كلما ناشد مسؤول في حزب الله الاجهزة الامنية القيام بدورها في مناطق نفوذه، تكشف هذه الدعوات انها دعوة للاستعانة بالدولة على ما ضاقت طاقة اجهزة الحزب على ضبطه، وهي لا تلامس ابدا التسليم من قبل حزب الله بان الدولة اللبنانية واجهزتها هي المرجعية في الشأن الامني والقضائي… ولم يغير من هذا السلوك، فضلا عن تغييرالقناعة لديه، تمدد نفوذ “الحزب” في السلطة التنفيذية وتحكمه شبه الكامل بمعظم الاجهزة الامنية والاستخبارية الرسمية. فحتى اليوم لا يمكن للقوى الامنية اللبنانية على اختلافها ان تقوم بتنفيذ مهمة اعتقال احد المشبوهين، او ملاحقة احدى عصابات السرقة واعتقال اعضائها في الضاحية الجنوبية وغيرها في الجنوب والبقاع، من دون ابلاغ اجهزة حزب الله واخذ الموافقة مسبقا.
في المقابل يعمد حزب الله الى تنفيذ اعتقالات لبعض المواطنين من دون ان تتضح اسبابها، او من دون ان تتضح صلاحيته! وغالبا ما يجري لجم المتضررين من هذا السلوك بالايحاء، دون التصريح، انها تأتي ضمن اجراءات رصد العملاء لاسرائيل، او في اطار القبض على بعض مروجي المخدرات، والى غير ذلك على خلفية التورط في عمليات فساد مالي او اجتماعي… هذه العناوين التي غالبا ما تجعل عائلة المتهم المحتجز لدى حزب الله في حال من استسلام وتكتم وخوف.
لماذا اعتقل “الحزب” رؤساء بلديات ومخاتير موالين له في قضاء مرجعيون؟
ثمة العديد من الحالات التي يمكن الاشارة اليها على هذا الصعيد، والامر لا يقتصر على حالات محدودة. فهذا ما حصل مع عدد من مخاتير ورؤساء بلديات موالين لحزب الله في قضاء مرجعيون اخيرا على سبيل المثال لا الحصر، تعرضوا للاعتقال والتحقيق، من دون ان تتضح الاسباب ومن دون ان يكون للاجهزة الرسمية او السلطة القضائية اي دور! لا بل ثمة ترسيخ لازدواجية على صعيد المساءلة والمحاسبة. فاذا كان المتورط من داخل الحزب فلا يُسَلَّم المتورط للدولة واجهزتها الا ما ندر، اما اذا كان من خارجه فلا يمانع في تسليمه للاجهزة الرسمية.
“حمية” ضد “الموسوي”: مهرّب يُعتقل ومهرّب “يُهرَّب”!
هذه الازدواجية ربما هي التي ساهمت في احداث نزاعات عائلية واثارت حساسيات متفاقمة ضده وفي داخله، كما هو جار اليوم بين عائلتي “حمية” و”الموسوي” وآخرها في ساحة حي السلم (الجمعة). وهي في سياق تداعيات تسليم حزب الله احد المتهمين بتجارة المخدرات من آل حمية الى “الدولة”، ثم تهريب شريكه من آل الموسوي الى خارج لبنان، ومنع اعتقاله على حد زعم اقارب الاول لكونه من المنتمين الى حزب الله. على رغم حجم الارتكاب!
وعلى رغم الخطب والمواقف التي صدرت عن حزب الله وقيادته، حيال جريمة ترويج المخدرات وتعاطيها واعتبارها خطرا يفوق الخطر المباشر للعدو، فان ما اظهرته الوقائع ان هذه التجارة وترويجها الى غيرها من اوجه الفساد على اشكاله… تتحرك في المساحة الامنية الملتبسة بين حزب الله والدولة اللبنانية. وهي تستفيد من ثنائية السلطة الامنية وما تتيحه للبعض من داخل حزب الله او على ضفافه من استغلال لها في كثير من جرائم ترويج المخدرات والسرقة والمخالفات.
وكلما ترسخت “المعادلة الذهبية”، الجيش والشعب والمقاومة، ومع انضمام الحكومة اليها، ترسخت معها الخصوصيات الامنية والعسكرية. وليس ثنائية المرجعية في المواجهة مع اسرائيل، بل ثنائية السلطة الامنية التي جعلت من “الحزب” وتحت شعار المقاومة الفضفاض، سلطة امنية عسكرية بامتياز لها الحق وحدها دون غيرها في نشر كاميرات المراقبة في معظم احياء الضاحية ومداخلها ان لم يكن كلها، وفي نشر المراكز الامنية والمراقبة، فيما ذلك ممنوع على سواها والاجهزة الرسمية ضمنا. وازاء هذه السلطة المعززة بمنطق الخوف والتخويف، يقابلها ظاهرة بروز تكتلات تحت ذريعة الحماية تأخذ طابعا عائليا وعشائريا او محلية، ومظاهر تفلت اجتماعي لا تزال تشكل سلطة حزب الله وسطوته اليوم لدى المواطنين حاجة لعدم انفلاتها نحو الفوضى، لكنها مظاهر تتعاظم الى حدّ يجعلها عند اي ارتخاء امني معرضة لأن تنهش بعضها…
حزب الله في هذا المعنى عاثر الصورة امام المشهد العربي والسوري تحديدا. فهو ليس في منأى عن الفساد، من الكبتاغون الى عملاء الـ(سي آي ايه) داخله، كحال انظمة الرعب الممانع. فصورته تتخلخل بين (عز الدين المال) و(موسوي المخدرات) وعدم اقتناع عدد كبير من الشيعة بمواقفه من مشاهد القتل السورية اليومية. وتراجع حضوره الاجتماعي والعشائري… كل ما سلف وضعه في موقع هجين امام جمهوره… هل هو حزب خارج على الدولة… افضل منها ام اسوأ؟
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد
ضغوط حزب الله أثمرت والجيش داهم منزل نوح زعيتر في “الكنيسة” بالبقاع