قبل ان يهل العام الحالي علينا كانت ثمة اشاعة متفشية بين الناس بأن العالم سيشارف على الانتهاء في عام 2011، وأن الارض ستلفظ انفاسها الاخيرة بسبب كوارث بيئية عظيمة ستحل بها في نهاية عام 2012 وبالتحديد في ديسمبر 21 . هذا طبقا لحسابات علماء الفلك من حضارة المايا التي تواجدت في المكسيك في امريكا الجنوبية قبل اكثر من خمسة آلاف سنة، ومن ثم اندثرت تلك الحضارة بإجتياح الاروبيين الى تلك الاراضي واستعمارها.
الآن ثمة خوف صار يجره خوف في نفوسنا، واضحى اكثر احتداما وتداولاً بين شعوب الارض، واسبابه لم تعد بيئية بحتة مثلما كان هو متوقعاً، بل خيّمت الازمات الاقتصادية بظلالها على المشهد العام، والنزاعات العسكرية والانتفاضات والاحتجاجات السياسية التي تزايدات وتيرتها بين الشعوب وحكامها في الشهور الستة الأخيرة. حتى دول العالم الحر ازدادت درجات التوتر فيها وظهر غضب افراد شعوبها بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وصارت الشعارات هناك تأخذ منحى اكثر تشددا وعدوانية.
لماذا كل هذا الخوف؟ ولماذا انتشر بين الناس اساليب العنف لتحقيق المطالب، حتى اصبح كوباء معدي لا علاج له ولا دواء؟ كيف تساقطت الدكتاتوريات واهتزت اقتصاديات الانظمة الديموقراطية وهوت الدولة العظمى غارقة في ديونها في آن واحد؟ ماذا يعني قرار وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد اند بورز” بخفض درجة التصنيف الإئتماني للدين الامريكي؟ لماذا السوق العالمي يعيش في حالة ذعر وهلع حيث الاسهم بدأت بالتراجع الى ادنى مستواياتها، خاصة في اسواق التداول الاسيوية والخليجية؟ كيف تفشت في العالم ثقافة الخوف من المستقبل بنفس درجة الخوف من الحكام الطغاة وانظمتهم المستبدة؟ ربما هذه هي الفترة الزمنية الوحيدة التي التقى فيها لأولى مرة جميع شعوب العالم عند نقطة واحدة وهي حالة خوف شديد بغض النظر عن اسبابه الحقيقية.
صورة الجياع في الصومال والمتضررين من الجفاف الذي المّ بمساحات كبيرة من افريقيا جعل سائر الناس يخشون اكثر وأكثر من سنين عجاف قادمة. ماذا يعني كل ذلك لنا كبشر على هذه الارض التي تئن من حُمى متفاقمة بسبب التلوث البيئي والحروب الممتدة والعنف المسلح والنزاعات العسكرية؟
يبدو انه لا يعني شيئا لكثير منا، ولا يعني الكثير للقادة السياسين في العالم. لأن الذهنية التي ساهمت في خلق كل تلك المشاكل والأزمات لا زالت تمسك بزمام الامور وتسيرها تجاه تلك الناحية. القادة الحاليين يعيشون في حالة من النكران لما يجري على الارض. هم ساهموا بشكل او بآخر في خلق تلك المصائب البيئية والسياسية والاقتصادية، لكنهم يقفون عاجزون عن حلها.لأنهم لا زالوا يفكرون بنفس ذهنية الاستبداد والمصالح الخاصة التي دائما تأتي قبل مصلحة العالم ككتلة واحدة. الحكومات مازالت تنظر في حدود الاوطان التي ابتدعوها، والحدود التي رسموها وقيدوا الناس بها. قسموا الارض الى بقع واوطان ذات سيادة خرافية، وقطعوا الاواصر وترابط الناس فيما بينهم. تحولوا البشر الى جماعات متعصبة بحدود سياسية وهمية، واصبحوا مخلوقات انانية لا يهمهم سوى انفسهم ، ولا شأن لهم بما يجري خارج حدودهم. هذه اشكالية كبيرة بحد ذاتها خلقها السياسيون عبر عقود طويلة بغرض الهيمنة على الارض والاستيلاء على ثرواتها.
اليوم نحن نسير في مركب واحد لعبور تيارات من الامواج المتلاطمة المخيفة، اذا غرقت اوروبا او آسيا او امريكا او اي بقعة اخرى في الارض ستأخذ بقية العالم معها. لذلك لا بد للدول ان تتجاهل الحدود والخلافات وتنظر الى المصلحة التي تجمعها بالعالم. لا للأوطان ولا للهويات ولا للأجناس ولا لللأعراق ولا للتصنيفات الدينية والسياسية. يجب ان نتحدث بصوت واحد ونحتمي بمظلة واحدة وهي مظلة الانسانية. لم يعد الوضع يحتمل كل هذه الخلافات وكل هذه المصائب التي تهل على الناس من كل حدب وصوب.
الناس تجري في عروقهم نفس الدماء ويستنشقون برأتهم نفس الهواء، ويشعرون في اجسادهم بنفس الداء، فلماذا لا تتواصل بنفس اللغة الانسانية؟ فحين يجوع طفل في الصومال، جوعه يؤلم كل بطون سكان الارض ويجب ان يهرعوا لإطعامه، وحين ينهدم بيت رجل عجوز في طوكيو تهتز كل قلوب الناس له ويجب ان يسارعوا لمساعدته، وحين تُغتصب امرأة في كينيا، يجب ان يهب كل قضاة العالم لانصافها ورد اعتبارها، وحين يٌطلق رصاص على شاب في لندن ويُردى قتيلا على ايدي الشرطة تدمع عيون كل الامهات في العالم له ويجب ان يطالبن بمحاكمة قتلته، وحين يخسر رجل في الرياض عمله ومصدر رزقه يجب ان يشعر به الناس من اقصى الارض الى اقصاها ويساندوه ليجد عملا آخرا، وحين تجبر شابة على ممارسة الدعارة في تايلاند يجب على كل الناس ان ينقذوها ويدينوا من تسببوا في ظلمها، وحين تـُقتل اناس ابرياء او تُـظلم أو تُسجن وتُعذب في ارض الله الواسعة، يجب ان يتحد العالم بأسره ضد تلك الجرائم ويسعى لإيقافها.
حان لنا نحن على هذه الارض التي تنتظر منا اسعافها، ان ننسى اختلافاتنا وخلافاتنا، وأن نقف مع بعضنا البعض كبشر وليس كشعوب بهويات وأجناس واديان مختلفة وأوطان متناثرة وحكومات وانظمة متناحرة، يجب ان توحدنا انسانيتنا، لكي نقطع دابر هذا الخوف الذي يجره خوف مزروع فينا، فقد حان اقتلاعه بقربنا منا ومن بعضنا..
salameyad@hotmail.com
* كاتبة سعودية