البقاع خاص بـ”الشفاف”
قبل يومين، تساءل اللبنانيون: ماذا كان يقصد الشيخ يزبك، “الوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي في لبنان” (وظيفته مثل “السفير البابوي”، سوى أن سفير البابا لا يجمع “الخِمس” من المواطنين اللبنانيين!) حينما أعلن، خلال إحياء ذكرى اسبوع على مقتل حسين ناصيف (“أبو عباس” شمص) إن “القائد أبو عباس استشهد دفاعا عن اللبنانيين المظلومين الذين تخلّت عنهم الدولة والحكومة، ولم يشفع لهم نأي الحكومة بنفسها، إذ لم يرحموا من في أرضهم وبيوتهم، من اعتدي عليهم قتلا وخطفا، فاستغاثوا، والحكومة نائية بنفسها، فأغاثهم “أبو عباس” رجل الغيرة والحمية، ملبيا نداء مولانا أمير المؤمنين: كونوا للظالم خصما وللمظلوم عونا. لقد استشهد الشهيد القائد أبو عباس بين اللبنانيين دفاعا عنهم، فالمقاومة لم تزج لبنان، بل تحملت المسؤولية بعدما تخلت الدولة عن مسؤوليتها بالدفاع عن اللبنانيين، فالمقاومة هي المقاومة، وما يقال (ما قبل وما بعد) ما هي إلا أحلام وأوهام واهية وأمنيات إبليس في الجنة”.
فعن أي “لبنانيين مظلومين” كان الشيخ يزبك يتحدث طالما أن “أبو العبّاس” قُتِل في سوريا؟ وكيف يتّهم “الدولة والحكومة” بالتخلّي عن “لبنانيين” طالما أن “أبو العبّاس”، وهو من “بوداي” بالهرمل اللبنانية قُتِلَ في سوريا، باعتراف الحزب نفسه؟
اللافت في كلام “الوكيل” أنه تزامن مع كثرة الحديث في الأونة الأخيرة عن مشاركة عناصر من حزب الله في القتال داخل سوريا. فلا يمر يوم دون ان يعلن الحزب عن سقوط قتلى في صفوفه!
فحوى كلام “الوكيل الشرعي”
معلومات “الشفاف” من البقاع اللبناني تشير الى أن الحزب الالهي ينشر عناصره على طول خط القرى المعروفة بـ”قرى حوض نهر العاصي”، وهي قرى سورية، وأخرى لبنانية تتبع إداريا للسلطات السورية، ومتداخلة ضمن الأراضي السورية، ويسكنها لبنانيون معظمهم من الطائفة الشيعية. وبعضهم مسيحيون كاثوليك وموارنة، وبعضهم سنّة!
وتشير المعلومات الى ان عدد هذه القرى يبلغ قرابة 18 قرية ومزرعة، من بينها “ربله” البالغ عدد سكانها 12000 نسمة وهم لبنانيون من الروم الكاثوليك والموارنة. ويحمل سكان بعض القرى الهوية اللبنانية، إلا أنهم يقطنون في سوريا. وكذا قرى “باب الهوا” و”الحويك””، و”زيتا”، و”الصفصافة”، و”مطربا”، و”الحوش”، و”الحمّام”، و”الفاضلية”، و”السماقيات”، و”الجنطلية”..
ان النائب في البرلمان اللبناني، غازي زعيتر، هو من إحدى هذه القرى اللبنانية المتداخلة بالأراضي السورية!
وهذا الوضع معروف بصورة عامة، وهو ينطبق على “دير العشائر” مثلاً. وهي منطقة لبنانية يمكن الوصول إليها عبر المرور بالأراضي السورية. وتعود هذه الخصوصية للحدود اللبنانية-السورية إلى عهد الإنتداب الفرنسي، ثم إلى رفض السلطات السورية بـ”ترسيم الحدود” بين البلدين، رغم مطالبة السلطات اللبنانية بذلك خصوصاً بعد انسحاب جيش بشّار الأسد من لبنان في العام ٢٠٠٥.
وحيث أن أعداد قتلى حزب الله في سوريا بدأت تتزايد في الأسابيع الأخيرة، فقد بدأ الحزب يعد لتسويق “نظرية” مفادها انه يدافع عما يُعرف بـ”قرى حوض العاصي السورية”، مُعتَبِراً انه “حصل خطأ بضمّها إلى سوريا” في عهد الإنتداب الفرنسي (أي قبل ٩٠ سنة!). وذلك من اجل تبرير سقوط هذا العدد من القتلى من العناصر التي تقاتل الى جانب “شبيحة” الاسد.
“ربط نزاع” مع سوريا ما بعد الأسد!
كلام وكيل الخامنئي يعني ان حزب الله يعد لمشروع “ربط نزاع” مع سوريا ما بعد سقوط الاسد! على غرار “ربط النزاع” مع إسرائيل بعد سحب جيشها من لبنان بموجب القرار الدولي 425، من خلال “مزارع شبعا” الملتبسة حدودا وجغرافيا، والتي اعتبرتها الدولة السورية دائماً جزءاً من أراضيها!
وبهذا المعنى يصح كلام الشيخ يزبك عن أن “أبو العبّاس” قُتِلَ دفاعا ًعن لبنانيين تخلّت عنهم “الدولة والحكومة”! (ليس فقط الآن، بل ومنذ “اتفاقية سايكس-بيكو)!
وقالت مصادر لـ”الشفاف” ان حزب الله يريد من خلال إثارة مسألة “قرى حوض العاصي” الممتدة على طول مجرى نهر العاصي، بمحاذاة جرود الهرمل وصولا الى جرود بلدة “عرسال”، خلقَ ذريعة إضافية للاحتفاظ بسلاحه لما بعد سقوط نظام الاسد. خصوصا ان الحزب لم يتأكد الى الآن من طبيعة النظام السياسي الذي سيخلف بعث الشام.
ولفَتَت المصادر إلى أن حزب الله (على غرار نظام بشّار الأسد) عارضَ، دائماً “ترسيم” الحدود اللبنانية السورية، مشترطا ان يبدأ “الترسيم” من “النهر الكبير” شمال لبنان (حيث لا خلاف على الحدود بين لبنان وسوريا) ورافضاً في الوقت نفسه ان يبدأ “الترسيم” من “مزارع شبعا” لتوضيح ملكيتها، في اتجاه البقاع وصولا الى الشمال.
وأضافت ان حزب الله (الذي كان، أصلاً، ضد انسحاب القوات الأسدية من لبنان حتى العام ٢٠٠٥) بدأ يعاني فعلا من تخبط وإرباك على الطريقة العونية، حيث انه يبرر الموقف ونقيضه. فلا مفرّ من أن يتساءل اللبنانيون عن جدوى قيام حزب الله وحلفائه بتعطيل ترسيم الحدود اللبنانية طوال الاعوام السابقة، وعن المسوّغ الذي سيعتمده ليطالب بالترسيم اليوم او بعد سقوط الاسد!
مع ملاحظة أن حزب الله لم يطرح موضوع “مزارع شبعا” سوى بعد الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان حتى لا يفقد “ورقة المقاومة”! وفي حينه، أعلن وليد جنبلاط في مؤتمر صحفي شهير، واستناداً إلى خرائط لبنانية، أن “مزارع شبعا” هي أراضي سورية “ضمّها” جميل السيّد إلى لبنان بعد الإنسحاب القسري لبشّار الأسد من لبنان، لإعطاء حزب الله (وأذناب النظام السوري) حجّة لـ”استمرار المقاومة”!
ليستعد “المجاهدون” اللبنانيون لتحرير “أرض لبنان السليبة” من “العدو السوري الغاشم”! “ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة”!
لكن، هذه المرّة، سيكون صعباً جداً على “الحزب” أن يقنع الجمهور الشيعي بأن سوريا الثورة هي أرض “جهاد! إلا إذا دخلت سوريا في “حرب أهلية طائفية” تسمح للحزب بـ”تعبئة طائفية” لجمهوره. وفي كلا الحالتين، فإن الحزب يتّجه في مسار صدامي مع الدولة اللبنانية، ومع القوى الإستقلالية في لبنان!