كما قال الإمام(خوجة)، فقد انقضى نصف قرن على ترحيب أحد زعماء أميركا العظام بالمركز الإسلامي في عائلة أديان بلدنا. وقد مد الرئيس دوايت د. آيزنهاور، في خطابه في حفل تدشين هذا الموقع، يد الصداقة للمسلمين في جميع أنحاء العالم. وطلب أن نلزم أنفسنا معاً “بتقدم جميع البشر سلمياً في ظل إله واحد.”
ونحن نجتمع اليوم، بصداقة واحترام، لإعادة تأكيد ذلك التعهد- ولتجديد تصميمنا على الوقوف معاً في السعي إلى الحرية والسلام. لقد جئنا للإعراب عن تقديرنا لدين أثرى الحضارة على امتداد قرون. وقد جئنا نحتفي بالتعددية الدينية الأميركية وبوحدتنا كشعب حر. ونحن نحتفظ في قلوبنا بحكمة الشاعر المسلم العظيم الرومي القديمة: “المصابيح مختلفة، ولكن النور واحد.”
تساعد اللحظات مثل لحظة الاحتفال بافتتاح هذا المركز هذه في إيضاح ماهية الأميركيين كشعب، وما نرغب فيه للعالم. إننا نعيش في زمن تُثار فيه تساؤلات حول أميركا ونواياها. وليس على الذين يسعون إلى فهم بلدنا حقاً النظر إلى أبعد من هنا. إن هذا المركز الإسلامي يقبع بهدوء في طريق على مقربة من كنيس يهودي… إلى كنيسة (بروتستانتية) لوثرية… إلى أبرشية كاثوليكية…إلى كاتدرائية أرثوذكسية شرقية… إلى هيكل بوذي، ولكل منها أتباع مؤمنون يمارسون شعائر معتقداتهم التي يؤمنون بها بشدة ويعيشون جنباً إلى جنب بسلام.
وهذا هو ما تقدمه الحرية: مجتمعات يعيش فيها الناس ويتعبدون كما يشاؤون بدون تخويف، وبدون ريبة، وبدون قرع على الباب من الشرطة السرية. إن الحرية الدينية هي الحماية الأولى التي تكفلها وثيقة الحقوق الأميركية. وهي ميثاق أساسي يوافق المؤمنون من أتباع الديانات المختلفة بناء عليه على عدم فرض رؤياهم الروحية على الآخرين، وفي المقابل أن يمارسوا معتقداتهم الدينية حسب ما يرونه مناسبا. هذا هو وعد دستورنا، وما يمليه ضميرنا، وهو مصدر قوتنا.
إن حرية العبادة محورية في الشخصية الأميركية إلى حد نميل معه إلى اعتبار الأمر شخصياً عندما يحرم آخرون تلك الحرية. وقد كان بلدنا صوتاً قيادياً في تأييد المنشقين الرافضين اليهود في الاتحاد السوفياتي السابق. ووقف الأميركيون إلى جانب الكاثوليك والبروتستانت الذين كانوا يرفعون صلواتهم سراً خلف ستار حديدي. ووقفت أميركا في صف المسلمين الساعين إلى ممارسة معتقداتهم الدينية بحرية في أماكن مثل بورما والصين.
وللتأكيد على احترام أميركا للدين الإسلامي هنا داخل بلدنا، جئت إلى هذا المركز بعد ستة أيام فقط من هجمات 11/9 لشجب حوادث إيذاء الأميركيين المسلمين. وإنني أعلن اليوم مبادرة جديدة ستحسن الفهم والتعاون المتبادلين بين أميركا وشعوب الدول ذات الغالبية الإسلامية.
ويسعدني أن أعلن أنني سأعين مبعوثاً خاصاً إلى منظمة المؤتمر الإسلامي. وهذه أول مرة يقوم فيها رئيس بمثل هذا التعيين لدى منظمة المؤتمر الإسلامي. وسوف يصغي مبعوثنا الخاص إلى ممثلي الدول الإسلامية ويتعلم منهم ويتشاطر معهم وجهات النظر والقيم الأميركية. إن هذه فرصة للأميركيين لإظهار اهتمامنا بالحوار القائم على الاحترام والصداقة المستمرة للمجتمعات الإسلامية.
وقد شاهدنا تلك الصداقة متجسدة في دفق المساعدات التي قدمها الأميركيون إلى المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء المعمورة خلال فترات الحرب والكوارث الطبيعية. فقد ساعد الأميركيون ضحايا الزلازل المدمرة في باكستان وإيران، واستجابوا بسرعة وتعاطف لاحتياجات ضحايا أمواج التسونامي العاتية في إندونيسيا وماليزيا. ودافع بلدنا عن المسلمين في البوسنة وكوسوفو بعد تفكك يوغوسلافيا. ونحن نعكف الآن على حث العالم على التصدي للإبادة الجماعية في السودان. وقد قام بهذه الجهود أميركيون من جميع الأديان تدفعهم الشفقة والاقتناع والضمير.
وهناك فرصة تاريخية عظيمة أخرى تهيب بأصحاب الضمير، هي مساعدة قوى الاعتدال على الفوز في الصراع العظيم ضد التطرف الدائر حالياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير. وقد شاهدنا امتداد مفهوم الحرية الدينية والحقوق الفردية إلى كل منطقة في العالم، باستثناء واحدة. لقد شاهدنا في الشرق الأوسط بدل ذلك بروز مجموعة من المتطرفين الساعين إلى استخدام الدين كسبيل إلى السلطة ووسيلة للسيطرة.
وتتجرأ هذه الفئة التي عينت نفسها طليعة تتحدث باسم المسلمين. ولكنها ليست كذلك. وهي تدعو جميع المسلمين الذي لا يؤمنون بإيديولوجيتها القاسية المفعمة بالكره “كفارا” و”خونة” للدين الإسلامي الحقيقي. ويدعي هذا العدو كذباً أن أميركا تخوض حرباً ضد المسلمين والدين الإسلامي، في حين أن الواقع هو أن هؤلاء الراديكاليين هم عدو الإسلام الحقيقي.
فقد شنوا هجمات مثيرة على الأماكن الإسلامية المقدسة بقصد شق المسلمين وجعلهم يقاتلون بعضهم بعضا. وكانت أكثرية ضحايا أفعالهم الإرهابية من المسلمين. ففي أفغانستان استهدفوا المعلّمين بالضرب والقتل. وفي العراق قتلوا صبيا صغيرا ولغموا جثته كي تنفجر عندما يأتي أهله لاسترداد الجثة. وأركبوا أطفالا في المقعد الخلفي في السيارات لكي يقدروا على عبور حاجز تفتيش أمني، ثم فجروا السيارة والأطفال في داخلها. وهؤلاء الأعداء هم الذين فجروا حفلة عرس في عمان بالأردن… ومجمعا سكنيا في السعودية… وفندقا في جاكرتا. وهم يدّعون بأنهم يقومون بتلك الأعمال المجازر العنيفة باسم الله. لكن هذا العدو ليس وجه الإسلام الحقيقي، فهذا العدو هو وجه الكراهية.
إن على الناس أصحاب الضمير، رجالا ونساء، واجب الجهر وشجب هذه الحركة القاتلة قبل أن تجد طريقها إلى السلطة. وعلينا أن نساعد ملايين المسلمين وهم يسعون إلى إنقاذ دين تاريخي فخور، من قتلة وقاطعي رؤؤس يسعون إلى تلطيخ سمعة الإسلام. ويملك القادة المسلمون المعتدلون صوتا ونفوذا قويين في هذا المجهود. ونحن نكن الإعجاب والامتنان لهؤلاء المسلمين الذين استنكروا ما وصفه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي “بالعناصر الهامشية الراديكالية التي تدّعي أنها تعمل باسم الإسلام.” ولذا فعلينا أن نشجع مزيدا من القادة المسلمين على ضم أصواتهم والتحدث جهارا ضد المتطرفين الراديكاليين الذين يتغلغلون في المساجد… وأن يستنكروا المنظمات التي تستغل الدين الإسلامي كستار لدعم وتمويل أعمال العنف… وأن يتواصلوا مع الشباب المسلمين، حتى في بلدنا وغيره من بلدان العالم الحر، الذين يعتقدون أن التفجيرات الانتحارية قد تكون مبررة أحيانا.
إننا بحاجة إلى حشد أصوات المسلمين الذين يستطيعون التحدث مباشرة إلى الملايين التي تخلفت في العالم العربي عن ركب المسيرة العالمية نحو الرخاء والحرية. فعلى مدى عقود، تخلى العالم الحر عن المسلمين في الشرق الأوسط وتركهم للطغاة والإرهابيين وفقدان الأمل. وقد تم فعل هذا من أجل مصلحة الاستقرار والسلام، لكن هذا الأسلوب لم يحقق أيا من الهدفين. فلقد أصبح الشرق الأوسط حاضنة لتفريخ الإرهاب واليأس، وكانت النتيجة ازدياد عداء المسلمين للغرب. وأنا استثمرت معظم سنوات رئاستي في مساعدة المسلمين على محاربة الإرهاب واسترداد حريتهم وتلمّس سبلهم الفريدة إلى الازدهار والسلام.
إن الجهود المبذولة في أفغانستان والعراق مركزية بالنسبة لهذا الصراع، لكن هذا الصراع لن ينتهي عند حده هناك. فنحن نعتقد بأن النجاح النهائي في أفغانستان والعراق سيلهم الآخرين الذين يريدون حياة الحرية أيضا. وسنعمل نحو حلول يوم تعيش فيه دولة فلسطين الديمقراطية جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام. وقد شهدنا بالفعل بداية تحركات مستقبل ديمقراطي في أجزاء أخرى من الشرق الآوسط، وإن كانت الحرية قد تحتاج إلى عقود من الزمن كي تزهر. والمستقبل الديمقراطي ليس خطة مفروضة من الغرب، وإنما هو مستقبل تريد شعوب المنطقة أن تحققه لنفسها. فمستقبل تسوده الحرية هو الحلم والرغبة في كل قلب نابض بالمحبة.
نحن ندرك هذا لأن 8 ملايين شخص تحدوا التهديد والوعيد وأقبلوا على الإدلاء بأصواتهم في أفغانستان. ونعلم هذا لأن نحو 12 مليون شخص أدلوا بأصواتهم في انتخابات حرة في العراق. ونعرف هذا لأن العالم راقب المواطنين اللبنانيين وهم يرفعون راية ثورة الأرز ويخرجون الاحتلال السوري، ثم يختارون قادة جددا لهم في انتخابات حرة. وحتى اليوم لا يزال الأمل بالحرية محسوسا في الزوايا المظلمة في الشرق الأوسط، وينتشر هذا الشعور في المجالس وغرف المعيشة والمقاهي وغرف الصفوف الدراسية. فالملايين تريد سبيلا إلى مستقبل يستطيعون فيه الكلام والتفكير .. والسفر إذا رغبوا .. وأن يعبدوا كما يحلو لهم. إنهم يتوسلون في صمت من أجل حريتهم، ويأملون أن يستجيب كائن ما في مكان ما.
ولذا فإننا اليوم، وفي مكان العبادة الحرة هذا، وفي قلب بلد حر، نعلن لأولئك الذين يتوقون للحرية من دمشق إلى طهران: إنكم لن تظلوا مقيدين إلى بؤسكم إلى الأبد. ولن تتوسلوا بصمت بعد اليوم. فالعالم الحر يسمعكم. وأنتم لستم وحدكم. وهذه أميركا تمد لكم يد الصداقة. ونحن نعمل لليوم الذي يمكننا فيه أن نرحب بانضمامكم إلى أسرة الشعوب الحرة. وندعو من أجل أن يعرف أبناؤكم طعم الحرية يوما ما في كل مجال، بما فيها حرية محبة الله القدير وعبادته.
وليبارككم الله.
خطاب جورج بوش في المركز الإسلامي بواشنطن
إنت أهبل ولابتستهبل ياجورج بوش?