانته التي خسرها في بيئته السياسية والمناطقية يوم انقلب على حليفه السياسي سعد الحريري وعلى وسطيته. والأهم أنه اضاع فرصة على البلاد التي دخلت مرحلة من المواجهة السياسية المفتوحة لن تنتهي إلا بانتهاء مرحلة الانقلاب التي كرّسها بترؤسه لحكومة تعود الكلمة الفصل فيها لـ «حزب الله» وحليفيه الإقليميين. ويذهب هذا الدبلوماسي إلى حد الاعتقاد بأنه لو أحسن ميقاتي التقدير والتصرف لكان شكّل جسر عبور للمرحلة المقبلة، وربما كان المرشح الأوفر حظاً لإعادة ترؤس حكومة توافقية على غرار تلك التي أتت به إلى نادي الرؤساء بعد استقالة حكومة عمر كرامي، يوم شعر بعبء دم الرئيس رفيق الحريري.
فمسألة استقالة الحكومة باتت مسألة محسومة، وفق مطلعين على الحركة السياسية والدبلوماسية، وهو موقف بات يدركه جيداً ميقاتي الذي تبلّغ من المجتمع الدولي ملحقاً من الإيضاحات بأن الدعم ليس لبقاء حكومة يُهيمن عليها «حزب الله»، بل لعدم وقوع البلاد في فراع قد يؤول إلى اهتزاز الساحة الداخلية أمنياً جراء تداعيات الأزمة السورية وتأثيرها عليها، فيما الانشغالات العربية والدولية تنصب على كيفية محاصرة انعكاساتها وعدم انفلاشها إلى خارج الحدود بانتظار أن يتضح المسار الذي ستسلكه الأزمة السورية عقب انتهاء استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية في السادس من تشرين الثاني الجاري، وتبلور هوية سيّد البيت الأبيض، حيث أن فوز باراك أوباما في فترة ثانية يعني عملياً بقاء فريق الرئيس في الإدارة من دون الحاجة إلى انتظار مرحلة التسلّم والتسليم في كانون الثاني المقبل، وتشكيل الرئيس العتيد إدارة جديدة.
من هنا، ثمة شبه اقتناع بأن الأسابيع المقبلة ستحمل معها تطورات جديدة سيكون لها انعكاسها على مستوى الأزمة السورية، وتنكب فرق عمل عربية – دولية في أكثر من مكان على دراسة آليات المرحلة الانتقالية الآتية حكماً. ورغم إقرار الجميع بأن مسار الوضع الحكومي اللبناني بات مرتبطاً إلى حد بعيد بالأزمة السورية، فإن جريمة اغتيال الحسن سرّعت في مشهد التحوّل اللبناني المنتظر حصوله، فيما البحث يرتكز اليوم على الآلية الفضلى التي من شأنها أن تمهد الطريق للوصول إلى أرضية تشكل أسساً صالحاً للبحث في حكومة انتقالية تعيد التوازن المفقود على الساحة الداخلية، وتشرف على انتخابات نيابية تُعيد إحياء العمل بنتائج العملية الديموقراطية التي تمّ تعطيلها بفعل هيمنة السلاح ووهجه، حيث سمح اختلال الميزان إقليمياً بالانقلاب على مفاعيل اتفاق الدوحة، وأطيح بتلك المفاعيل كلياً مع عودة الاغتيالات إلى الساحة اللبنانية.
وإذا كان هناك احتضان عربي ودولي لرئيس الجمهورية، وتثمين لدوره في قيادة العربة بما يؤمن وصولها إلى بر الأمان، من خلال تهيئة المناخات التشاورية للوصول إلى حكومة جديدة، فإن الرهان، وفق مطلعين على الحركة السياسية والدبلوماسية، ينصبّ في الآونة الراهنة على أداء قوتين سياسيتين أساسيتين هما رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يسعى إلى لعب دور احتوائي، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي لا تزال أبواب المملكة العربية السعودية مقفلة أمامه حتى الساعة ثمناً لانقلابه عليها. هذا الرهان ينطلق من اعتقاد مفاده بأن موقف الثنائي برّي – جنبلاط كفيل بأن يشكّل عنصراً ضاغطاً على «حزب الله»، الذي لن يُسلّم بسهولة بالإطاحة بالحكومة في هذا التوقيت المصيري له ولتحالفه السوري – الإيراني، رغم وجود انطباع بأن الحزب بات مأزوماً داخلياً مع اشتداد الضغوط عليه وارتفاع منسوب التوتر المذهبي، وبدء تسرّب حال من القلق ضمن البيئة الشيعية من نتائج أي مغامرة غير محسوبة، سواء في اتجاه إسرائيل أو في اتجاه الداخل، وإنْ كان هناك من يعتبر في الأوساط المناوئة لـ «حزب الله» أن تكرار مغامرة السابع من أيار باتت مغامرة مكلفة جداً، لا بل انتحارية على الحزب وحلفائه وبيئته، وليس بمقدور أي منهم تحمّل تداعياتها، ولا سيما في خضم التحولات التي شهدتها المنطقة منذ «الربيع العربي».
rmowaffak@yahoo.com
إعلامية لبنانية