بعد عرض أبرز العقائد التي تتأسس عليها جماعة العدل والإحسان وتنظيمات السلفية الجهادية ، يمكن استخلاص نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف كالتالي :
1 ـ نقاط الالتقاء :
أ ـ كلا الطرفان يكفران القوانين الوضعية ويعتبرانها شركا بالله لأنها تجعل الإنسان ندا لله في التشريع.
ب ـ كلاهما يكفران الحكام وينعتانهم بـ”الطاغوتية” التي هي مفهوم يحيل على ألوهية البشر . ومن ثمة تنعت جماعة العدل والإحسان والتنظيمات الجهادية كل الحكام بـ”الطواغيت” “المتألهين” ( نعتقد أن الديمقراطية دعوة كفرية تعمل على تأليه المخلوق و اتخاذه ربا و ترد له خاصية التشريع و الحكم من دون الله تعالى فهي كفر بواح).
ج ـ الدعوة إلى قتال الديمقراطيين والعلمانيين والحكام ، حيث يقرر التيار الجهادي ( أما بخصوص الكفار والمنافقين والمرتدين فقد أمرنا ربنا جل وعلا بعداوتهم وبغضهم ومسبتهم والإغلاظ عليهم وقتالهم) . وكذلك كان قرار مرشد جماعة العدل والإحسان لما خيّر الديمقراطيين بين الانضواء تحت لوائه (وإلا فهي المقاتلة عاجلا أو آجلا).
د ـ السعي لتطبيق الشريعة (فنحن نريد أن نحكم بما أنزل الله لكيلا تبقى الأمة وعلى عنقها تهديد “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”، “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون”، “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون”.)(مرشد العدل والإحسان).
و ـ العمل على إقامة الدولة الإسلامية الموحدة وإحياء نظام الخلافة الإسلامية ليشمل كل البلدان الإسلامية.
ز ـ اعتبار الجهاد فريضة غائبة يجب إحياؤها ، وهي فرض عين على كل مسلم .
ح ـ إن شرع الله لا يمكن تطبيقه إلا بإقامة نظام حكم إسلامي .
ط ـ اعتماد القوة والعنف في تغيير نظام الحكم وإقامة نظام بديل .
2 ـ نقاط الاختلاف :
أ ـ طبيعة النظام السياسي الذي يسعى لإقامته كل طرف . فالجهاديون يريدونه على شاكلة نظام الطالبان حيث دوائر التحريم تطوق كل مناحي الحياة وتعدم كل المكاسب الحضارية والثقافية . أما جماعة الشيخ ياسين فتريده نظاما سياسيا لا يقوده فقه البداوة وقيم الهمجية على شاكلة نظام الطالبان ، بل يقوده “شيخ رباني” يزعم أنه “المهدي المنتظر” الذي بعثه الله لإقامة الخلافة الثانية .
ب ـ أسلوب تغيير نظام الحكم الحالي :
بالنسبة لجماعة العدل والإحسان ، توجد خيارات ثلاثة :
الخيار الأول “الدخول في تعددية الأحزاب ، والترشيح للانتخابات ” ، ومن ثمة الحصول على الأغلبية البرلمانية وتغيير الدستور والنظام السياسي .
الخيار الثاني : خيار العنف والاغتيال السياسي .
الخيار الثالث “هو خط التنفيذ بالقوة بعد أن يتم الإعداد ” مثلما فعل الخميني الذي قاد ثورة شعبية وزحف على الحكم. وهذا هو الخيار الذي ينهجه الشيخ ياسين وحدده لجماعته ( مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير .. ثم مقاطعة الظالمين: لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم. وهذه هي الصيغة المثلى للقومة.
فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة، ونقاطعها حتى تشل حركتها ، ويسقط سلطانها، وترذل كلمتها )(ص 36 رجال القومة والإصلاح). فهو يختلف مع الجهاديين كالتالي (لا نبدد جهودنا في ملاحقة ظواهر المرض ، يأكل طاقاتنا السخط ، ويفتت عزائمنا في آهات التسلية النظر إلى تعدد المناكر ، وفشوها ، وفداحتها ، وعدواها، وعجزنا عن تكميم الأفواه الفاجرة ، وزجر الزناة والسكارى ، وإغلاق الحانات والسينمات وكسر التلفاز حامل العهارة )(ص393 المنهاج). كل هذه الظواهر المرضية يرجع الشيخ سببها إلى عامل واحد هو ” فساد الحكم” . لهذا لا يرى بديلا عن القضاء على نظام الحكم القائم (لا تفن عمرك في التأسف على الثمار السامة ، بل اقطع شجرتها يفن معها السم . لا يمكن أن ننتظر من الأفراد ، ولا الجمعيات ، أن تقوم بواجبها في الأمر والنهي ، ولا أن يكون لذلك معنى ، ما دام روح المنكر وجسده ، وينبوعه، ولحمته وسداه بيننا ، ألا وهو الحكم الفاجر الكافر )(ص 394 المنهاج). إذن فالشيخ يترك لجماعته الخيارات مفتوحة( نبرز بمشروعنا ، ونعلنه ، ونحارب دونه بأساليب السياسة ما انفتح لنا فجوة ، وبكل الأساليب إن اضطهدنا )(ص 27 المنهاج ) .
أما بالنسبة للتيار الجهادي فإن الوسيلة الوحيدة لتغيير الأنظمة الحاكمة هي العنف بكل أشكاله وأساليبه ، بدءا من القتل الفردي إلى القتل الجماعي عبر استعمال كل الوسائل خاصة المتفجرات شديدة التدمير . بينما جماعة العدل والإحسان تجعل حمل السلاح الخيار الأخير بعد استنفاذ الخيار “السلمي” .
ج ـ إستراتيجية “الجهاد” /القومة :
بالنسبة لجماعة العدل والإحسان تقوم على ثلاث خطوات : الأولى : التربية وتقتضي نشر معتقدات الجماعة ومبادئها وسط الشرائح الاجتماعية بهدف إعادة تشكيل وجدانها وقناعاتها بما يسهل عملية التحكم في هذه الكتلة البشرية . الثانية التنظيم بما يعنيه تجميع هذه الكتلة البشرية في تنظيم مهيكل باعتبارها قوة احتياطية سيتم توظيفها للانقضاض على النظام . الثالثة : الزحف على السلطة بتحريك القوة البشرية المنظمة عبر العصيان المدني والثورة الشعبية . لهذا فمرشد الجماعة لا يريد لـ”قومته” أن تفشل ، بل يحرص على التأني والتدرج حتى تتوفر له الشروط البشرية والمادية التي توفر لمرحلة الزحف على السلطة كل أسباب النجاح . لهذا فالشيخ ياسين يلوم الحركات الجهادية على الاستعجال في مواجهة النظام الحاكم وهي لا تملك أسباب الانتصار . للحديث بقية .
النموذج الثاني للتيار الإسلامي الذي نقف عنده هو حركة التوحيد والإصلاح وجناحها السياسي “حزب العدالة والتنمية” . إن هذا الفصيل يستمد عقائده المذهبية أساسا من الحنبلية وتفرعاتها الوهابية . وهذه الحقيقة أقرها الدكتور فريد الأنصاري في كتابه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب” بقوله( لقد كان انطلاق الحركة الإسلامية بالمغرب متداخلا بالفكر السلفي ومتلبسا به . وذلك منذ أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الميلادي الماضي ، حيث كانت التنظيمات الإسلامية الناشئة آنئذ ، تستفيد من التأطير العلمي لرموز الحركة السلفية بالمغرب ، من أمثال تقي الدين الهلالي ، والعلامة محمد الزمزمي وغيرهما ، رحمهما الله . وذلك بوعي تام من الطرفين وإرادة كاملة ، حيث كان بدء العمل الإسلامي بالمغرب في تلك اللحظة يطبعه نوع من التعاون والتآلف بين جميع مكوناته ، وقلما يدخله الاختلاف والشنآن . وذلك بسبب الحاجة المرحلية للتوحد الفكري ضد موجة الإلحاد الماركسي )(ص 123) . غير أن نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخميني وفتح جبهة القتال ضد السوفييت على أرض أفغانستان باسم “الجهاد” ، أديا إلى ظهور تمايزات داخل التيار السلفي بين “السلفية العلمية” و”السلفية الإخوانية” و “السلفية الجهادية التكفيرية” . وكل هذه التنظيمات شكل العنف لديها عقيدة مركزية ستضطر بعضها إلى الإعلان عن التخلي عنه والانخراط في العمل السياسي ، فيما سيزداد اللجوء إلى العنف عقيدة وممارسة لدى التنظيمات الجهادية . والتنظيمات التي أعلنت ” نبذ العنف” والالتزام بـ”نهج الاعتدال” ، وضمنها حركة التوحيد والإصلاح وجناحها السياسي ، ظلت وفية لنفس المنطلقات العقائدية والمذهبية التي تقاسمتها مع التنظيمات الجهادية عند مرحلة التأسيس والتشكل . إذ الجميع يطالب بتطبيق الشريعة وإلغاء القوانين الوضعية وإقامة الدولة الإسلامية وإرساء أسس “الحاكمية” وتحكيم عقيدة “الولاء والبراء” في سلوك الفرد والمجتمع والدولة . والاختلافات التي ظلت عالقة تخص أساسا الموقف من الدولة المغربية ونظامها الملكي ، والموقف من المشاركة السياسية في مؤسسات الدولة . بخصوص موقف حركة لتوحيد والإصلاح/ العدالة والتنمية من الدولة والنظام المغربيين ، فهي لا تنفي عنهما صفة الإسلام ، ومن ثمة فهي لا تكفرهما تكفيرا صريحا كما تفعل تنظيمات السلفية الجهادية . وهكذا سبق للحركة أن أصدرت وثيقة ” النظام المغربي من وجهة نظر إسلامية ” نشرتها أسبوعية الراية عدد 2 بتاريخ 18 غشت 1990 . وكانت مناسبة ذلك نجاح الإسلاميين في الانتخابات المحلية والولائية التي عرفتها الجزائر . ومما جاء في الوثيقة ( أن بين النظام في المغرب ، والأنظمة الأخرى في المنطقة فروقا جوهرية تجعل أي صراع بين السلطات في المغرب وبين الإسلاميين هامشيا حالا ومستقبلا . إن النظام المغربي نظام أصيل وعريق لم ينشأ إبان الاستعمار أو بعده ، بل يتمتع بأصالة تاريخية ممتدة عبر الدولة العلوية وما قبلها إلى المولى إدريس رحمه الله ، وهو كذلك ليس نظاما علمانيا يتنكر للدين ، بل هو نظام يقوم أساسا على المشروعية الدينية المبنية على البيعة التي هي الصيغة الشرعية للحكم في الإسلام وأضاف إلى هذه الهوية الإسلامية الأصيلة الموروثة الصفة القانونية الحديثة ، بإحداث الدستور الذي أكد على الصفة الإسلامية للدولة المغربية ، ولهذا لم يتنكر أحد لهذه الصفة في المغرب ولن يستطيع في ظل نظام بهذه الصفة . إن المغرب ، في ظل نظام الملكية الدستورية المعمول به حاليا ، قادر على استيعاب التيار الإسلامي بطريقة إيجابية ، لأنه النظام الوحيد الذي يتبنى الشرعية الإسلامية على مستوى رئاسة الدولة بوصف الملك أميرا للمؤمنين ) . طبعا لم تقر هذه الوثيقة بأن النظام المغربي “نظام إسلامي” يطبق أحكام الشريعة ، بل اكتفت بعدم إخراجه من دائرة الإسلام . الأمر الذي يجعل وجودها مرتبطا بالعمل من أجل جعل النظام المغربي لا يكتفي فقط بـ”تبني الشرعية الإسلامية” ولكن بتطبيق ” أحكام الشريعة الإسلامية” . لهذا نجد الحزب كما الحركة يركز أساسا على نظام البيعة كمؤشر على “الأصالة الإسلامية” للنظام الملكي. هكذا أعلن الحزب عن موقفه من الملكية في المغرب كالتالي: (وكان هذا الحدث ـ حدث وفاة الملك الحسن الثاني ومبايعة الملك محمد السادس ـ مناسبة لتأكيد الأصالة الإسلامية التي يقوم عليها نظام الحكم في المغرب منذ أزيد من اثني عشر قرنا ، والذي يرتكز على البيعة كعقد يضبط علاقة الحاكم بالمحكومين على أساس الكتاب والسنة). وبناء عليه حدد الحزب مطالبه السياسية والدستورية، في إطار ما ما يسميه بـ”التدافع” السياسي، كالتالي :
أ ـ (التأكيد على دعم الهوية الإسلامية للدولة المغربية في إطار الملكية الدستورية وعدم قابلية مبدأ إسلامية الدولة للمراجعة) .
ب ـ التأكيد على الدور المركزي للملكية، (ومن ثم لا يمكن استنساخ بعض نماذج الملكية في الغرب التي تبلورت في إطار خصوصيات تاريخية وحضارية غريبة عن الواقع المغربي في خصوصياته التاريخية والحضارية ، وهو ما يقتضي أن يظل للمؤسسة الملكية دورها الفاعل في الحياة السياسية ، باعتبار الملك أميرا المؤمنين وحاميا لحمى الملة والدين، وضامنا لوحدة المغرب وسيادته ، وملكا لجميع المغاربة وحكما ” .
ج ـ التأكيد على أن ( المرجعية الإسلامية كانت ولا تزال تمثل الإطار الموحد للمغاربة بجميع فئاتهم ومكوناتهم) .
وهذه المطالب لا تخرج عن الإطار الذي حددته الحركة لنشاطها السياسي والمتمثل في دعم “الهوية الإسلامية” للدولة وللنظام المغربيين بما يعنيه من (دعم مبدأ إسلامية الدولة باعتباره معطى تاريخيا ومكسبا دستوريا ومبدأ غير قابل للمراجعة وإعطاؤه مصداقية في الحياة العامة ، بحيث يعلو على جميع بنود الدستور ويكون منطلقا في الحكم على دستورية القوانين والأحكام التي تصدرها المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية. إن الإقرار بإسلامية الدولة يقتضي اتخاذ الشريعة مصدرا أعلى لجميع القوانين كما يعني من الناحية العملية بطلان جميع القوانين والتشريعات والسياسات التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية )( الرؤية السياسية ـ حركة التوحيد والإصلاح). وجاء بيان الحركة ، بمناسبة مبايعتها للملك محمد السادس ، يؤكد على الأساس الذي تمت بمقتضاه البيعة كالتالي ( وإن حركة التوحيد والإصلاح، وهي تجدد تعازيها لخلفه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد بن الحسن.. تعلن تأييدها لجلالته وللبيعة التي تمت له ، على أساس العمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص) والطاعة في المعروف ، خدمة للمصالح العليا لشعبنا وبلدنا في إطار الإسلام وقيمه وشريعته ، سائلين الله سبحانه وتعالى بهذه المناسبة أن يوفق عاهلنا أميرا للمؤمنين وملكا للبلاد.. وأن تتعزز في عهده الهوية الإسلامية للدولة المغربية والشعب المغربي.. دولة إسلامية تتعزز ، المشروعية العليا فيها للشريعة). وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح ظلت وفية للأحكام الفقهية الحنبلية التي ظهرت جلية في موقفها من مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ، وفي طبيعة التعديلات التي قدمتها للجنة الملكية الاستشارية التي عينها الملك للنظر في اقتراحات الفاعلين السياسيين والحقوقيين والجمعويين بخصوص مدونة الأسرة ، فإنها ـ أي الحركة ـ تميزت عن جماعة العدل والإحسان وتنظيمات السلفية الجهادية بقبولها الانخراط في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات المحلية والتشريعية .
للحديث بقية .
selakhal@yahoo.fr
* كاتب وجامعي مغربي