سأطرح عليكما مثالاً، وأعرف اني سأصدمكما به. إعذراني. لكن لابد مما ليس منه بد.
هل تعرفان شخصاً، رجلاً او إمرأة، من المثليين؟
كلمة “مثلي” هي التي استخدمها لأصف شخصاً نسميه في مجتمعاتنا “شاذا”، “لواطياً”، او “سحاقية”.
“مثلي” او “مثلية” هي الكلمة التي افضلها، لأنها لا تطلق أحكاماً أخلاقية على هذا الشخص. كلمة محايدة. لا تقف مع، او ضد، هذا الشخص. هي فقط تصف توجهه او توجهها الجنسي.
ولأنها تفعل ذلك، فهي ببساطة لا تعبر إلا عن إحترام لهذا الشخص، بغض النظر عن توجهه او توجهها الجنسي.
هل إنزعجتما؟
تسألان، كيف أحترم شخصاً نسميه “لواطيا”، او نسميها “سحاقية”؟
والله اني احترمهما.
في تعاملي مع غيري، لا أرى غير الإنسان في هذا الغير.
وسلوك هذا الشخص، مادام يخصه هو أو هي، شأنه.
شأنه الخاص.
لن أطلق احكاماً، ولن اصف ما يفعلاه إنحرافاً. إتجاهما الجنسي ليس إتجاهي، لكن هذا ايضاً شأني الخاص.
لدي أصدقاء وصديقات من المثليين، ولم اعرف منهم إلا كل خير.
بعض منهم متدينون. بعض منهن متدينات. أي والله، يؤمنون بالله ويؤدون صلواتهم، رجالاً ونساءاً.
بعض منهم فروا من الدين، أيا كان هذا الدين، لأنه لا يقبل بهم كما هم. بعض منهن فررن من الدين، أيا كان هذا الدين لأنه لا يقبل بهن كما هن.
فكل الأديان التوحيدية، والإسلام واحد منها، لا يقبل بالمثلية الجنسية.
بطبيعة الحال لن أشير إلى موضوع الغلمان لدينا، المذكور في القرآن، فتلك قضية اخرى، لا يمكن وصفها بالمثلية، بل تدخل في إطار الإستغلال الجنسي للأطفال. وهي جريمة، تهتك براءة طفل. وتستحق العقاب. لكن هذا موضوع اخر كما قلت، موعده لم يأت بعد.
وكثير من المجتمعات تعاقب من يمارس المثلية الجنسية. مجتمعاتنا واحدة منها.
وغيرها إستغرق وقتاً حتى كف عن تطبيق هذا العقاب.
وأعرف اننا لسنا وحدنا في موقفنا الرافض للمثلية الجنسية. اعرف اشخاصاً هنا في سويسرا والولايات المتحدة “لايطيقون”اشخاصاً من المثليين. ويطلقون كلمات ساخرة في حقهم /حقهن.
لكن مواقفهم الرافضة، تظل في حدود “الموقف” الرافض، لا “الفعل”.
أن نحترم حرية الإنسان، لا يعني أن نقبل بكل ما يفعله هذا الإنسان.
ما يعنيه فقط أن حرية الإنسان شأن خاص.
طالما ان ما يفعله يتعلق به، وأنه يمارس المثلية الجنسية مع شخص بالغ، فهذا شأنهما.
شأنهما.
ليس من حق القانون أن يعاقبهما على فعل إتخذاه بمل إرادتهما.
لاحظا اني قلت القانون، لأن القانون هو المحك في هذا الموضوع.
المجتمع يحتاج إلى وقت إلى “التعايش” مع انماط مختلفة من “السلوك الجنسي”.
والدين يتطور مع الوقت حتى يصبح من الممكن أن يقبل بالمثليين في رحاب الله.
لكن الجميل في الموضوع أن هناك كنائس بروتستنتية تقبل بالمتدينين من المثليين والمثليات في صفوفها.
تماماً كما أن هناك كنيسة الكريست الكاثوليكية، التي إنشقت عن الكنيسة الكاثوليكية، وأيضا تضم بين صفوفها المؤمنين من المثليين والمثليات.
الإسلام الإنساني يقبل أيضا بهذه الفئة من الإنسان.
يقبل بها دون “لكن”.
يحترم حرية الإنسان، دون ان يلحقها بكلمة “لكن”.
الدين دوره أن ينظم علاقة الإنسان بالرحمن. لا اكثر ولا أقل.
أن نصر أن الله يكره هذا “النوع” من البشر، أمر لا يقنعني. لأن المسألة ببساطة، أن المثلية الجنسية ليست “إختيار”. لم يفق إنسان يوماً وقال، “سأصبح مثلي”. بل تجد منهم الكثيرين والكثيريات، يعانون ويعانين كثيراً قبل أن يقبلوا ويقبلن بإتجاهم/هن الجنسي.
هي جينات في تكوين هذا الإنسان. صحيح ان هناك عوامل إجتماعية تدخل في الموضوع، لكن الأساس هو جينات يخلق بها الإنسان. ومادام الأمر كذلك، فكيف يكره الرحمن ما صنعه؟
ما نجده في الكتب المقدسة، ومنها القرآن الكريم، أمر اخر. لأنها ببساطة تعكس في كثير من جوانبها “القناعات المجتمعية” خلال “فترة زمنية تاريخية محددة”.
—
تعمدت عزيزتي القارئة، عزيزي القاريء ان استخدم هذا المثل كي أفسر ما قلته في المقال السابق عن مفهوم الحرية، الذي يقوم عليه الإسلام الإنساني.
تعمدت أن استخدم هذا المثل لأني أدري أنه يناقض صميم واحد من اشد القناعات رساخة في منظومة القيم والتقاليد السائدة لدينا. وهدفي ليس أن اصدم. بل أن اوضح، أني عندما اتحدث عن الحرية، اعني بها حرية مطلقة.
إسلام إنساني، يحترم الإنسان، يحترم حريته، ويحترم إرادته. وإرادته هي مسؤوليته. ومادامت هذه المسؤولية وتبعاتها تتعلق به او بها شخصيا، فإن لا حق للقانون أن يتدخل في هذه الحرية.
تذكرا ردة فعل بعض المتحدثين بإسم التيار المحافظ في حركة الأخوان المسلمين المصرية على خطاب اردوغان، الذي دعا فيه إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة.
بعض منهم قال إن تركيا لا تعاقب “جريمة الزنا”، في حين ان هذه الجريمة تعاقب عليها الشريعة بالرجم. ولذا فإن تركيا لا تمثل نموذجاً لهذا التيار في حركة الأخوان المسلمين.
أنا انتمي إلى تيار يمكن وصفه بالمحافظ في مسائل العلاقات الجنسية. صحيح أني لا اجد غضاضة في مسألة الحب وممارسة الحب قبل الزواج، ليس هناك ما يخجل في الحب.
لكني أؤمن أني عندما قررت أن اتزوج، فأن زواجي يعني إلتزامي أمام هذا الرجل الذي اخترته. وأن هذا الإلتزام يجب أن يكون متبادلاً.
هذا موقفي.
إذا خانني زوجي سأتألم كثيراً. خاصة وأن العهد يقوم على الثقة والآمان. لكن ان أطالب بقانون يعاقب هذا الرجل بالرجم إذا فعل ذلك أمر لا اقبله. “هل يشفي غلي ان ارى رأسه يتهشم بحجارة يرميها بشر؟” أي عقاب وحشي هذا؟
هي مسألة بيني وبينه. ما سأفعله هو أني سأترك هذا الشخص. لأنه خان العهد.
لماذا نصر على أن نقحم الدين بأنواع وحشية من العقاب في أمور تظل إنسانية في الصميم؟
ثم لماذا نخاف من هذا الإنسان إلى هذا الحد؟
نقيده بسلاسل. نكمم فمه وعقله، ثم نقول له تحرك في إطار هذه الدائرة، لا تخرج منها. عليك اللعنه إن انت فعلت.
أية حرية يتحدثون عنها إذن؟ تبدو لي مفصلة على نفس “الثوب السعودي والإيراني”، النموذجيين الدينيين في منطقتنا.
حرية من نوع “نعم، ولكن”.
“الحرية” السعودية، تعني أن تنقض على أي شخص يشتري وردة حمراء في عيد الحب!
تعاقب هذا الشخص. وتخاف من الوردة؟
مسكينة أيتها الوردة!
و”الحرية” السعودية والإيرانية تعني أن تهجم شرطة “الأخلاق” على أي شاب وشابة يمسكان بإيديهما وهما يتمشيان.
ولن يهم كثيراً إذا كانا متزوجين او حبيين.
الحب. أجمل علاقة إنسانية، مكروهة في الفكر الكهنوتي، والدول التي تطبق هذا الفكر.
وحرية “حزب الله” ادت إلى إرهاب اصحاب المتاجر ممن يبيعون المشروبات الكحولية في المناطق “المحكومة” بسلطة “دولة” حزب الله.
تماما كما أن “حرية” السودان أدت إلى جلد فتاة لا لشيء إلا لأنها لبست بنطلوناً.
بأي منطق تتحدث هذه الدول والفكر الديني الذي يطبقوه؟
منطق القرون الوسطى.
لا أكثر ولا أقل.
أن نحترم حرية الإنسان الشخصية، يعني أن نحترم كرامته. وكرامته في إختياره.
لا يحق للدولة أن تتحول بإسم الدين إلى وصي على هذا الشخص، تقول له ما يجب أن يأكله، يشربه،كيف يلبس ملابسه، مع من يأكل ويتقابل، من يحب ومن يكره، بل كيف يمارس الجنس مع زوجته، ويدخل الحمام، ويتخلص من فضلاته!
أي دين هذا الذي يتدخل في أخص شؤوننا؟
ونقول أن الله هو الذي يريد؟
الله هو الذي يقول لي كيف أدخل إلى الحمام؟
وأن ابسمل قبل أن امارس الجنس مع زوجي؟
الله هو الذي يقول لي كيف ألبس ملابسي؟
ما دخل الله في هذا الموضوع.
بل هم رجال، كتبوا بإسم الله، ثم قالوا إن الله يقول.
فصدقنا. مسكين أيها العقل.
ليس دين. بل وصاية.
وهذه الوصاية يجب أن تزول.
وزوالها مرتبط بمفهوم ثاني اساسي يقوم عليه الإسلام الإنساني. مفهوم العقلانية. والعقلانية ترتبط بالنص الديني.
وحديثه الأسبوع المقبل.
elham_manea@bluewin.ch
* كاتبة يمنية- سويسرا
حرية بدون “ولكن”!
الاستاذة الهام ، تحية طيبة
لدي ملاحظة بسيطة تتعلق بما ورد في مقالك: لا اثر في القرآن الكريم لآية تتحدث عن رجم الزاني او الزانية. لذلك لجأ رجال الفقه الى حل بسيط وهو القول بأن نص الآية نُسِخ ولكن حُكمها ظل ساري المفعول. على ما أعلم، هذه هي الحالة الوحيدة التي ذكر الفقهاء ان نص آية كريمة اصبح منسوخا الا ان حكمها بقي جاريا.
حرية بدون “ولكن”!
الدين الاسلامي الانساني!متى كان الاسلام غير انساني ؟الاسلام دين الشرائع والقوانين .
اما ان نقبلها او ان نناقش عدم صحتها لالف سنه قادمه كما فعل الكثيرون قبلك.
هناك الكثير من الامثله عن التشدد الديني والذي ينفر منه كل عاقل فهو ليس ما نقصده بالاسلام اصلا و هو ليس من الاسلام, وانا لست من مؤيديه.
ارجو ان يكون الحديث بالمرة المقبله اوضح و ان تكون الدعوة بنبذ الاسلام كليه و العوده للحريه المطلقه فهي حتما ما تسموا له النفوس بطبيعتها.
حرية بدون “ولكن”! ما احوجنا في مجتمعاتنا الى ُكتّاب ومفكّرين ((وطبعا الى كاتبات ومفكّرات) متنوّرين يقولون لنا الحقيقة دون لف ومواربة. من آفاتنا في عصرنا المراقبة وكَمّ الافواه لمنع عرض آراء تعارض آراء الفئات التي تسيطر على وسائل الاعلام والنشر وبذلك تسيطر على تفكيرنا وتصرفنا. في القرون الوسطى عندما كانت اوروبا تعمه في جهلها، كان الكتّاب المسلمون يعالجون قضايا فلسفية ودينية معقدة ومثيرة للجدل فكتبوا الكتب التي وصل بعضها الينا في حين ضاع البعض الآخر للاسف الشديد. ارجعوا، اخوتي الكرام،على سبيل المثال لا الحصر، الى كتب كبير مفسري القرآن في القرن الثالث الهجري ومؤلف اهم كتاب في التاريخ ابي جعفر… قراءة المزيد ..
حرية بدون “ولكن”!
شذوذ جنسي لا علاقة لة بالصلاة او بالتدين ومعظمهم تم استغلالهم وهم صغار وكبروا وكبر معهم هذا الميول والمرض النفسي.
حرية بدون “ولكن”!
بعض منهم متدينون. بعض منهن متدينات.
أقول للكاتبة هل تقرئين ما تكتبينه قبل النشر؟؟؟؟؟؟؟؟
حرية بدون “ولكن”!
انا مواطن بحريني ، انتمي الى وطني فقط بل الى انسانيتي ، هويتي المواطنة لا غير ، احيانا اجاهر بمعتقداتي واحيانا التزم الصمت ، كم اشتاق الى مقالاتك واحرص على قراءتها ، فأنا اراها غداء للروح وبلسم يحتاجه جرحنا الدامي ، استطيع القول بأني قريب منك من حيث الانتماء الى نفس العقل ان جاز التعبير او القول ، ومن حيث الانتماء الى نفس الجغرافية ، فلا تبخلي علينا بعقلك النابض وفكرك المنفتح والنيّر ، فنحن التواقين الى الهواء النقي كم بحاجة الى نسيمك الفواح برائحة الياسمين وفكرك المتفجر الطامح والذاهب نحو بناء علاقات انسانية من دون قيود