تخيَّل معي.. تقوم صباحا مكتئبا، ضجرا، حزينا.. تحتار في ما تفعل، فتقرر الذهاب الى مقهى. تدخل، تُفاجأ بموسيقى حزينة، تلتفت حولك، لتجد كل من حولك حزينا ومكتئبا، ما ان تلمسه حتى تنفجر دموعه. تجلس الى طاولة منزوية، تنتقل اليك العدوى، فتذهب الى حفلة نواح وبكاء. تشعر بارتياح، همّ ثقيل انزاح عن قلبك، تمسح دموعك، تقوم لتدفع فاتورتك وترحل.
هذا بالضبط ما قرر أحدهم ان يفعل في الصين، فقد افتتح مقهى للحزن يوفر لرواده كل الأجواء المناسبة للتعبير عن أحزانهم بالبكاء والنواح. لكن، كيف يعمل هذا المقهى؟ يقول الخبر الذي نقلته جريدة تشاينا ديلي في طبعتها الصادرة في هونغ كونغ إن المقهى مخصص للزبائن المكتئبين الذين لا يجدون مكانا يعبرون فيه عن حزنهم، لذلك يمثل هذا المقهى الصدر الحنون والحضن الدافئ لرواده كي يخرجوا مكنوناتهم ويفرجوا عن همومهم ويستغرقوا في بكاء مرير، يغسلون فيه وجع قلوبهم وينشفون من مرارتهم. وتقول الجريدة ان القائمين على المقهى قاموا بتجهيز كل ما يستطيعون كي يوفروا لرواده الجو المثالي للكآبة.. فالموسيقى الحزينة تؤلم أرجاءه، وتقدم فيه أفضل المشروبات الساخنة والباردة، وتتوافر فيه – أيضا – كميات كبيرة من المناديل الورقية (اسعافا للحالة). أما أصحاب الاحباطات العاطفية، فيوفر لهم المقهى دمى على شكل نساء ليدفعوها جانبا أو يضربوها للتنفيس عن غضبهم. وفوق هذا كله يقدم فيه زيت النعناع لتخفيف آلام المهمومين. وأهم ما في الموضوع أن المقهى يوفر كميات من البصل والفلفل الاحمر لمساعدة من تعسر عليه البكاء وتسهيل هطول كمية أكبر من الدموع. فماذا يريد المكتئبون أكثر من هذه الخدمات المأساوية؟!
ان من المؤلم ان تكون حزينا ولا تعرف سبب حزنك، والأشد ايلاما ألا تستطيع التعبير عن ذاك الحزن، لذا سأبادر الى سرقة الفكرة وافتح مقهى مماثلا أسميه «حزن – باكس»، تيمنا بسلسلة المقاهي المشهورة، وسأنشر فروعه في شتى «بلاد العرب أوطاني».
تعالوا عبّروا عن أحزانكم.. نوّحوا وابكوا فلدينا الكثير من الأسباب، كي تصبح دموعنا أنهارا جارية. ابكوا على حرياتنا المسلوبة، على حقوقنا المنتهكة، على أصواتنا المكتومة، على أفكارنا المقموعة، على كراماتنا المهدورة، على دمائنا المسفوكة على ارصفة الاوطان. فالمقهى علينا.. والدموع عليكم..!
d.moufti@gmail.com
كاتبة كويتية