إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(الصورة: وزير داخلية أفغانستان “سراج الدين حقاني” مع رئيس دولة الإمارات في يناير 2025)
*
منذ أن استعادت حركة طالبان الأفغانية السلطة في كابول في أعقاب الإنسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس 2021، وشغلها الشاغل هو نيلُ الشرعية الدولية التي تفتقدها بسبب ماضيها الأسود وسجلها الطافح بجرائم الإرهاب والتطرف وانتهاكات حقوق الإنسان.
`
وهكذا نشط رموزُها الجُدد، الذين تعلموا شيئا من مهارات الدبلوماسية وأصول التفاوض خلال اجتماعات السلام مع المسؤولين الأمريكيين في الدوحة عام 2020، في كل اتجاه باحثين عن الإعتراف بحكومتهم من قبل القوى الاقليمية والعالمية، ومدفوعين في ذلك بالاحتياجات الإقتصادية الملحة والرغبة في الحصول على المساعدات والهبات الأجنبية، بما في ذلك رفع تجميد الأموال الأفغانية المودعة في الخارج، والبالغ مقدارها نحو 9 مليارات من الدولارات.
وفي سعيها لنيل الاعتراف الدولي بها وبحكومتها، لم تتردد طالبان في تقديم نفسها إلى العالم في صورة جديدة مغايرة لصورتها القاتمة في فترة حكمها الأولى ما بين عامي 1996 و2001، مع وعود باحترام حقوق الإنسان وحق المرأة في التعليم، ونبذ العنف والتطرف واحتضان الجماعات المتشددة، والإلتزام بمباديء القانون الدولي والشرعية الدولية، لكن ما تمناه الطالبانيون لم يأتِ سريعا بسبب فقدان الثقة فيهم من جهة، وعدم وجود مؤشرات ملموسة على تغيرهم من جهة أخرى.
تزعم طالبان أنها استوفت جميع شروط الاعتراف بها، لكن الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي يؤكدان غير ذلك. فحكومة تصريف الأعمال التي أقامتها تتكون من لونٍ واحد والنساء مستبعدات منها، بل تضم شخصيات مدرجة على القائمة الأمريكية السوداء ومطلوبة لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي مثل وزير الداخلية الملا سراج الدين حقاني. ثم أن الحركة لا زالت تصر على تسمية البلاد باسم “إمارة أفغانستان الإسلامية” على الرغم من البيان المشترك الصادر عن الولايات المتحدة وروسيا والصين وباكستان والمضاد لهذه التسمية. هذا ناهيك عن مواصلة الحكومة قمعها ضد الصحفيين ونشطاء الرأي والنساء والمطالبين بتعليم وتوظيف المرأة.
والجدير بالذكر هنا أن مسألة الاعتراف بحكومة طالبان طرحت لأول مرة في قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” التي عقدت في العاصمة الطاجيكية دوشنبه في 17 سبتمبر 2021، حيث اتفقت باكستان وإيران وأوزبكستان وطاجيكستان على 3 معايير للإعتراف وهي: تشكيل حكومة شاملة، ضمان حقوق الإنسان، الإلتزام بمنع استخدام الأراضي الأفغانية للإرهاب. ولعل ما أفسد الأمر برمته آنذاك هو بروز “حركة طالبان باكستان” وقيامها بأعمال عنيفة ضد أهداف داخل باكستان، مستفيدة معنويا من عودة طالبان أفغانستان إلى السلطة، وقيام الأخيرة باطلاق سراح قادتها المسجونين والكثير من مقاتليها.
لكن يبدو أن صبر الطالبانيين وانتظارهم الطويل قد أثمرَ أخيرا عن أمور إيجابية لجهة نيل الاعتراف الدولي بحكومتهم، وهو اعتراف نعتقد أن أسبابه إنسانية أكثر من كونها سياسية.
فباكستان مثلا رفعت الشهر الماضي مستوى تمثيلها في كابول من قائم بالأعمال إلى سفير، قائلة أن الخطوة تستهدف تعزيز التعاون في مجالات التجارة والأمن ومكافحة الإرهاب. اما الصين التي رتبت مؤخرا اجتماعا ثلاثيا في بكين مع طالبان ومسؤولين باكستانيين، فقد استقبلت سفيرا طالبانيا جديدا وأعلنت أنها ستوسع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل أفغانستان، وهو ما يعني ازدهارا تجاريا محتملا لحكومة طالبان التي بات لها ممثلون اليوم في جميع دول آسيا الوسطى باستثناء طاجيكستان.
ومن ناحية أخرى، أرسلت أندونيسيا قائما بالأعمال لتمثيلها في كابول، ووافقت إيران على فتح قنصلية لحكومة طالبان في “مشهد”، وتقول موسكو أنها تخطط لإرسال سفير يمثلها لدى حكومة طالبان، بعد أن يتم رفع إسم طالبان من قائمة الحركات الإرهابية، واستقبلت طوكيو وفدا طالبانيا رفيع المستوى لأول مرة، وتستعد الهند لإستقبال سفير لطالبان في نيودلهي كثمرة من ثمار اجتماع تم عقده في دبي في يناير 2025 بين وزيري خارجية البلدين.
وعلى الرغم من كل هذه التطورات، إلا أن هناك الكثير من العقبات أمام طالبان في سبيل تحقيقها للشرعية الكاملة. فمثلا ، هي محرومة إلى اليوم من إشغال مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، رغم قيامها بأربع محاولات منذ عام 2021. كما أنها تواجه رفضا قاطعا من قبل العديد من الدول بسبب ما تسميه الأمم المتحدة “الفصل العنصري على أساس الجندر” أو بسبب روابطها وصلاتها بجماعات مصنفة دوليا على أنها إرهابية.
وأخيرا فإن ما قد يصب في صالح طالبان هو بروز توجه مفاده أن طالبان باقية على الأرجح وأنه من الأفضل التعامل معها والاستفادة منها في بعض الملفات (كملف “تنظيم خراسان الإرهابي”) بدلا من زيادة عزلة أفغانستان.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي