ماذا لو لم تتزامن ثورات الربيع العربي مع ثورة تكنولوجية ومعلوماتية في مجتمعات الخليج العربي، حيث يُبحر عشرات الآلاف من الشباب ليلا ونهارا في محيطات من المعلومات بلا حواجز أو رقيب؟ صحيح أن الربيع العربي هو الابن الشرعي للإعلام الجديد، إلا أن دور مواقع التواصل الاجتماعي في بلدان الخليج، يرتدي اليوم شكلا مختلفا، إذ أنه يساهم بشكل حثيث في إنضاج التغيير الكبير، الذي يبدو أن المنطقة مُقبلة عليه.
وأعطت مؤخّرا صحيفة “غولف تايمز” عيِّنة من انتشار الإعلام الجديد في المجتمعات الخليجية، عندما روْت مُعاناة أول محامية في السعودية، فكتبت قائلة “عندما بدأت أروى الحجيلي (25 عاما) مسارها المِهني بوصفها أول محامية سعودية، فإن هناك جيلا بأكمله ارتفع إلى مستوى تطلّعاته.
وفعلا، تمّ مؤخرا تسجيل أروى، المتخرِّجة من جامعة الملك عبد العزيز في جدّة منذ عام 2010، بصفتها محامية متدرّبة للمرة الأولى في تاريخ المجتمع السعودي، بعدما أمضت ثلاث سنوات في توجيه العرائض لوزارة العدل. أما هي فقالت، إنها تسعى إلى أن تكون في مستوى ما ينتظره منها الآخرون، لأنها تشعُر أنهم سيراقبون كل ما تفعله. وفي اوقت الحاضر، بلغ عدد المحاميات في المملكة، أربعة.
فريق “أنا محامية”
ومن المهِم الإشارة هنا، إلى أن الجامعات السعودية بدأت تسمح للبنات بالتسجيل في أقسام القانون سنة 2005، وتخرّجت أول دُفعة مِنهُن في 2008، لكنهن اكتشفن أنهن لا يستطعن الحصول على التسجيل اللازم لمزاولة مِهنة المحاماة. وذكرت أرْوى أن كثيرا من زميلاتها غادرن السعودية للعمل في بلدان الجوار، أما هي فبقيت في مدينتها جدّة وواظبت على كتابة الرسائل وتعبِئة المطبوعات، التي كانت توجِّهها لوزارة العدل.
وفي الوقت نفسه، أطلقت مجموعة من زميلات أرْوى حملة على الشبكة العنكبوتية للدّفع نحو التغيير، بما فيها تكوين فريق في “فيسبوك” يُسمّى “أنا محامية”، ويتضمّن أشرِطة فيديو من سيدات يُدافعن عن حقّهن في مزاولة المِهنة. وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز تلقّى في العام الماضي عريضة وقَّعت عليها 3000 من خرّيجات القانون، وقرّر على إثرها السماح بتسجيل المحاميات في قيد المحاماة. غير أن وزارة العدل ما زالت ترفض السماح لهن بمزاولة المهنة.
وعلى رغم أن المجتمع القطري أكثر تحرّرا من نظيره السعودي، خاصة لجهة قيادة المرأة للسيارة وشغلها وظائف عديدة غيْر جائزة في الجارة الكبيرة، فإن مواقِع التواصل الاجتماعي بدّلت تماما ملامح النّخب الشابة وغيّرت حتى نمط حياتها. هذه هي النتيجة التي استخلصها الدكتور أليكسي أنطونياديس، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج واشنطن بالدوحة، من دراسة أجراها أخيرا مع فريق من الطلاّب في قطر.
وأفاد أنطونياديس في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أنه شرَع في إجراء الدراسة، التي تشمل 582 شخصا، عبْر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في المجمعات التجارية والمقاهي، وهي ترمي لمعرِفة موقِف الشباب من مِصداقية “الميديا” من خلال قناتي “سي أن أن” و”الجزيرة الفضائية”، لكن مع إخفاء الشِّعاريْن المميِّزين للقناتين لدى عرض التقارير الصحفية على العيِّنة المُستجوبة، حِرصا على الموضوعية، حسب قوله.
واستنتج أيضا أن قطر تقع بين البلدان التي توجد فيها أعلى نِسب استخدام لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة، “مما يُعبد الطريق”، حسب رأيه لمزيد الاعتماد على ما بات يُعرف بــ “الإعلام الجديد”.
ومع أن الصحافة الورقية تبدو وكأنها ما زالت تغط في كهوف العصور التليدة، تلوِّح من حين لآخر بوارق تغيير، إذ كتبت صحيفة “العرب” القطرية يوم 25 سبتمبر 2013 في زاوية “منبر الحرية”، كلاما ليس مألوفا في الصحف الخليجية، ذات اللغة الخشبية، جاء فيه “في ظلّ الوضع الانتقالي الذي تعيشه الدول العربية، تُشير بوْصلة المجتمع المدني إلى ضرورة تحجيم الآثار السّلبية لسنوات الاستبداد بمقاربة جديدة تُشرِك وتدمَج شرائح اجتماعية واسعة ومتنوّعة في المجتمع المدني، ما يستوجب تعبِئة للتّحسيس والتوعية، تدعو إلى المواطنة عبر حُكم رشيد يفصل ويوازن بين السلطات ويربط المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة ويحارب مركزية القرار”.
وأضاف المُعلّق “الحِراك العربي يفرض أيضا إصلاحا اقتصاديا، ينطلق من مواجهة الفساد ويتطلّع إلى سياسات تنموية، تقوي الإنتاج وترفع من مستوى التنافسية، وكذلك إصلاح ثقافي يرتكِز على نهضة فكرية رائدة.
ولو قارنّا بين اهتمامات الفئات الشبابية الخليجية في السبعينات والثمانينات ومشاغلها اليوم، لوجدنا تحوّلا كبيرا من تقليد نمَط الحياة الغربي إلى التركيز على المشاغل السياسية والفِكرية الخاصة بالمجتمع المحلّي.
ويمكن أن نلاحظ بعد ثورات الربيع العربي، إقبالا غيْر مسبوق على مواقِع التواصل الاجتماعي، حيث تتزاحم المدوّنات وتتكدّس التغريدات، حتى يرى المُتابع، أنه لم يعُد هناك شابّ غيْر مشارك في “فيسبوك”. غير أن أهمية شبكات التواصل الاجتماعي، لم تُلغ دور القنوات الفضائية التي زاد الاهتمام بما تبُـثّه من أخبار لدى الشباب وسائر الفئات الاجتماعية الأخرى، عن مستوى متابعتها في الماضي.
واعتبر الدكتور وحيد هاشم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبد العزيز، أن ثورات الربيع العربي ألقت بظلالها على الطلاب السعوديين وساهمت في نمُو وعْيِهم السياسي من خلال البحث عن أسبابها ودوافعها، مثل الفساد والظُّـلم والبطالة.
إلا أن الدكتور مرزوق بشير بن مرزوق، الذي عمل مديرا للإعلام في مجلس التعاون الخليجي طيلة عشر سنوات، توقّـع أن يعرف الإعلام التليفزيوني مصيرا مُماثلا لمصير الإذاعات، وفي تصريح لـ swissinfo.ch، توقّـع أن “الإعلام الجديد، هو الذي سيغدو أداةَ الاتّصال الرئيسية في مُجتمعات الخليج.
وظهر هذا بصورة واضحة في الإقبال الشديد للشباب السعودي على شبكتيْ التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، وإن كانت الأخيرة هي الأبرَز، إذ باتت تمثِّـل رئة السعوديين الإلكترونية، من حيث ارتِفاع “سقف الطّرح”، الذي لا يمكن مطالعته أو مشاهدته أو حتى سماعه في وسائل الإعلام المحلية.
لكن التغيير لا يقتصر على الأدوات والوسائل، وإنما يُطاول يوما بعد يوم الرّؤى الجديدة، التي بات الشباب يحمِلها عن بلده في إطار السياق الإقليمي الجديد بعد ثورات الربيع، ومركزها مطالب الإصلاح، بما فيها الحريات الفردية وتحرير الإعلام من الوِصاية ومكافحة الفساد.
غياب الشفافية يُعرقل التنمية
ويُمكن اعتبار الموقِف الذي صدع به الكاتب القطري جابر الحرمي، حول استياء الناس من غياب الشفافية الأكثر جسارة حتى الآن في هذا المجال، إذ أكّد أنه لاحظ استيِاءً لدى “شريحة لا يُستهان بها من المجتمع” وأن “السّبب الرئيسي لهذا الاستياء، يعود بالدرجة الأولى إلى ضبابية المعلومات المتوافِرة للرأي العام عن المشاريع (التي يجري تنفيذها)، إن لم يكن غِياب المعلومات بالكامل، وهو ما يجعل الناس تتذمّر حِيال تلك المشاريع”.
وضرب الحرمي، وهو رئيس تحرير الصحيفة الأكثر انتشارا في قطر، عدّة أمثِلة على غياب الشفافية، منها مشروع شبكة القطارات الذي يُفترض أن يكون جاهزا في 2019 وكذلك التعليم، متسائلا “لماذا كلّ هذا الاستياء من المشاريع الخاصة بهذا القطاع؟ لأن هناك فجْوة بين المجتمع وبين المجلس الأعلى للتعليم أو وزارة التعليم، وليس هناك إشراك حقيقي للمواطنين واطلاعهم على الخطط المستقبلية، سواء أكانت بُنى تحتية أم خُططا وبرامجَ مُختلفة”.
ويضيف الحرمي في افتتاحية “الشرق” منذ أيام، أن “الأمر نفسه (يُلاحظ في) القِطاع الصحي، الذي هو الآخر بحاجة إلى مزيد من التواصل الحقيقي قبل تنفيذ المشاريع، وليس عندما تبدأ أو عندما يحدث تأخير في التسليم، وهو ما ينطبِق على عشرات المشاريع في الدولة المتأخّر إنجازها حسب المواعيد المحدّدة التي سبق الإعلان عنها، والتي حدث فيها تراجُع أكثر من مرّة”.
وانتهى الحرمي إلى خلاصة مفادُها “طالما غابت المعلومة أمام الرأي العام، سيظل هناك استياء من تنفيذ المشاريع، خاصة تلك التي لها ارتباط واحتكاك يومي مُباشر بحياة الناس، لذلك، من المهِم على المسؤولين العمل على تدفّق المعلومات وبكل شفافية للرأي العام“، وهذه لهجة قد تكون مُعتادة في الصحافة الكويتية والبحرينية، لكنها غير مألوفة في إعلام باقي الدول في المنظومة الخليجية.
غير أن ممثلي الحكومات الخليجية، لا ينظرون إلى تداعِيات الربيع العربي بهذا المِنظار، وإنما يتوجّسون خيفة من انعكاساته على النُّخب المحلية، وخاصة الشباب منها. وأحسن مُعبِّـر عن هذا الموقف، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، الذي أكد منذ أيام أن “أبواق الفِتنة وأصوات التطرّف والغلو، لن تلقى قبولاً في دول مجلس التعاون، التي عُـرِف أهلها بالاعتدال والتسامُح على مرّ التاريخ”، داعياً أبناء الخليج إلى اليَقظة والحذَر، مما وصفه بـ “الدعوات الطائفية البغيضة، الهادِفة إلى الانقسام والتشتّت وإضعاف المجتمعات الخليجية”.
وأعرب الزياني عن ثقته الكبيرة، في أن محاولات زرْع الفِتنة الطائفية وإشعال فَتيلها في دول المجلس، لن يُكتَـب لها النجاح، متوقِّعا أنها “ستلقى فشلاً ذريعاً، بسبب تماسُك جبهتها الوطنية وإيمان مواطنيها العميق بدين الرّحمة والمحبّة والتسامُح، الذي أنزله الله هُدىً للناس جميعا”.
مقاومة التغيير
هذا الموقف المُقاوم للتغيير ليس جديدا، إذ سبق أن حذَّر منه مثقفون وباحثون دأبوا على رصْد الإرهاصات، التي كانت تعتمل في أحشاء المجتمعات الخليجية منذ مطلع القرن الحالي. ومن هؤلاء، المفكِّر الكويتي الراحل خلدون النقيب، الذي كتب في عام 2006 مؤكِّدا أن “هناك مقاومة لفكرة الإصلاح، بوصفها إلى حدِّ كبير “بدعة”، لكن على المدى البعيد، ستضعف هذه المقاومة وتضطر الأنظمة إلى الاستجابة، بفعل الضغوط الداخلية قبل الخارجية، لأن هناك فِئة واسعة من الطّبقة الوسطى المتعلِّمة والطموحة، التي تتقلد مناصب وتتميّز بكفاءات مِهنية وإدارية علمية مختلفة، ستُطالب بنصيبها من القوّة والثروة داخل هذه الدول، وهذا لن يتِم إلا من خلال إصلاح حقيقي”.
يتوزّع مِضمار الإصلاح في المجتمعات الخليجية إلى ساحتين رئيسيتين. الأولى، هي مجال الإصلاح الدِّيني المليء بالألغام، فيما تتمثّل الثانية، في ملف الإصلاحات السياسية والدستورية. وفي المجال الأول، بدأت المساجد تُفلت من رقابة السلطات، وتتحوّل تدريجيا إلى فضاءات للنّقد والتشكيك في شرعِية الحُكام.
ويجوز اعتبار الموقِف الذي أصدرته مؤخّرا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، أحد الأمثلة البارزة على ذلك التّدافع، إذ أكّدت الوزارة أنها “لن تتهاوَن مع أي خطيب يتعدّى ميثاق المسجد في تطرّقه إلى بعض الأمور السياسية، التي تخص دولا خارجية أو رموزا سياسية أو شقّ الوِحدة الوطنية”.
ولم تُخف الوزارة أنها “مُستمرّة في تسجيل الخُطب في جميع مساجِد البلاد، وهناك حمْلة مكثّفة من قِبل المراقبين والمفتِّشين لمتابعة جميع الخُطَب، حفاظا على التِـزام الخطباء بالخُطبة المُرسلة والمُعتمَدة من وزارة الأوقاف”.
تسييس الخُـطب في المساجد
ولُـوحِظ تِكرار الظاهرة نفسها في السعودية، إذ دعا مُفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أخيرا، خطباء المساجد إلى الامتناع عن إشغال المُصلّين بأمور السياسة، “لأنها تُبعِدهم عن واقِعهم”، على حد قوله.
وأتت هذه الدّعوة ردّا على التسييس المُتنامي للخُطب، حتى أن وزارة الشؤون الإسلامية قامت بإيقاف خطيب جامع محمد بن عبد الوهاب في العاصمة الرياض، في أعقاب خُطبة عيد الفطر التي حثّ فيها “العلماء ونساء المسلمين على تحريض الشباب على حمْل السلاح والنفير” إلى دول تشهد ثورات.
وفي الكويت أيضا، شرعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في ترشيد مضمون الخِطاب الدّيني، ليتّـسم بالوسطية ونبْذ العُنف، “خِشية وصول تأثيره إلى المجتمع، وهو ما قد يخلق اصطفافا بين مكوِّناته”. واعتمدت في ذلك على برامج ودورات تكوينية مختصة، ترمي حسب قولها، لتكريس الوسطية والاعتدال، والحدّ من الخطاب الدّيني المتشدّد.
واعتبر المثقف الكويتي حامد العلي، أن الشعوب لا تثِق في المناصِب الدِّينية الرسمية، لأنها تراها مُقترنة بالفساد، ولذلك، لا يجوز تحت أية اعتبارات مطّاطة إخضاع الخِطاب الدّيني للسلطة (السياسية) . لكن السلطات تعترِض على هذا الموقِف، انطلاقا من أن “بعض الأئِمة يستغلّون منابِر المساجد لشقّ الوِحدة الوطنية أو التدخّل في شأن سياسي، بل هناك مَن يُهاجِم طائفة أو يتحمّس لرأي، دون توضيح لبقية الآراء، ولذلك، فإن وزارة الأوقاف توقّف كل من يتجاوز الحدود المرسومة من قبلها”.
الإصلاح السياسي والدستوري
أما على ساحة الإصلاح السياسي والدستوري، فتبرز السعودية أيضا بوصفها حالة نموذجية للحِراك الخليجي، إذ أن مجموعات شبابية جديدة بدأت تدير الحِراك الإصلاحي بمنهَجية وأساليب مُبتكّرة، وهذا يُناقض ما كان سائداً في بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى فترة مخاض الانتفاضات العربية، حيث كانت النّخب الثقافية والسياسية في السعودية، بكل اتجاهاتها، هي المُبادِرة إلى قيادة الفعل الإصلاحي، كما لاحظ الباحث جعفر الشايب.
فقد شكّلت فترة حرب الخليج الثانية عام 1991، حين استقبلت الحكومة السعودية قوّات غربية اتّخذت من أراضي المملكة قواعد لها في حربها ضدّ العراق، مناسبة لظهور بيانات عامّة حازت مدى وأبعادا سياسية واسعة. وتواصلت بعد ذلك بيانات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، خلال 2003-2004، والتي بلْوَرت فيها القوى الإصلاحية مواقِف واضحة من برامج الإصلاح. وشاركت في ذلك، للمرة الأولى، شخصيات من توجّهات فِكرية وسياسية متنوّعة، وربما تكون مُتباينة.
لكن هذه المبادرات راوَحت مكانها ولم تحقّق تقدّما حقيقيا في دفْع عملية الإصلاح السياسي في المملكة، بحسب جعفر الشايب. في المقابل، شدّدت الحكومة السعودية الرّقابة والمُتابعة على القائمين عليها. ورغم ذلك، وُلدت بعد سنوات وثيقتان سياسيتان مهمّتان للغاية هُما “دولة الحقوق والمؤسسات” (23 فبراير 2011) و”نداء وطني للإصلاح” (بعد ذلك بأسبوع).
وميزة الوثيقتين، أنهما تضمّنتا مطالِب إصلاحية واضحة ومحدّدة، تشمَل ضمان الحريات العامة ومَـأسَسة أجهزة الدولة بشراكة المواطنين والدّعوة لإقرار دستور للبلاد والفصل بين السلطات واستقلال القضاء.
وينبغي الإشارة هنا، إلى أن الشباب يُمثِّـلون تقريبا 60% من سكان السعودية، ويُعتبَرون من أكثر المُستخدمين للتقنية الحديثة، بصورها المختلفة. كما أن عدد مُستخدمي الإنترنت في المملكة، يُقدَّر حالياً بنحو 13 مليون مُستخدم (يقدّر عدد السعوديين بحوالي 26 مليوناً). أما عدد مستخدمي الفيسبوك في السعودية، فيُـقدَّر بثلاثة ملايين مستخدِم، ويتراوح سِن 75% من هؤلاء، بين الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين. وكشفت بعض الدراسات أن أكثر من 50% من أحاديث المُراهقين على إحدى الشبكات الاجتماعية، تتطرّق إلى مواضيع سياسية ودينية وفِكرية، تُعد من المحظورات في نظر المجتمع.
ويقول جعفر الشايب، الذي اطَّـلع على تلك المواقِع، إن الشباب يتناول فيها قضايا إصلاحية، تشمل توثيق حالات الفقْر والبِطالة والعديد من القضايا الاجتماعية، التي تتعلق بالمرأة والبيروقراطية ودور رجال الدّين. ويتِم ذلك من خلال عرْض مقاطِع فيديو مُصوَّرة من أرض الواقع وبثّها على قناة “يوتيوب”.
كما يقومون أيضا بإعداد برامج فيديو قصيرة، هي عِبارة عن متابعات لأبرَز القضايا والأحداث، كمسائل الفساد المالي والوساطة ووضع المرأة وبِطالة الشباب وحالات الفقر وأزمة الإسكان وسرِقة الأراضي، مع التعليق عليها بصورة كوميدية تشدّ اهتمام المُبحِرين على الشبكة، وتوصل لهم رسائل إصلاحية غيْر مباشرة.
أكثر من ذلك، تحوّل موقع “تويتر” إلى ساحة حِوار وجدل حقيقيين في مختلف القضايا السياسية والدّينية والاجتماعية، إذ دأب مُرتادوه من الشباب، على متابعة تغريدات الشخصيات الدّينية والسياسية وإبداء تعاليق وردود عليها. كما أنهم ينظّمون في أوقات محدّدة، حملات من تغريدات التضامُن مع سجناء الرأي والموقوفين، بهدف الضّغط للإفراج عنهم.
قُـصارى القول، أن أصداء الربيع العربي وصلت إلى الخليج في وقت مبكّر، ووجدت هناك تُـربة حرثها الإعلام الجديد وهيّأها لكي تستقبِل شِعارات المرحلة الجديدة، التي من عناوينها البارزة، الشفافية ومكافحة الفساد والحريات والحُكم الرشيد، وبهذا المعنى، فإن هذه المِنطقة التي تُعتبَر إحدى المناطق الحيوية في العالم، ستحظى باهتمام بالغ في المستقبل، لكونها مُقبِلة لا محالة على تغييرات كبيرة، اجتماعيا وسياسيا وثقافيا.