رياض طوق (الشفاف- بيروت)
تعود مسألة خفض سن الاقتراع في لبنان الى سن 18 سنة الى عقود ماضية وربما قبل الحرب الاهلية، يوم كانت الجمعيات الاهلية والشبابية والاتحادات الطلابية والطلاب الجامعيون والعاملون على اصلاح النظام الانتخابي يطالبون بتجديد النخب السياسية وذلك برفد الجسم السياسي اللبناني المترهّل بطاقات شبابية جديدة من عمر 18 لم يتم تدجينها أو ترويضها بعد. وكانت هذه الدعوات غالباَ ما تواجه اما بالرفض واما بالتجاهل واللامبالاة نتيجة خوف الطبقة السياسية آنذاك من ضخ دم جديد في شرايين الحياة السياسية في لبنان لا سيما ان الاحزاب العلمانية حينذاك كانت فاعلة في الاوساط المدرسية والجامعية وقادرة على استقطاب الاعداد الكبيرة من الشباب، وذلك قبل ان تنقلب هذه المعادلة بعد الحرب نتيجة السقوط المدوي لشعارات هذه الاحزاب ولاديولوجيتها، فأضحت الطوائف هي التي تستقطب العناصر الشابة وهي التي تحرك غرائزها المذهبية، كما أضحت القيادات السياسية الطائفية هي التي تتحكم بهذا المسار وتوظيفه وفقاً لمصالحها وتقلباتها السياسية. من هنا تبرز المخاوف عند مقاربة هذه المسألة، لا سيما اذا كان الفرض من طرحها زيادة أعداد الناخبين في طوائف معينة على حساب طوائف أخرى بعدما تمكنت قياداتها من الامساك بالشارع لا بل من اختزال هذه الطوائف. وهذا ما يلاحظ في الخطاب الماضوي وتكرار ما يقوله زعماء الطوائف في اغلبية الاوساط الشابة.
ولم يسبق لأي زعيم سياسي أن طرح خفض سن الاقتراع بمثل هذا الحماس وهذه الحرارة والعناد كما يفعل الرئيس نبيه بري، اذ كان بعض السياسيين في الماضي يطرحون موضوع خفض سن الاقتراع على ابواب المواسم الانتخابية لاسترضاء الناخبين او للاطلالة على الجمهور بخطاب غيلر تقليدي سرعان ما كان يخبو وينطفىء بعد اقفال صناديق الاقتراع. وبقيت الامور على هذه الحال الى ان اقرّ هذا المطلب السنة الماضية نتيجة توافق لقوى السياسية الاساسية على ربطه باعطاء حق الاقتراع للمغتربين وبقانون استعادة الجنسية على ان يتمّ الاخذ به في انتخابات 2013 ضمن سلة متكاملة وبعد ان تكون التحضيرات لمشاركة المغتربين في الحياة السياسية قد استكملت. ولعلّ المفاجىء في موقف الرئيس بري دعوة مجلس النواب الى جلسة تشريعية يوم الاثنين في 25 كانون الثاني والبلاد على ابواب الانتخابات البلدية والاختيارية وعلى أبواب ادخال تعديلات اصلاحية على قانون الانتخاب وذلك قبل العاشر من شهر شباط، والكل متخوف من المماطلة في اقرار هذه التعديلات لتطيير هذا الاستحقاق الانمائي والديمقراطي الحيوي، او ربط اجراء الانتخابات باقرارها بحيث تصبح الفرصة سانحة امام المناورات والتجاذبات السياسية ولحسابات الربح والخسارة عند كل فريق سياسي.
ولعل الملفت في الامر وللمرة الاولى في الزجليات السياسية اللبنانية اليومية والتي ارهقت أعصاب اللبنانيين واسماعهم وفي سياق الردّ على العماد ميشال عون استحضار هذا البيت من الشعر الجاهلي للشاعر عمرو بن كلثوم من قبيلة تغلب التي كانت معروفة بشدة البأس وكثرة العدد، وهو بيت من معلقته الشهيرة بعد قتله “عمرو بن هند” ملك الحيرة:
ألا لا يجهـــــــــلن أحد علينـــــا فنجـــهل فوق جهـــل الجاهلينـــا
ولعله من المفيد استحضار بعض ابياتها التي تشكل تتمة لمعنى هذا البيت اذ جاء في هذه المطوّلة:
أبا هندٍ فلا تعجل علينــــا وأمهلنا نخبرك اليقينــــــــا
بأنـّـا نورد الرايات بيضاً ونصدرهن حمراً قد روينـا
ملأنا البرّ حتى ضاق عنــّا وظهر البحر نملأه سفينـــا
اذا بلغ الفطام لنا صبـــــيّ تخرّ له الجبابر ساجدينــــا
وفي هذه الابيات من الفخر والتباهي بالقوة وكثرة العدد والاستعلاء على الآخرين ما حمل الناس آنذاك على القول: “ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم”. فمن استحضار الجاهلية وهي القائمة على الاخذ بالثأر وحدة الطبع والعصبية العشائرية والتجمعات القبلية والحروب التي كانت تسمى اياماً وتدوم لسنين طويلة، في سياق طرح اصلاح انتخابي عصري لاشراك الشباب من سنَ ال18 في تجديد الحياة اللبنانية.
وكأنه كتب على اللبنانيين ان يتنقلوا بين الانقسامات من انقسام الى آخر، فلا يكاد يختم جرح حتى ينفتح آخر. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ضرورة اعادة النظر في برامج التربية الوطنية والتاريخ قبل الزج بأفواج جديدة من المقترعين في أتون الصراعات القائمة، لاضافة نوعيات جديدة على الحياة السياسية بدل اضافة اعداد لا تحدث اي تغيير في المسار السياسي العام.
وفي العودة الى شرح معنى البيت الشاهد في ردّ المكتب الاعلامي للرئيس بري ومعناه، لكأن هذا البيت من الشعر الجاهلي فيه تحذير لكل المعترضين او الذين يفكرون بالاعتراض مهما علا شأنهم. اذ ان أغلبية اللبنانينن ترى ان ايّ اصلاح دستوري او انتخابي ليس بحاجة الى استحضار عمر بن كلثوم ولا الى التهديد وتحويل الرايات البيض الى رايات حمر.
واذا كان المسيحيون الذين يقرون بأهمية هذه الاصلاحات يطلبون اختيار التوقيت المناسب والظروف الملائمة لدراسة وطرح تشكيل الهيئة العليا لتشكيل الطائفية السياسية وتزامن خفض سنّ الاقتراع مع حقوق المغتربين، فلماذا لا يتمّ الاخذ بهواجسهم وهواجس مرجعياتهم الروحية والسياسية ؟ ولماذا لا يصغي دولة الرئيس؟ وهل يشرع بصفته رئيس حركة أمل الشيعية أم يشرع بصفته رئيساً للبرلمان .
وكم يبدو جميلاً أن نستبدل بيت عمرو بن كلثوم ببيت المتنبي:
ومراد النفوس أصغر من
أن نتعادى فيه وأن نتفانى