حسن فحص – الشفاف
المفاوضات المقترحة امريكيا، ومع الاخذ بالانجازات المرحلية التي حققتها طهران في فرضها على واشنطن، الا انها في المقابل لن تكون سهلة على القيادة الايرانية التي ستواجه جدولا طويلا وواسعا من الموضوعات والملفات التي يتوجب على الطرفين التباحث حولها، من افغانستان الى العراق مرورا بلبنان وفلسطين، وصولا الى طبيعة العلاقة بين طهران ودمشق. وهي ملفات تٌعتبر طهران، باعتقادها وباعتقاد المجتمع الدولي، لاعبا اساسيا في تعقيدها او وضعها على سكة الحل.
في المقابل ستذهب طهران الى طاولة المفاوضات وهي تحمل تجارب سابقة عن مدى فعالية وايجابية تعاونها الاقليمي مع واشنطن، وكذلك مدى قدرتها على العرقلة في حال جرى تهميشها او استبعادها. اضافة الى الثمن الذي تطلبه من الادارة الامريكية مقابل اي تعاون، ولن تكرر تجاربها السابقة في افغانستان والعراق مع واشنطن وحصر اي تعاون في ملف محدد.
من هنا فان ايران، وبعد الاستماع الى المطالب الامريكية التي ستطرح على طاولة المفاوضات، ستضع بدورها تصوراتها لاي تعاون مستقبلي والاثمان التي تخطط للحصول عليها، والتي يمكن ايجاز بعضها بالنقاط التالية:
1 – ضمانات عملية من الادارة الامريكية بتخليها عن مخطط تغيير النظام الاسلامي في ايران. وحول هذه النقطة، يقول مقربون من ادارة اوباما ان واشنطن باتت على اعتقاد تام بضرورة استبعاد هذا الخيار عن استراتجياتها في العامل مع ايران.
2 – الاعتراف الامريكي بحق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية والقيام بانشطة تخصيب اليورانيوم على اراضيها بالتزامن مع مسار تعزيز الثقة الدولية بسلمية النوايا والاهداف الايرانية النووية.
3 – الغاء كل العقوبات الدولية الاقتصادية المفروضة على ايران، بما فيها تلك التي فرضها مجلس الامن الدولي، بالاضافة الى الغاء العقوبات التي فرضها الكونغرس الامريكي منفردا الى جانب الغاء “قانون داماتو”.
4 – اعادة الاموال الايرانية المجمدة في امريكا منذ انتصار الثورة الاسلامية عام 1979 والتي تبلغ نحو 11 مليار دولار. وقد تطالب ايران بدفع الفوائد البنكية على هذا المبلغ.
5 – وضع آلية عملية لاقامة نظام امني واقتصادي اقليمي، خصوصا في منطقة الخليج تكون ايران محوره الاساسي وبقيادتها، يحقق لايران الطموحات والاهداف التي عملت من اجلها حتى في زمن النظام الملكي السابق.
6 – تفعيل عملية السلام على المسار السوري الاسرائيلي على اساس الارض مقابل السلام، اي الانسحاب الاسرائيلي من مرتفعات الجولان. وهو المسار الذي كان قد بدأ بين الطرفين بشكل غير مباشر برعاية تركية لم تكن بعيدة عن اعين ورضا الايرانيين. مع الحرص ان لا تؤثر هذه المفاوضات سلبا على حلفاء ايران على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وتسمح للجانب السوري بتضييق الخناق على هذين الحليفين كاحدى اوارق دمشق على طاولة المفاوضات.
7 – اعطاء ضمانات لحليفها الاساس والاستراتيجي في لبنان، اي حزب الله، بضمان حقه في لعب دور فاعل وناشط في الحياة السياسية اللبنانية مقابل الدخول في حوار جدي حول الاستراتيجية الدفاعية بعد انجاز انسحاب اسرائيلي من منطقة مزارع شبعا، والذي لا تعارض طهران بأن توضع بتصرف الامم المتحدة الى حين الانتهاء من ترسيم الحدود الدولية بين لبنان وسوريا وانهاء الجدل الدائرة حول ملكية هذه المزارع بين البلدين.
8 – تقديم المساعدة في ترتيب الوضع العراقي في اطار تأمين انسحاب مشرف – على حد تعبير القيادة الايرانية – للقوات الامريكية من العراق على ان تعترف واشنطن بموقع ودور ايران كلاعب اساس في اي ترتيبات مستقبلية في العراق.
9 – اما في الموضوع الفلسطيني، وهو الملف الاعقد الذي تنعكس نتائجه على كل الملفات الاخرى سلبا وايجابا، فان الجانب الايراني سيكون على استعداد لتقديم تعاون لتسهيل عملية تنشيط عملية السلام، ولن يكون لديه مانع بان تكون على اساس المبادرة العربية والتشديد على مبدأ الدولتين (فلسطينية وعاصمتها القدس) مع رعاية كاملة لحقوق اللاجئين والتأكيد على عودتهم. والمساعدة في تسهيل عملية الحوار الفلسطيني الداخلي ودفع حلفاء إيران للتعاون الايجابي مع الحوار على اساس توسيع منظمة التحرير لتضم كلا من حماس والجهاد الاسلامي والفصائل الاخرى.
وسيؤكد الجانب الايراني ان مطلب الاعتراف بالدولة الاسرائيلية سيكون نتيجية لمسار مستقبلي بعد ان تثبت تل ابيب التزامها ونوايا الصادقة في بناء علمية سلام.
ومن المتوقع ان تثير المفاوضات الايرانية الامريكية الكثير من المخاوف الاسرائيلية وتدفع القيادة الاسرائيلية للعمل على عرقلتها وافشالها، لقطع الطريق على النتائج التي قد تنتج عنها وامكانية ان تكون على حساب دورها في المنطقة. من هنا يمكن فهم رد وزير الزراعة الاسرائيلي قبل ايام على تأكيد اوباما التزامه بمشروع الدولتين في فلسطين بان “إسرائيل لا تتلقى الاوامر من اي طرف”، والتصعيد الذي بدأه رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو ضد ايران وتضخيم المخاوف من طموحاتها المستقبلية وتحولها الى دولة نووية عسكرية، والحديث عن ضرورة قيام عمل عسكري ضد المنشآت النووية الايرانية اما بشكل منفرد او مشترك بينها وبين واشنطن.
وتعقتد الحكومة الاسرائيلية ان اي تقارب امريكي ايراني سيعني بالنتيجة انه سيكون على حساب دورها وموقعها في النظام الاقليمي والشرق الاوسط، وان عليها التعايش مع اللاعب او الشريك الايراني في هذه المنطقة، وهي ستحاول اللعب على زيادة المخاوف لدى الدول العربية من صعود هذا الدور لايران على حسابها، خصوصا الخليجية التي لم تخفِ ما تشعر به من آثار سلبية للطموحات الايرانية على موقعها ودورها في العالمين العربي والاسلامي.
ولا شك ان المفاوضات المرتقبة بين واشنطن وطهران ستترك اثرا سلبيا على علاقات الاولى مع تل ابيب خصوصا حول اسلوب التعاطي مع الاهداف النووية الايرانية. ففي الوقت الذي اطلق اوباما مبادرته الحوارية مع طهران، تحدث رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو عن الخيار العسكري لمنع ايران من الحصول ما اطلق عليه ترسانة نووية وان اسرائيل تستعد لاتخاذ هذا الخيار على الرغم من تعارضه مع ارادة البيت الابيض.
ومن المتوقع ان تستمر الادارة الامريكية في العملية الدبلوماسية من دون التقليل من حجم تهديداتها بتفعيل وتوسيع العقوبات ضد ايران من دون الدخول فيها وذلك بهدف تسكين المخاوف الاسرائيلية من جهة والقول بان واشنطن لا تغفل هذه المخاوف ومن جهة اخرى تمارس مزيدا من الضغط على طهران للحصول على تنازلات اكثر.