ذات يوم من عام ١٩٨٠ تلفن مسئول من السفارة الإسرائيلية طالبًا اللقاء فوافقت. وتم اللقاء في الساعة الثانية عشرة ظهرًا في «مركز بحوث الشرق الأوسط» بجامعة عين شمس، وكنت وقتها رئيسًا لشعبة الدراسات الإنسانية. ودار الحدث حول مسألتين:
المسألة الأولى خاصة بمدى قبول مشاركة فيلسوف إسرائيلي اسمه أفرون بولاكوف بجامعة بن جوريون في المؤتمر الفلسفي الدولي الثالث الذي كنت أشرف على إعداده بالتعاون مع مؤسسة كوزاد اديناور تحت عنوان «وحدة المعرفة» في ديسمبر ١٩٨٠.
وكان هذا الفيلسوف قد بعث برسالة في ٢٠/٧/١٩٨٠ ينبئني فيها بأنه يريد المشاركة رغم قوله بأن العلاقات الرخوة بين مصر وإسرائيل لا تسمح بالمشاركة، ومع ذلك فإنه يطلب الفصل بين المناخ العام وإمكان التعاون بين الشعوب على أسس ثقافية وفردية.
أما أنا فقد قلت للمسئول الإسرائيلي: «لقد طلبت من المسئولين في الجامعة وفي وزارة الخارجية الموافقة على مشاركة ذلك الفيلسوف الإسرائيلي ولكن بلا جدوى».
هذا عن المسألة الأولى، أما عن المسألة الثانية فقد كانت خاصة بتساؤل المسئول الإسرائيلي عما إذا كان في الإمكان عقد اتفاقية تعاون ثقافي بين مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس والمراكز المماثلة له في إسرائيل فكان جوابي: سأعرض الأمر على رئيس الجامعة.
وإثر انتهاء اللقاء ذهبت إلى رئيس الجامعة لأخبره بما حدث، وتصادف أن كان في مكتبه مسئول من مباحث أمن الدولة. انفعل إثر سماعه ما حدث ثم استطرد قائلاً: «ما حدث خطأ لأننا ضد التطبيع». وكان ردي على النحو الآتي: “أنا عاجز عن الفهم”.
فرئيس الدولة عقد معاهدة سلام مع إسرائيل، وأي معاهدة سلام تستلزم التطبيع، أي تستلزم عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي. ولقائي بالمسئول الإسرائيلي إفراز طبيعي من تلك المعاهدة. إلا أن هذا المنطق لم يكن له أي صدى إيجابي لدى المسئول القادم من مباحث أمن الدولة.
واليوم يواجه وزير الثقافة الفنان فاروق حسني شيئًا من هذا القبيل عندما أجرى حوارًا مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أبدى فيه استعداده لزيارة إسرائيل باعتباره مرشحًا لإدارة منظمة دولية هي اليونسكو، وإثر نشر الحوار صدر بيانان أحدهما من بعض المثقفين المصريين والآخر من بعض المثقفين اليهود ضد فاروق حسني.
زعم البيان الأول أن الحوار مع صحيفة إسرائيلية هو نوع من التطبيع، وبالتالي تلزم إدانته، وزعم البيان الثاني أن فاروق حسني يقود مع المثقفين حركة معاداة التطبيع، وبالتالي يلزم عدم انتخابه رئيسًا لليونسكو.
وتحليلي لهذا التناقض الذي يواجهه فاروق حسني هو على النحو الآتي:
اللافت للانتباه أن فاروق حسني يؤثر مخاطبته بـ «الوزير الفنان»، وهو لقب ينطوي على تناقض. فمن حيث هو «وزير» لديه التزام بسياسة الحكومة والدولة، ومن حيث هو فنان ليس لديه مثل هذا الالتزام. ومن هذه الزاوية فإن وقوعه في التناقض لازم من لزوم اللقب المزدوج الذي يعتز به.
ومن هذه الزاوية أيضًا نقول إن هذا التناقض غير مألوف مع أنه مشروع، ذلك أن التناقض على ضربين: تناقض غير مشروع وتناقض مشروع. الأول ممتنع، إذ عليك أن تختار أحد النقيضين، فإذا اخترت أحدهما امتنع اختيارك للثاني. أما التناقض الثاني فيسمح لك بأن تأخذ النقيضين معًا. والفارق بين الضربين أن الضرب الأول يمتنع معه التطور. وعلى الضد من ذلك الضرب الثاني.
وفاروق حسني منحاز إلى الضرب الثاني. فهو مثلاً مع مصادرة الكتب التي تحاول إحداث هزة في القيم الموروثة لدى الجماهير، وهو مع ذلك ضد المصادرة لأنها في رأيه، قاتلة للإبداع لدى الفرد. وهو بذلك لا يقف ساكنًا عند أحد النقيضين بل يتحرك معهما، وهو في هذه الحركة يرفع التناقض. واليونسكو اليوم يواجه تناقضًا حادًا.
فهي كمنظمة دولية لا تنحاز إلى دولة دون أخرى لأنها حريصة على ألا تُغضب أحدًا، ومع ذلك فالغضب وارد في الصراع العربي الإسرائيلي الذي يتخذ بُعدًا دوليا، وهو غضب ينطوي على عداوة مريرة. ومثل هذه العداوة لا تستقيم مع رسالة السلام التي هي دستور اليونسكو.
والسؤال إذن:
هل اليونسكو اليوم لديها الرغبة في مواجهة هذا التناقض وفي محاولة رفعه؟
إذا كان الجواب بالإيجاب فلديها فاروق حسني «الخبير في رفع المتناقضات» ولكن بشرط أن يكون لقبه «المدير الفنان».
*نقلا عن المصري اليوم
خبير في رفع المتناقضات “« أقسم بالله العلي العظيم أن حال الشعوب العربية مع اسرائيل كالتالي:أركبت الشعوب العربية منذ1919 أرجوحة تدور ببطؤ قليلا قليلا ثم تزداد سرعتها رويدا رويدا حتى بلغت سرعتها القصوى ويحركها الزعماء العرب برعاية أهل الشأن حتى أصبحت الشعوب العربية من شدة سرعة الأرجوحة لا تعرف الإتجهات الأصلية من الإتجاهات الفرعية ولم تعد تميز فوق من تحت وفقدت القدرة على تركيز البصر والبصيرة والأرجوحة مستمرة في زيادة سرعتها حتي أصبح الشعب العربي بكامل هيأته وحيواناته ومايكروباته وفيروساته فاقدين الشعور بالجاذبية ومستعدين للإنجذاب حتى ولو الى الشيطان فقد اختلط دينهم بتينهم وزفتهم بلفتهم ومستعدون لقبول أن الأرض مجرد… قراءة المزيد ..