(الصورة: وزير داخلية إيران علي كردان)
*
ظاهرة التزوير ليست بالظاهرة الجديدة على البشر. فهناك من زوّر الأنبياء والأولياء والحكام، بل والتاريخ أيضاً. وفي عصرنا الحاضر هناك من يقوم بتزوير وثائق السفر للهروب من جحيم الحكام الجبابرة، كما حصل بالنسبة للآلاف من العراقيين الذين سعوا إلى الإفلات من الضيم والجور. وهناك من يتفنن في تزوير العملات المختلفة بهدف الكسب السريع وغير القانوني. ولكن آخر تقليعات التزوير التي راجت أخيراً هي تزوير الشهادات الدراسية، وخاصة شهادة الدكتوراه، بهدف الوجاهة أو الاستيلاء على منصب رسمي بغير حق، أو الحصول على راتب مضاعف بهذه الشهادة المزورة.
فقد أقدم وزير، وليس أي وزير، فهو وزير الداخلية الإيراني المسؤول عن حفظ النظام وهيبة الدولة وحفظ أمنها وتأمين تسليط سوط البطش ضد من يعارضها والتحقق من شرعية الممارسات التي يقوم بها الأفراد، على عملية تزوير شهادته ويحصل على شهادة دكتوراه مزورة وفي الحقوق من أشهر الجامعات، وهي جامعة اكسفورد، فيسابقة لم يقم بها أي وزير في العالم. والجديد والغريب أيضاً أن هذا المزوّر قطب في دولة دينية يسبّح زعمائها ليلاً ونهاراً بعبادة الخالق ويدعون إلى التمثل بأخلاق الصادق النبي وأمانته، ويصبغون جباههم وسيماءهم باللون الأسود كدليل على إيمانهم الذي لا يتزعزع وصدقهم الذي لا يجاريه أي صدق.
فمنذ أشهر تفجرت فضيحة وزير الداخلية الإيراني علي كردان، حيث وجهت له الاتهام بحمله شهادة دكتوراه مزورة في الحقوق من جامعة أكسفورد. ولكن الوزير المزوِّر ردّ على الاتهام ووصفه بأنه مؤامرة موجهة ضد رئيسه أحمدي نژاد وضد الجمهورية الإسلامية الإرانية وضد الإسلام من قبل “الاستكبار العالمي”!!!. وأكد هذا الوزير وبإصرار على أنه يحمل مثل هذه الشهادة الرفيعة. ولكن تداعى هذا الإصرار بعد أن انكشفت كل أوراق التزوير وبانت الفضيحة، وتعرى زيف هذه الشهادة بعد مفاتحة الجامعة البريطانية المعروفة، التي نفت إدارتها بوجود مثل هذا “الدكتور” في سجلاتها، وأعلنت انها لم تجد أي أثر لشهادة المدعو علي كردان في سجلاتها.
وعلى إثر ذلك تقدم عدد من نواب مجلس الشورى الايراني بطلب لحجب الثقة عن الوزير المزوِّر. ولكن هذا الطلب لم يدعم من قبل المرشد الأعلى ولا من قبل رئيس الجمهورية الإيرانية، الذي رد على هذا الاتهام قائلاً: “ان عزله غير ممكن لأنه لم يقم بالتزوير خلال توليه مسؤولياته”!!!، وذلك حسبما أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية. وقال احمدي نژاد: “نريد أن يكون البرلمان حليفنا، ولكننا نعارض ان يعزل الوزير”، متهماً خصومه السياسيين بأنهم يقفون وراء الحملة ضد وزير الداخلية، وإن استجوابه من قبل المجلس غير قانوني.
ولكن بعد تزايد الضغوط وبعد أشهر من المناوشات بين أطراف النظام، اضطر مجلس الشورى الإيراني إلى عقد جلسة لاستجواب الوزير، والتحقق من تزويره، خاصة وأنه لم يلجأ إلى الاستقالة والتخلص من عبىء الفضيحة أمام مجلس الشورى. كما لم يطلب رئيس الجمهورية ولا المرشد علي خامنئي من الوزير المزوّر الاستقالة. إن المثير هنا هو ما حصل في جلسة الاستجواب، حيث صوّت فقط 188 على تنحية الوزير من منصبه من أصل 247 نائب بين معارض وممتنع عن التصويت. وهو ما يمثل فضيحة لهذا المجلس الذي صوّت 59 من نوابه عملياً لصالح التزوير، في الوقت الذي قام فيه مسؤول حكومي وهو محمد عباسي عشية الاستجواب على تقديم رشاوي ومغريات بلغت الملايين من “التومانات” الإيرانية إلى نواب المجلس كي يصوّتوا لصالح هذا الوزير دون جدوى.
ومن الطريف هنا الإشارة إلى ما أورده هذا الوزير في الدفاع عن فعلته أثناء الاستجواب في مجلس الشورى الإسلامي. فقد أعترف في النهاية وعلى مضض بأن شهادته مزوّرة، ولكنه أردف قائلاً ” إن الشهادة أعطيت له لمهارته الإدارية والتنفيذية ولتقديمه اطروحة الى جامعة اوكسفورد من خلال طرف ثالث كان قد اقام مكتباً مزوراً تابعاً للجامعة في طهران “!!. ويستطرد الوزير المزوِّر قائلاً:”أنه كان من اللازم أن تطرح القضية على القضاء وليس على المجلس، و”إن مدة 30 سنة من خدمتي في وزارة الداخلية هي كافية لكي أحصل على أعلى الشهادات، وليس هناك حاجة لإبراز أية شهادة،…. وإن من يجب أن يحاكم هو الاستكبار العالمي”. وقد تبين بعد اعتقال مدير المكتب المزعوم لجامعة أكسفورد في طهران أن صاحبه قد زوّر 1200 شهادة دكتوراه للجامعة لقاء مبالغ نقدية كبيرة بلغت ملايين التومانات الإيرانية.
لقد وجد هذا “الفن” في التزوير مكاناً له في العراق في عهد حزب البعث المزوّر قبل التاسع من نيسان عام 2003، حيث كان القضاء البعثي يطلق سراح المجرم ويسجن الضحية، و يجري الحصول على الشهادة المزوّرة ببساطة عبر ارتداء “الزيتوني” ووضع المسدس على طاولة الامتحانات، وعندها يحصل المزوّر على أعلى الشهادات تحت طائلة التهديد.
ولكن جاءتنا تقليعة تزوير الشهادات بحلة جديدة على يد حكام إيران بعد أن سقط النظام، حيث زحف بعض مريدي هذا النظام الإيراني إلى المناصب الحكومية بشهادات مزورة مدنية كانت أم دينية، بحيث أن أحد المتنفذين الجدد، وتحديداً وزير التربية والتعليم، استكثر على العراقيين أن يُبدوا موافقتهم على اتفاقية مثل الاتفاقية العراقية الأمريكية بدون موافقة “المرشد الأعلى علي خامنئي”. ولم يقتصر الأمر على هذه الموافقة، بل طالت تزوير شهادات تسهّل لأنصار حكام إيران في العراق تبوأ مناصب في بناء الدولة الجديدة. ففي تاريخ 4/11/2008، أعلنت مصادر في وزارة التعليم العالي العراقية إن آلاف الشهادات العلمية المزورة تسربت إلى العراق من إيران وبتخطيط من جهات استخباراتية إيرانية. وأشارت المصادر العلمية العراقية إلى أن ما يقرب من 45 ألف شهادة ووثيقة تحمل أختام وتصديقات جهات علمية وأكاديمية إيرانية أدخلت العراق وتم إعطاؤها لعناصر موالية لإيران لمساعدتهم على إشغال مواقع وظيفية مهمة في العراق ليتمكنوا من خدمة المخطط الايراني الرامي إلى إقصاء جميع العراقيين الذين يرفضون النفوذ الايراني في العراق وفي محاولة لتخريب العملية التعليمية في العراق.
وبينت هذه المصادر إن هذه الوثائق تحمل أختام كليات ومعاهد، ولكن الجهات العراقية حين فحصت هذه الوثائق ودققت فيها تبين لها ان بعض حملتها لا يحملون شهادة الدراسة الابتدائية. وقد تم تزويدهم بهذه الوثائق لأغراض التسلق الوظيفي. وكان مسؤولون كبار قد اتُّهموا بتزوير شهاداتهم ومن بينهم نائب محافظ بابل المحسوب على احد الأحزاب الموالية لإيران الذي ادّعى انه يحمل شهادة من معهد إيراني موازية لشهادة الدراسة الاعدادية، ثم تبين أن المعهد غير معترف به علمياً. وتضاف إلى ذلك قضية سمير الشويلي الناطق السابق باسم هيئة النزاهة الذي تبين انه يحمل شهادة جامعية مزوّرة وهو في الأصل خريج الدراسة الابتدائية.
والطريف إن مجلس النواب قد طالب المسؤولين العراقيين من درجة مدير عام وصولاً إلى رئيس الجمهورية بتزويد المجلس بشهاداتهم الدراسية المصدق عليها من الجهات العلمية التي أصدرتها، لكن لم يقدم أي من المسؤولين شهادته للمجلس.
وتحدث الدكتور عبد المحسن الموسوي المدير العام لتربية الرصافة الأولى عن موضوع تزوير الشهادات الدراسية قائلاً:” بعد ورود عدد من الأوراق الرسمية والخاصة بطلب إصدار الشهادة، واكتمال الإجراءات الرسمية بطلب صحة الصدور وتأييد ذلك من قبل موظفين يعملون في الدوائر أو في المدارس المعنية بالامر، راودتنا شكوك حيال ذلك لكثرة الشهادات الصادرة سابقاً ولاحقاً. ففي خلال مدة عملنا في المديرية ولفترة ستة أشهر فقط اكتشفنا 500 حالة تزوير. اذن فكم هو عدد الشهادات المزوّرة الصادرة والموثقة بكتب رسمية تتضمن درجات امتحانية، ومدى صحة الصدور المؤيدة من بعض المدارس في الفترة السابقة؟. إن التحقق من ذلك واكتشاف التزوير ليس بالامر السهل، فكان لابد من توفر دليل ملموس يؤيد صحة ادعائنا. ولهذا طلبنا من أصحاب بعض المعاملات الاتيان بصحة صدور مؤيدة من المدرسة الفلانية تؤكد تخرجه منها. وكان لدى إدارة المدرسة شكوك في بعض الموظفين، ولكننا لا نملك دليلاً مادياً ملموساً يؤكد تورط بعض موظفيها بذلك. وأجرينا اتصالاً مباشراً بادارة المدرسة التي انكرت ان يكون قد وصل إليها أي كتاب. وهذا ما ساعدنا على اتباع الخطوات الأولى لامساك تلك الشبكة المتشعبة والمنتشرة في دوائر مهمة وقريبة مع الأسف من العملية التربوية. ولكن بمجرد اكتشاف الخطوط الاولى لتلك المافيات، تعرض مبنى المديرية إلى تهديدات وإطلاقات نارية كثيفة من أشخاص مجهولين كانوا يحاولون إجبارنا على التنازل عن الدعوى القضائية التي رفعت الى القضاء العراقي لمحاسبة الموظفين المتعاونين والمرتشين معهم. ولكن لابد من ان يأخذ القانون مساره الصحيح، وأنا أحمّل المدير السابق جميع التجاوزات القانونية التي حدثت في المديرية، وأي مواطن لديه معلومات عن أشخاص أصدروا شهادات أو وثائق مزورة أن يخبر الجهات الحكومية لكي تأخذ الاجراءات اللازمة لذلك”.
إن أخطبوط ومافيات التزوير التي قامت بتزوير 45 ألف شهادة لقادرة على إشاعة الفساد في كل مرافق الدولة، ووقف أي نشاط مثمر ونزيه لها، وأية خطوة لإشاعة الاستقرار وسيادة القانون ودحر الإرهاب والعبثيين في بلادنا. وما على الحكومة إلاّ أن تطهر نفسها من “الحيتان” وبؤرة الفساد هذه، والتي تحدث عنها مراراً رئيس الوزراء، وأن تنفذ الحكومة وعدها بتطهير أجهزة الدولة من المفسدين لكي تضمن تطهير البلاد من كل أشكال العابثين والفاسدين وتشيع القانون والاستقرار في البلاد.
كاتب عراقي
adelmhaba@yahoo.co.uk
حكاية وزير مزوِّر
شكرا للاستاذ عادل حبة فقد عودتنا على كتابة مثل هذه المقالات ، اما فيما يخص التزوير فالحوزة العلمية في قم هي التي تقف وراءه فقد منحت خامنه اي لقب اية الله و نصبته اميرا للمسلمين ، كما افراد الحرس حصلوا ” بالعفرته ” على شهادات دكتورا على طريقة وضع المددس على الطاولة والبدلة الكاكي العسكرية وهم اليوم يعملون كمدرسين في الجانعات شكرالك ومزيد من العطاء