كما تعرضت مدينة “حوث” المتاخمة لمحيط صنعاء، للاستباحة والنهب والقتل وتدمير المنازل واعتقال العشرات من “السادة الهاشميين” أو “الحوثيين” الذين كانوا هدفاً لهجوم مسلح من قبيلة حاشد -3 آلاف مسلح حسب بعض المصادر- على مدينة يسكنها 95٪ من الهاشميين، فقد عاشت مدينة “لودر” بمحافظة “أبين” جنوب البلاد، حالة “فوضى عارمة” واستباحة ونهب وقتل ودمار ونزوح جماعي لمعظم السكان بفعل المواجهات التي جرت بين قوات الجيش والأمن وخليط عجيب مريب من الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها “القاعدة” التي احتمت والتحمت وتترَّسَتْ بالمتبطلين والعاطلين والغاضبين وقطاع الطرق واللصوص المسلحين وغيرهم من الجماعات التي انتعشت ونشطت وتخصب حضورها وتغوّل في تلك الأرجاء، على خلفية غياب دولة القانون لحساب حضور الطبيعة المؤذية والمتحرشة، بل العدوانية لسلطة الجباية الانكشارية: (العكفية إن شئتم).
وكأنه ميقات انفجار الهويات المحلية المكبوتة، وانفجار مكونات الحرب الأهلية الشاملة التي انضفرت عقدتها، وتمثلت علاماتها وعناوينها بالزعامات المناطقية والقبلية والعشائرية والأصولية الميليشاوية التي تأهلت لأن تقود بلداً ممزقاً إلى عدد من المقاطعات المتسابقة للاحتماء بمراكز النفوذ الإقليمي والخارجي.
وعند هذه النقطة يمكن القول بأن دول الجوار، وبالذات السعودية، صارت اليوم في منأى عن مخاطر وجود يمن قوي، وقد تحقق لها ما كانت تحلم به وأكثر، بفضل الوكلاء والمتطوعين المحليين الذين قدموا لها بلادهم على طبق من دماء، وجهزوها كساحة تسمح لها بأن تتلاعب بقواها المتحاربة كما تشاء.
ولن نجافي الحقيقة إن قلنا بأننا اليوم نشهد أسوأ مخرجات حرب 1994 التي قتلت الفرصة الأخيرة لاندماج الجنوب والشمال في إطار وحدة قابلة للعيش، وأسوأ (منجزات) سلطة 7/7/1994 التي راهنت على عودة “القبيلة” وربط الجنوب بقرونها، وتولت رعاية عودة المشائخ والسلاطين وربطتهم بهيئة شؤون القبائل بصنعاء، كما قامت بالمزاوجة بينهم وبين “القاعدة” ابتداءً من لحظة احتضانها للعائدين من المجاهدين في أفغانستان مثل طارق الفضلي الذي تزعم تنظيم “الجهاد” المسؤول عن اغتيالات قيادات الحزب الاشتراكي ومحاولة اغتيال الأمين العام للحزب الأستاذ علي صالح مقبل، وعن تفجير فنادق عدن وجولد مور في ديسمبر 1992.
وبعد ذلك كانت صنعاء هي التي سارعت لتنصيب الفضلي شيخاً لمشائخ أبين. وحدث مثل ذلك لابن شيخ العوالق العليا في محافظة “شبوة”، عوض محمد الوزير، وابن السلطان العبدلي، أما ابن شيخ العوالق السفلى محمد فريد العولقي فقد عاد للإقامة في منطقته في مايو 1995، وحصل على تأييد قبائله هناك، حيث لم يعد بمقدور سلطة صنعاء حالياً اختراق الحصن الذي يحمي “أنور العولقي” المطلوب رقم 1 من قبل واشنطن في اليمن.
وكما لم يعد بمقدور صنعاء اختراق الأسوار والحصون التي يحتمي بها أنور العولقي، ولا تلك التي يحتمي بها عبد الملك الحوثي، ولا تلك التي لجأ وتحصن بها العديد من أمراء وجنرالات وزعامات العصابات المسلحة في جبال عمران ومأرب ويافع وصعدة وردفان والعوالق، فإن قدراتها على بسط سلطتها الواهية حتى على مستوى صنعاء أضحت محل شك واستفهام.
لقد صارت صنعاء مدعوة إلى الجلوس على رؤوس الحراب التي صنعتها بيدها. وإذا كانت العصبيات والولاءات المحلية ومظاهر وأشكال الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد تنطوي على مفارقة صاعقة بالنسبة للمراقبين الذين لا يصدقون، حتى الآن، بمنطق هذه التداعيات والتشظيات الحاصلة في ظل “الوحدة اليمنية”، فقد صار من الأحرى بالمراقبين هؤلاء أن يعلموا أن الحرب الأهلية هي القاعدة الوحيدة المعترف بها في السياسة اليمنية، ومن قبل النظام الحاكم بوجه خاص ولا شك أن هذه القاعدة هي التي تقف حالياً وراء كل هذا التآكل والتحلل لأواصر العيش وعناصر الأمان والبقاء في اليمن.
mansoorhael@yahoo.com
* منصور هائل هو رئيس تحرير صحيفة “التجمّع”- صنعاء
حين تجلس صنعاء على رأس حربة lissy_572003@yahoo.com غريب أمر هذه الحرب اليمنية فها هى الجولة الخامسة من هذه الحرب ولم يتم حسمها.عصابات حوثية غير نظامية تصمد كل هذه السنين أمام جيش نظامى ولا يلمح فى الأفق أى حسم رغم إتساع دائرة الصراع بتدخل الجيش السعودى .فى إعتقادى أن صمود الحوثيين لا يرجع إلى تفوق هذه الجماعات عسكريا ولوجستيا وتكتيكيا بقدر ما هو راجع إلى تخلف الجيش اليمنى.فالقوات اليمنية على حد علمى عندما زارها جنودنا فى الستينات مقسمة إلى سرايا وكتائب والجنود فيها دائمون مثل الشرطة لا يخرجون إلى الإحتياط وعهدة كل جندى بندقية وخمسون طلقة رصاص وسترة وزمزمية وحصيرة متران… قراءة المزيد ..