جريدة “الأنباء” الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي مما جاء فيه:ها هو طاغية ثالث يسقط في سياق الثورة الشعبيّة العربيّة الأصيلة والمحقة، وها هي النظرية الخضراء تسقط معه، وهي النظريّة المشابهة لنظرية الحزب الواحد والزعيم الأوحد التي أثبتت فشلها التاريخي في مسيرات الشعوب وتوقها الطبيعي للحرية والكرامة والديمقراطيّة.
فالسعي الدؤوب لأسر الشعوب فكريّاً وعقائديّاً لم يعد ممكناً لأنه ينافي قانون الطبيعة ويناقض التعدديّة التي تبقى الضامن الأساسي لكل المجتمعات بعيداً عن الانغلاق والاعتقال ومصادرة حرية الرأي والتعبير.
لقد بيّنت التجارب أن كل الذين إدعوا بطولات مزيفة من صدام حسين الى زين العابدين بن علي نظّروا من أبراجهم العاجيّة لحكم شعوبهم ولاحقاً امروا بإطلاق النار على المتظاهرين وقمعهم، وحين دنت ساعة الحقيقة فروا كالجرذان ولم يجرؤ أحد منهم على القتال كالقذافي الذي إدعى بطولات وهمية، أو حتى على الانتحار. واليوم يتكرر المشهد مع النظام الليبي الذي لا بد من ملاحقة وتسليم زعيمه، كما قيل في تصريحات المعارضة الليبيّة، الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة بالتنسيق مع القضاء الليبي، وهذا سيؤدي الى العدالة وهي مدخل لإنصاف الذين فقدوا أو خطفوا أو عذبوا أو قتلوا في المعتقلات والسجون.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فأين أصبح إعتراف الحكومة اللبنانيّة بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، أم أن هناك قوى لبنانيّة داخليّة كانت تراهن على إستمرار نظام القذافي ولا تحبذ، تالياً، الاعتراف بالمعارضة الليبيّة؟
أما بالنسبة الى مصر، وقد عدت للتو من زيارة خاصة اليها، فإنني أسجل بعض المشاهدات التي عدتُ بها من القاهرة:
أولاً: عراقة المؤسسات المصريّة، فالجيش المصري عندما لاحظ أن الرئيس السابق حسني مبارك أصبح إستمراره يُشكل خطراً على الأمن القومي المصري والاستقرار، طلب منه التنحي، والجيش تجاوب في وقت لاحق مع مطالب المتظاهرين بإحالته الى المحاكمة. وها هو القضاء المصري اليوم يقوم بواجباته في محاكمة تاريخية لرئيس وفريق عمله حكموا مصر طوال سنوات وسيطروا خلالها على كل مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وهذه المحاسبة تؤكد عراقة المؤسسات المصرية كالجيش ووزارة الخارجية وكل مرافق الدولة المصرية . فمفهوم الدولة في مصر تمتد جذوره وعراقته الى الآف السنين.
ثانياً: لا يمكن لأي زائر لمصر ألا يلحظ الشعور العالي عند المصريين بالوطنيّة والقومية، وهذه البلاد تستحق بالفعل لقب “مصر أم الدنيا”. ومن الملاحظ هنا درجة التسييس العالية عند الشعب المصري الذي يميز بوضوح بين المستثمرين المنتجين الذين يخلقون فرص عمل وبين المستثمرين الذين يبنون “منتجعات رأسمالية” فاقعة كمنتجع “بيفرلي هيلز” الشهير، على سبيل المثال! وقد وصل الجشع بالبعض الى منافسة ومزاحمة شريحة من الفقراء كانت تستفيد من فرز النفايات فأنشأوا شركة إستثمارية لجمع النفايات وفرزها.
ثالثاً: يدور النقاش السياسي الأساسي اليوم بين الذين يريدون دولة مدنيّة يستمد فيها الدستور من الشريعة الاسلامية ومن مصادر أخرى، وبين الحركات السلفية التي تريد دستوراً إسلامياً بحتاً وهو ما يتعارض مع مفهوم الدولة المدنيّة.
رابعاً: التحديات الانمائية الهائلة لا سيما مع تنامي العشوائيات أي البناء غير المنظم وغير الشرعي، وقد رأيتُ منطقة الجيزة الى جانب القاهرة وهي بمساحة تقارب مساحة بيروت تنمو على حساب الأرض والزراعة. وهذه مسألة تشكل مأزقاً كبيراً لا سيما أن الاكتظاظ السكاني يتركز على ضفاف النيل، بينما تحيط الصحراء بهذه التجمعات السكنية.
وهذه القضية لا تحل الا بالتكامل السياسي والاقتصادي والزراعي والمائي مع ليبيا والسودان، الأمر الذي لم يحدث خلال أربعين عاماً حيث حكمت ليبيا قيادة غير مسؤولة هدرت الامكانيات والأموال والخيرات، بدل أن تؤسس للتكامل مع مصر. ولقد غابت مصر عن حوض النيل في سياسات تكاملية مع السودان الذي من الممكن أن يكون الخزان الزراعي للعالم العربي ودول العالم الثالث، بدل تأجير أراضيه الشاسعة الى شركات من دول أجنبيّة ثريّة تستغله لأغراضها الاستهلاكيّة عوض أن تستفيد منه مصر والدول العربيّة.
خامساً: أهمية الحركة الصوفية وهي متجذرة في الفكر الايماني المصري حيث أن الصوفية هي بشكل عام التجلي الأكبر للايمان خارج الحواجز والقوالب التقليدية والعادات القديمة وحالات الصدأ الفكري. لذلك، تواجه هذه الحركة الصوفية ظواهر الطالبانية الفكرية التي تذكرنا بحركة الخوارج أيّام الامام علي وزعيمهم أنذاك عبدالله بن وهب.
سادساً: العروبة المتأصلة ولا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقد شهدنا المظاهرات بعد مقتل رجال الأمن في أنحاء مختلفة من مصر فضلاً عن إنزال العلم الاسرائيلي عن السفارة الاسرائيلية في القاهرة ورفع العلم المصري. وفلسطين موجودة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في مصر التي، رغم أبعادها وعلاقاتها مع أفريقيا، ولكنها تبقى في قلب المشرق. وللتذكير، فإن تحرير فلسطين من الصليبيين بدأ أيام الحكم الايوبي في مصر.
ونلاقي الأصوات التي تدعو اليوم الى تعديل إتفاقية “كامب دايفيد” لتعزيز الوجود الأمني المصري فيها لكي لا تأتي حركات مشبوهة من هنا أو هناك في سيناء لتعرض الأمن المصري للخطر. وفيما خص “كامب دايفيد”، أيّاً كانت الملاحظات على تلك الاتفاقيّة، يبقى أنها أعادت الأرض المصرية الى أصحابها آنذاك. ولو قُدم الدعم للرئيس المصري الراحل أنور السادات مادياً ومعنوياً وسياسياً بدل أن تخلق جبهات صمود وتصدي تحت شعار “عزل مصر” لربما كنا إستفدنا من مصر وقدراتها في كل الوقت الضائع. واليوم، المصلحة الوطنية المصرية فوق كل إعتبار، وليس مصلحة حركات وتيارات قد تعرض أمنها للخطر ودائماً على حساب دولة مصر.
سابعاً: الفقر، تشمئز النفس عندما ترى مستويات الفقر المدقع في مصر، بينما نرى الموارد المالية للنفط العربي توظف في صفقات السلاح وسندات الخزينة والاسهم التي قد تتبخر أرباحها في مهب المضاربات كما حصل منذ سنوات قليلة وفي الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وبناء ناطحات السحاب بدل تمويل مشاريع التنمية الحقيقية في مصر. لذلك، من الضروري إعادة النظر بسياسات توظيف الأموال وتقديم الدعم اللازم لمصر لكي تقوم بالدور الريادي على المستوى العربي. إنما، تبقى الاشارة الى إباء أبناء مصر ونضالهم وجهادهم في سبيل لقمة العيش بصبر وأناة رغم صعوبة الظروف المعيشية.
أخيراً، تحية الى شهداء الثورة الليبية، ومن خلالها الى كل شهداء الثورات العربية في نضالهم الى الحرية الديمقراطية والكرامة.
جنبلاط: أين أصبح إعتراف الحكومة اللبنانيّة بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي؟
ليس دفاعًا عن عقيد التخلّف الذي حكم ليبيا 42 عامًا، و لكن ألم ينتبه بيك المختارة أنه كان ذات يوم أحد مرتزقة هذا العقيد في الثمانينيات من القرن الماضي حين كان يرسل له مقاتلين من حزبه «الإشتراكي» للقتال في تشاد، و كل ذلك من أجل حفنة من الدولارات؟؟؟ و اليوم يطلق عليه لقب الطاغية!!! يللي ستحوا ماتوا من زمان.