الغريب أننا لم ننزعج، أو نرى سبباً للقلق. وأن القرار صيغ ثم صوت عليه، ونحن نتفرج.
والأغرب أننا لم نصرخ. وأن غيرنا لم يجد حرجاً في ان يشيح بوجهه. ككل مرة.
أما الفضيحة فهي ان من صوت على القرار يفترض فيه ان يدافع عن حقوق الإنسان!
القرار الذي اعنيه هو الصادر بتاريخ 27 مارس 2009 عن مجلس حقوق الإنسان في جلسته الاربعين، بعنوان “محاربة إهانة الأديان”، والذي تمكنت 21 دولة (منها دول عربية على رأسها مصر والسعودية وقطر والأردن، واخرى أسيوية مسلمة مثل ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش والباكستان، وبدعم من جنوب إفريقيا والصين وروسيا) من تمريره رغم معارضة عشرة دول، معظمها دول معروفة بأحترامها لحرية الرأى والعقيدة ككندا وسويسرا وبريطانيا، وامتناع 14 دولة عن التصويت.
انقسم المجلس، وفي أنقسامه مؤشر على خطورة الموضوع، لكن الدول الإسلامية والصين وروسيا، وهي دول لها جميعاً سجل معروف في انتهاك حقوق الإنسان، تمكنت من إخراجه رغماً عن البقية.
ما الذي قاله مجلس حقوق الإنسان إذن في قراره؟ عبر المجلس عن “قلقه العميق من تزايد وتيرة حملات إهانة الأديان والتنميط الديني للأقليات المسلمة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر المأساوية”، في اشارة واضحة إلى رسوم الكاريكاتير الدانماركية للرسول محمد، وإلى إحساس الإقليات المهاجرة ممن تنتمي إلى الدين الإسلامي (خاصة في أوروبا) بأنها “تحت المراقبة” بسبب إنتمائها الديني.
ثم أكد على “أن احترام كل الأديان وحمايتها من الإهانة هو عنصر اساسي ضروري لممارسة حرية التعبير عن الفكر والعقيدة والدين”، وزاد على ذلك بأن شدد على أن “حرية التعبير عن الرأي وممارستها تحمل في طياتها مسؤوليات وواجبات ولذلك يمكن ان تكون عرضة لبعض القيود، المقننة والضروية لحماية حقوق وسمعة الأخر أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة او الأخلاق”.
مجلس يفترض فيه أنه يدافع عن حقوق الإنسان، يخرج علينا بقرار يدعو فيه صراحة إلى تقييد حق التعبير عن الرأي! والأدهى انه استخدم نفس اللغة التي تستخدمها دولنا العربية العزيزة في تكميم افواهنا وعقولنا، بدعوى “حماية الأمن الوطني، او النظام العام، او الصحة العامة (لم افهم موضوع الصحة هذه) او الأخلاق”!
ماذا ترك المجلس لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذن؟
أن تشتكي الاقليات المهاجرة من مسألة تنميطها في أوروبا امر افهمه. فأحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية حولتها فجأة إلى أقليات “مسلمة” بعد ان كانت “عربية” “بلقانية” “تركية” أو “باكستانية”. فجأة اصبحنا جميعاً “مسلمين”. وهذا التصنيف افرح كثيرا الأسلاميين المقيمين في اوروبا، وهم كثر على فكرة. أفرحهم لأنهم أدركوا ان امامهم فرصة يمكن أن يستغلوها، فمادامت الهوية اصبحت “إسلامية”، فليدفعوا إذن بمطالبهم “الإسلامية”، حماية لل”أقلية المسلمة”.
ومطالبهم كانت ولازالت مدروسة بدقة، تماما كما فعلوا في الدول العربية والآسيوية. تنطلق من رغبة في تغيير مجتمعي تدريجي، وهدفها استراتيجي بعيد المدى: “دعونا نركز على مسألة تثقيف النشء الصغير المهاجر وتعليمه اصول دينه”، وهذه الأصول لا تخرج إلا من منظور حسن البنا وإبن تيمية للدين، تدعوه إلى كره الغير، وتغييب وجود المرأة، ثم تؤكد له أن احترام الرأي الأخر ثم الإختلاف كفر صريح.
إذن ان تشتكي الأقليات المهاجرة من مسألة تنميطها أمر افهمه، خاصة وأنه امر يصب في مصلحة الإسلاميين أولا وآخراً.
لكني ادعوها بدلا من الشكوى إلى أن تكف عن الشكوي وتمثيل دور الضحية، وأن تقف موقفاً واضحاً من هؤلاء الإسلاميين، ومطالبهم.
كفوا عن النواح والنحيب.
كفوا عن الشكوى.
ثم خذوا موقفاً.
أتخذوا قراراً!
في صف من تقفون؟
وعندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى العنف، بما يسميه الإسلاميون “الجهاد”، علينا أيضا أن نأخذ موقفاً واضحاً لا لبس فيه.
موقفاً يسمي الأشياء بأسمائها:
الجهاد أدعوه إرهاب.
لأنه أعزائي إرهاب.
لا أؤمن بالعنف أياً كان مبرره. وأرفضه. ثم أخذ موقفاً واضحاً منه. وأصر ان لا دين يحترم نفسه يمكن أن يتخذ من العنف كياناً
له. ولا اخجل من قول ذلك في وجه من يدعو إليه.
لأنهم عزيزاتي يعتمدون كثيراً على صمتنا.
يعتمدون كثيراً على صمتنا.
فلا تصمتي.
ثم لا تصمت.
ارفع صوتك،
ثم سمي الأشياء بأسمائها.
ثم فليكن كل منكما عضوا فاعلاً في هذا المجتمع.
لست ضيفة في وطني سويسرا.
لست ضيفة فيه.
أعمل فيه، وأعمل، كالنحلة، كي أكون شيئا.
لاأعتمد على نظام الضمان الإجتماعي فيه كما يفعل البعض من المهاجرين، يرون فيه بقرة حلوب، يحلبونها ويمتصون حليبها، ثم لا يخجلون وهم يشتكون!
جزء منه، أنا، وفاعل ايضاً.
مصلحته من مصلحتي، وولائي لهذا الوطن أولا وأخيراً.
فالوطن الديمقراطي الذي يحترم حقوق الإنسان والمرأة، الوطن الذي اتنفس فيه حرة، يستحق هذا الولاء.
هذا الشق الأول من قرار مجلس حقوق الإنسان، المنزعج من تنميط الأقلية “المسلمة”، يمكن الرد عليه.
الثاني هو الطامة.
الشق الثاني يقول لنا بالعامية “صحيح هناك حرية للتعبير، لكن يجب تقييدها حماية للمصلحة العامة. وتقييدها يصبح ضرورياً إذا استهدف الأديان”!
بعبارة اخرى، يحذر مجلس يسمي نفسه مدافعا عن حقوق الإنسان، يحذر الإنسان من “التفكير خارج دوائر التفكير الرسمية”.
أية مصيبة هذه يارب؟
رسوم الكاريكاتير الدانماركية يعتبرها المجلس “إهانة للأديان”.
وأنا لا اعتبرها سوى تعبيراً عن رأي رسام لم يسمع في العقدين الأخيرين سوى دوي قنابل يفجرها أشخاص يبررون ما يفعلونه بدينهم الإسلامي. هل نلومه هو، أم هم؟
أن يرسم الرسام قنبلة على عمامة الرسول الكريم أمر قد يجرح فعلاً المشاعر الدينية للكثيرين. لكن حرية التعبير تتضمن هذا الحق ايضاً.
الحق في قول الأشياء بلا مواربة كما يراها حتى لو كانت طريقته جارحة. والرد عليه لا يكون بتقييد هذا الحق، الرد عليه لايكون بتهديده بالقتل، بل بالرأي والكلمة.
لاحظوا أن الدول التي تبنت القرار كلها معروفة بانتهاكها لحق الإنسان في التعبير عن الرأي. وهي تفعل ذلك بشكل منهجي منظم. تفعله لأنها تدرك جيداً أن فتح الباب للتعبير عن الرأي سيؤدي حتماً إلى قلب أنظمتها السياسية. لأننا أذا تحدثنا كما نفكر، لن ننسى أن نستهدفها بسهامنا، وأن نضغط باصابعنا على موضع الجرح، وهي اصله. من هنا يأتي إصرارها على إستهداف حرية التعبير والتفكير.
ولأنها كذلك فإنها تصر على ان هناك دوائر مغلقة للتفكير تتصل بثلاث جوانب اساسية، الدين والمرأة والسياسة. جوانب هي المنطلق الأول لأي إصلاح جوهري نتمناه لمجمعاتنا.
إهانة الأديان ستصبح اليوم البعبع الذي يخيفوننا به كي نكف عن التشكيك في الإسلام الرسمي للدولة، والإسلام السياسي للحركات الإسلامية، والإسلام الكلاسيكي الارثوذكسي السائد منذ القرن الحادي عشر.
إهانة الأديان ستصبح الشماعة التي تمنع الباحثين من كسر دوائر التفكير المغلقة واقتحام مجالات يقولون لنا إلى اليوم إنه من
المستحيل التفكير فيها، أهمها طبيعة النص القرآني الكريم.
أتعرفون لماذا؟
عندما نبدأ في إثارة علامات الإستفهام على طريقة جمع النص القرآني، وكيف تمت، ومن قام بها، سنبدأ ايضاً في إثارة التساؤلات عن مدى إلزامية ايات قرآنية تدعونا إلى “طاعة ولي الأمر”!
أليس كذلك؟
“حذار، حذار من التفكير!”
هذا لسان حال الدول “المنتهكة لحقوق الإنسان” في مجلس حقوق الإنسان.
ولأنها معروفة بسجلها فقد جاء قرارها مضحكا ومخزياً في آن واحد.
لكنها تخطيء كثيراً.
تخطيء إذا ظنت انها قادرة على تقييد التفكير.
كل ما عليها فعله هو ان تنظر إلى نموذج الإتحاد السوفيتي.
كيف انهار في لحظة كبرج من رمل.
أنهار بسبب قلة من افراد.
قلةٌ فكرت… ولم تخف.
elham.thomas@hispeed.ch
* كاتبة يمنية- سويسرا
حذار من التفكير!تقول الهام وأنا لا اعتبرها سوى تعبيراً عن رأي رسام لم يسمع في العقدين الأخيرين سوى دوي قنابل يفجرها أشخاص يبررون ما يفعلونه بدينهم الإسلامي. هل نلومه هو، أم هم؟؟؟؟؟؟؟؟ أقترح على الكاتبة سرعة التوجه إلى طبيب أذن وأيضاً طبيب عيون حيث أنها لم تسمع دوي قنابل الاسرائيليين في فلسطين ولم ترى القنابل العنقودية ولا الفوسفورية ولم تسمع أو ترى قنابل وصواريخ الأمريكيين في العراق ولا أفغانستان ولا الدبابات في الشيشان وأنا أسألها أين تلك القنابل الاسلامية التى لا يجدها من لايجد أصلا كسرة الخبز أو شربة الماء في ظل حصار ليس فقط عسكريا وأنما أيضا حصار فكري… قراءة المزيد ..
حذار من التفكير!بعد قراءتي ، بل قراءآتي لما تكتبه السيدة إلهام مانع ، أو إلهام توماس ، أزددت يقينا في المضمون الفلسفي للعبارة التي تقول : ” كل إنسان حر ، في إختيار نوع العبودية التي تناسبه !” ، ويبدو أن إلهام قد حسمت خيارها نهائيا وحددت نوع الحرية التي تريد . أتفق معها أن الحرية هي مطلب انساني ، وأن الله قد خلق جميع الناس أحرارا ، ولكن جاء الأوصياء على الأديان ( كل الأديان ) ليحددوا معنى الحرية على النحو الذي يخدم مصالحهم في كل مرحلة من مراحل التاريخ ، وحجتهم في ذلك أنهم وكلاء الله على الأرض… قراءة المزيد ..