رغم الأجواء الهادئة التي سادت الاجتماع الذي جمع رئيس بلدية صيدا في جنوب لبنان، المهندس مصطفى حجازي، وعدد من أعضاء المجلس البلدي ومن توجهات مختلفة، يوم السبت 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، الا ان ذلك لم يُّنهِ الخلافَ الذي نشأ في المجلس المذكور لدى نقاش موضوع سوق الخضار الحديث (“الحَسبة”).
ففي الجلسة العادية للمجلس البلدي، بتاريخ 5 نوفمبر 2025، حصل جدلٌ واسع حول مشكلة بدلات ايجار محلات “الحسبة”، اي سوق الخضار والفواكه بالجملة، وخصوصا بعد صدور قانون الإيجارات المتعلق بالعقارات غير السكنية.
وبند ايجارات محلات “الحسبة” طرحه رئيس المجلس البلدي حجازي من خارج جدول اعمال الجلسة، بإلحاح عدد من تجار “الحسبة” الذين ايدهم عدد من القوى السياسية بغية اقرار اتفاق مع البلدية قبل البدء بتنفيذ قانون الايجارات الجديد للعقارات غير السكنية.
وقد حاول فريق من المجلس البلدي تمريرَ مسودة قرار يقضي برفع بدل الإيجار الى 500 دولار أميركي شهرياً بصورة رضائية ولفترة زمنية تمتد الى 20 عاماً، وهي فترة طويلة نسبياً تتخطى الإطار الزمني الذي حدده قانون الإيجارات. وهذا الفريق تسلَح بان اكثرية المجلس التي بلغت تسعة اعضاء ايدت مشروع القرار ومنهم من أُخذ رأيه عبر الهاتف.
لكن فريقاً آخر رفض تمرير القرار وتمسك بضرورة الالتزام ببنود القانون ورفض تمرير القرار كما تم اقتراحه، ما أوجد شرخاً واسعاً في المجلس المذكور، ما زالت فصوله تتوالى حتى اللحظة على الرغم من محاولات لتقريب وجهات النظر وتليين المواقف المتنافرة.
سوق “الحسبة”
بُنيت “الحسبة”، في ثمانينيات القرن الماضي، على العقار رقم 218 حي الدكرمان في صيدا الذي تبلغ مساحته 42032 مترا مربعاً. وتبلغ مساحة الأرض القابلة للانشاء والاستثمار فيه 12609 مترا مربعاً..
وبلغت مساحة المحلات المنفذة حالياً والتي يبلغ عددها 60 محلاً، 6000 متر مربع تقريباً، وبالتالي تبلغ المساحة الممكن استثمارها لاحقا 6609 متراً مربعاً.
وتعاني بلدية صيدا، شأنها شأن غيرها من البلديات، أزمةَ سيولة مالية كبيرة. وعند محاولة البعض نقاش أسباب الأزمة المالية على الرغم من الثروة العقارية التي تملكها البلدية، يكون الجواب جاهزاً: السبب هو تدهور العملة الوطنية وتراجع الجباية للرسوم البلدية.
لا يختلف اثنان بان الانهيار المالي لعب دوراً في أزمة السيولة، لكنه ليس العامل الوحيد، بل هو عامل من جملة عوامل اخرى اهمها غياب رؤية استراتيجية لتأمين موارد مالية منتظمة لصندوق البلدية.
بعد الانتخابات البلدية الاخيرة في شهر ايار 2025، شكل المجلس البلدي الجديد عدة لجان بلدية لمتابعة قطاعات عدة للبلدية ومنها سوق الخضار الحديث المعروف باسم “الحسبة”. وجرت إتصالات واجتماعات عديدة مع تجار “الحسبة” ولجنتهم التي تتابع الوضع الذي يمكن وصفه بغير الطبيعي، اذ لا یتجاوز إيجار المحل التجاري في “الحسبة” الذي تستوفيه للبلدية مبلغ 100 دولار أميركي سنوياً!
يقول رئيس لجنة “الحسبة” في المجلس البلدي هشام حشيشو: “اخذ المجلس البلدي في جلسته المنعقدة يوم 5 نوفمبر 2025 قراراً واضحاً برفع بدل إيجار المحل إلى 500 دولار أميركي مع زيادة تبلغ 10% كل 5 سنوات ولمدة 20 عاماً، وإننا في المجلس البلدي بانتظار مصادقة السلطات الرقابية المعنية على القرار المذكور للبدء بتنفيذه، مع معالجة كل المخالفات الموجودة”.
لكن عضواً آخر في المجلس البلدي يوضح وجهة نظره بالقول:” لا مشكلة لدينا بالتصويت لكن المشكلة هي لا قانونية الفترة الزمنية التي طلبها البعض وهي 20 عاماً ونحن بانتظار رأي السلطات الرقابية”.
فما هي قصة “الحسبة” وكيف تمت عملية تأجير المحلات فيها؟
بتاريخ 11 كانون الاول/ديسمبر 1985، وقّعت بلدية صيدا عقداً مع المرحوم بهاء الدين الحريري تضمن تقديم العقار رقم 218 الدكرمان هبةً منه لإنشاء سوق الخضار الحديث. وشُكلت لجنة مؤلفة من رئيس البلدية آنذاك احمد الكلش ومندوب عن المرحوم الحريري، المرحوم محي الدين القطب، ورئيس مصلحة الشؤون البلدية والقروية في وزارة الداخلية المرحوم سامي شعيب، كانت مهمتها وضعُ نظامٍخاص لتسويق المحلات في سوق الخضار الحديث استناداً الى قانون الإيجارات الساري مفاعيله.
تضمّن نظام الاتفاق بين البلدية وتجار الخضار والفواكه عدداً من المواد نأتي على ذكر بعضها:
المادة الرابعة: “لدى إنجاز مشروع سوق الخضار الحديث تحدد اللجنة تخميناً معيناً لخلو كل محل، وتحدد بدل ايجاره وذلك في ضوء الاسعار الرائجة، وأن تعيد النظر فيها بين فترة واخرى مع حق تعديل القيمة اذا كان ذلك مناسبا لمصلحة البلدية”.
اما المادة الخامسة فقد حصرت “حق تأجير واستئجار المحلات المنشأة في سوق الخضار بأصحاب حقوق الايجارة في سوق الخضار القديم”.
وقد جرى تعديل هذه المادة في الاجتماع الذي عقدته اللجنة بتاريخ السابع من كانون الثاني ١٩٨٧، اذ أضافت:” ويحق للمستثمرين في “الحسبة” القديمة استئجار محلات في سوق الخضار الحديث شرط توفر جميع الشروط لديهم بإستثناء شرط القيد في سجلات نفوس مدينة صيدا”.
اما المادة الاهم في العقد، فهي المادة العاشرة التي تنص على أنه :”يمنع على المستأجر في المحلات المنشأة في سوق الخضار ان يتصرف بالمحل المؤجر اليه اي كان نوع التصرف لمدة عشر سنوات من تاريخ بدء الايجار، ويمنع عليه التنازل عن الايجارة كلياً او جزئياً او إدخال اي شريك معه في الايجارة او اجراء اي ايجارة من الباطن، كما يمنع عليه اجراء اي عقد استثمار او ادارة حرة على المحل المؤجر. وعليه ان يوقع إقرار بقبول هذه الشروط، وعلى ان يتضمن عقد الإيجار بنوداً صريحة بهذا الصدد وفي حال اخلاله بهذه الشروط يحق للبلدية اعتبار عقد الإيجار مفسوخاً حُكماً على مسؤولية المستأجر من دون اي حق له في المطالبة باي عطل او ضرر او اي تعويض او اي حق من اي نوع كان”.
بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير 1987 عدلت اللجنة هذه المادة بحيث “يصبح منع التصرف بالمحلات المستأجرة لمدة خمس سنوات بديلا من عشر سنوات”.
وبتاريخ 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1987، اضافت اللجنة المسؤولة الى المادة العاشرة فقرة جديدة تنص على الآتي:” يمكن للمستأجر التنازل عن حق الايجارة لغيره كليا او جزئيا او إدخال شريك معه شرط ان تتوفر لدى هذا الشريك جميع الشروط المفروضة للمستأجر الأساسي وأن يُعلم الفريق الأول( البلدية) بذلك قبل مدة شهر واحد على الاقل، وبعد موافقة الفريق الأول يتم تنظيم عقد إيجار جديد ببدل إيجار جديد يحدد وفقا للأسعار ألرائجة في حينه ويحدد هذا البدل من قبل لجنة خاصة يعينها رئيس البلدية”.
واشارت اللجنة المسؤولة في جلستها المعقدة بتاريخ ٧ كانون الثاني ١٩٨٧ الى انه “نظرا لكون هذه الإيجارات تستخدم لأعمال استثمارية لذلك تخضع بدلات الإيجار الى الزيادة او النقصان وفقا لتدني سعر الليرة اللبنانية بالنسبة للعمليات الاجنبية”.
ويعلق رئيس جمعية “علِّ صوتك”، المهندس محمد المجذوب، والجمعية هي مجموعة مدنية ضاغطة، بالقول:” هذه الشروط القانونية والتي وقّع عليها المستأجرون تشكل أرضية تتيح للمجلس البلدي التصرف لزيادة واردات الصندوق البلدي بديلاً من تقديم حجة عدم وجود مال في الصندوق”!


