رجّح المحامي محمد العلاقي، رئيس المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في ليبيا، أن تسلم السلطات التونسية البغدادي المحمودي، رئيس الوزراء في عهد معمر القذافي إلى ليبيا، لكنه استبعد أن “يتعرّض لِـما يمَـس من كرامته”.
وتوقع العلاقي في حديث خاص لـ swissinfo.ch أن يتم تسليم رئيس مخابرات القذافي عبد الله السنوسي إلى السلطات الليبية، في وقت لم يُحدده. غير أنه وجه نقدا شديدا للمجلس الإنتقالي، الذي وصفه بـ “الرعونة”، وهنا نصّ الحوار.
swissinfo.ch: هل المجلس الوطني للحريات العامة الذي تُشرف عليه مؤسسة أهلية أم حكومية؟
محمد العلاقي: أنشئ المجلس بمُـوجب قانون وِفق توجيهات باريس، التي حددت معايير (ستاندارد) من الأمم المتحدة لمثل هذه المجالس، وهو مجلس يتمتع بالشخصية المستقِـلة، ويديره مجلس إدارة مؤلَّـف من أحد عشر عضوا مستقِـلا، ولا يخضع لديوان المحاسبة ولا تتدخّل الدولة في شؤونه.
وأعتقد أن القانون الذي أنشئ بمقتضاه، هو من أفضل القوانين في العالم في هذا المجال. وللمجلس الحقّ في الطّعن في أي قانون أو قرار صادر عن الحكومة أو المجلس الانتقالي، إذا ما كان ماسا بالحقوق والمبادئ. أما بالنسبة للعلاقة مع الدولة، فهي تؤمن له ميزانية، لكنها لا تُـشرف على تسييره ولا تراقب موازنته.
ظروف الإعتقال، من أهم المسائل التي تهتم بها مجالس حقوق الإنسان، واليوم يتم تداول أرقام متفاوتة عن عدد المعتقلين في ليبيا. بكم تقدِّرون العدد في المجلس؟
محمد العلاقي: لا أستطيع إعطاء رقم محدّد. فالكثير من هؤلاء، مُحتجزون خارج السجون الرسمية، مما يجعل التأكد من الرقم، أمرا صعبا، إذ لا نعرف مَـن هم لدى وزارة الداخلية أو العدل، ومَـن هم لدى الجماعات. وهذه مسألة يجب حلّها، لأنها ستشكل نقطة سوداء في جبين الثورة. فكثير منهم تجاوزوا فترة الحبْـس الاحتياطي، هذا إن سلمنا بأنهم في سجون رسمية، لكنهم في الوقائع، عند كتائب مسلحة، وبالتالي، فعلى النيابة العامة أن تبسط سيطرتها على الأرض وتتحمّل مسؤوليتها كاملة ومعالجة الأمر بسرعة، لأنه ستنجرّ عنه مشاكل ما أنزل الله بها من سلطان، ولعلّ سبب انسحابي من الحكومة السابقة، هو هذا المُـشكل الكبير. فلا عدالة بلا أمْـن. ولا ننسى أن الثورة الليبية انطلقت من أمام قصر العدالة في بنغازي، بما تنطوي عليه تلك الرمزية من معانٍ.
لكن، هذه الكتائب المسلحة ما زالت خارج السيطرة؟
محمد العلاقي: بصراحة، المجلس الانتقالي والحكومة ساهما على حدِّ السَّـواء وإلى مدى كبير في استمرار الكتائب المسلحة، بدليل أنهما يقدِّمان لها الدعم ويمنحان 4000 أو 5000 دينارا لكل عنصر. فكيف تريدهم أن يتخلّـوا عن السلاح؟
الحكومة والمجلس الانتقالي غير جادِّين في استيعاب الثوار ضِـمن أسلاك وزارتيْ الداخلية والدفاع. أين كان يعمل هؤلاء الشباب قبل الثورة؟ ألَـم تكن لديهم أعمال؟ لماذا لا يعودون إلى أعمالهم أو دِراستهم؟ مَـن يدّعي أنه ثائر عليه، أن يُثبِـت ذلك. فالثورة انتهت بالمعنى العسكري، وأصبحنا أمام نزاعات للنَّـيل من الحريات العامة للناس. ويجب النظر إلى الثوار بوصفهم جزءا من حلٍّ وليسوا جزءا من مشكلة.
ألا ترى أن التداخل بين تلك المجموعات والقبائل هو السبب؟
محمد العلاقي: هذا ليس صحيحا. فالقبائل لا تدعَـم مسلّحين. فإذا كنتَ تتحدّث عن مرحلة الثورة، فقد شاركوا فِـعلا، لكن ليس لدينا ثُـوار قبائل. هُـم ثوار مُـدن دخلوا إلى العاصمة لدى تحريرها وسيطروا على المطار والبحر… وفي مصراتة، الثوار منظّمون ومنضبِـطون لسلطة المجلس العسكري المحلي. لكن أقول مع ذلك، لا أحد فوق القانون، مع التسليم طبعا بالدّور الفاعل للمدينتين، مصراتة والزنتان، إضافة إلى بنغازي إبّان الثورة، ثم في المحافظة على وِحدة ليبيا بعد انتصارها.
تحدّثت تقارير دولية كثيرة عن 7000 إلى 8000 مُحتجَـز وتعرّض بعضهم لسوء معاملة على ما يبدو، خاصة سكان تاورغاء. ما مدى صحة تلك المعلومات؟
محمد العلاقي: أعتقد أن هناك تضخيما. فقد حصلَـت فعلا تجاوُزات في إطار ثنائيات مصراتة / تاورغاء، الزنتان / المشاشية، زوارة / الجميل، غريان / الآصابعة… وألقت بظلالها على الوضع الراهن. لكن هناك معالجتيْـن لهذا الملف عبْـر المصالحة وعبْـر القانون. نحن نحتاج اليوم إلى تعليم الذين خسِـروا، معنى الاعتذار، والذين انتصروا معنى الصّفح، وبين الموقفيْـن يدور الحديث والجدَل عن المصالحة الوطنية. قد لا نكون جميعا شركاء في الثورة، لكننا شركاء في الوطن. وبتعميق هذه المعاني، سنصل إلى مصالحة وطنية حقيقية.
هل درَستم تجارِب سابقة في مجال المحاسبة والمصالحة، أسْـوة بما حدث في إفريقيا الجنوبية أو المغرب؟
محمد العلاقي: كانت أمامنا في وزارة العدل على أيام المكتب التنفيذي (الحكومة الانتقالية السابقة) تجارب كل من جنوب إفريقيا أو المغرب والشيلي والأرجنتين. وحتى من قبل، لدى محاولة حل مشكلة شهداء معتقَـل أبو سليم، وإن لم يكن القذافي جادّا في حلِّها، واستخلصنا من تلك التجارب أن هناك مَـن حاكم الظاهرة (الميز العنصري في جنوب إفريقيا) ومن حاكم المسؤولين والمتسبِّـبين وأصدر عقوبات في حقِّهم. أما نحن، فنحتاج إلى الاثنين معا. فلنبدأ بمعرفة الحقيقة، ثم المحاكمة ثم العفو عند الاقتضاء في المسائل التي لا يكون لوليِّ الأمر رأي فيها، انطِلاقا من وجود تقاليد اجتماعية في هذه المسائل “وإن تعفوا خيْـر لكم”.
عمليا، ماذا تحقّق من ذلك حتى الآن؟
محمد العلاقي: هناك لجنة تقصِّي الحقائق، وهي أحد أذرُع العدالة الانتقالية، والتي تتلقّى الشكاوى مباشرة أو تُحال إليها من النائب العام ووزير العدل ومَن حدَّدهم القانون.
وهل تستطيع مثل هذه الهيئات إنفاذ القانون في ظل وجود أكثر من مليونيْ قطعة سلاح؟
محمد العلاقي: رقمك غير دقيق، إذ يُقال والعُـهدة على الرواة، أن في طرابلس وحدها ستة ملايين قطعة سلاح .
بماذا تفسِّر التعقيدات التي ترافِـق العملية الانتخابية؟
محمد العلاقي: أعتقد أن العملية تعود إلى رعونة المجلس الانتقالي وإصراره على سَـنِّ بعض القوانين ذات العلاقة بالعملية الانتخابية. فقد صدر قانون الإنتخابات قبل قانون الأحزاب، وهو قانون لم يُفعل بعدُ، كما لم يُسَم أعضاء لجنة الأحزاب التي كانت ستكون نابعة من القانون، فتأسّست الأحزاب الحالية وِفقا لقانون الكِيانات السياسية. وهكذا توقّف قانون الأحزاب، لأنه لا يمكن للَّجنة أن تعمل، طالما لم يُسم أعضاؤها، والنتيجة أن هناك خلطا غير مبرّر بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، التي يُفترض أن لا تكون لها علاقة بالأحزاب السياسية، وأصبحنا نرى تحالُفات بين أحزاب ومنظمات أهلية، وهي ظاهرة لا يعرفها القانون ولا السياسة.
هذان القانونان (الانتخابات والكيانات السياسية)، جاءا متأخرين، إذ كان من المفروض أن يصدرا في آخر السنة الماضية. فنحن ماضون نحو انتخابات لإقامة دولة، لكن الفُـرص لم تكن متكافئة للجميع بعدما بدأ البعض يُؤسِّس الأحزاب باكرا. فالسباق لم ينطلق من نقطة واحدة، الأمر الذي سيُحدث خللا في المعادلة السياسية. ونحن في حزب الليبيين الأحرار، الذي أنتمي إليه، جنحنا في البداية إلى مقاطعة الانتخابات، ثم قرّرنا مشاركة رمزية كي لا نُـعرقل سيرها ونساهم في إنجاحها، حتى ننتقل لاحقا إلى جسم منتخب.
والجديد اليوم، هو الإعلان عن تشكيل لجنة لتسجيل الأحزاب، اعتبارا من يوم السبت 26 مايو الماضي، وِفقا لقانون الأحزاب، ما يعني أنه تمّ تفعيله ابتداء من ذلك التاريخ.
لكن، ما هي الضمانات في ظلِّ ما وصفته بعدم توازُن الفُـرص؟
محمد العلاقي: أقتبس عبارة من الكاتب الليبي عز الدين عقيل، الذي قال “إن توازن الرُّعب هو الذي يحافظ على سيْـر العملية الانتخابية”. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، الشعب الليبي متشوِّق إلى إجراء تجربة انتخابية والخلاص من سلطة الأمر الواقع، التي يراها غيْـر شرعية، لكن الظروف فرضتها واقعيا.
مرة أخرى، هل تتوقع أن تكون الانتخابات طبيعية في ظل الوجود الكثيف للجماعات المسلحة؟
محمد العلاقي: الانتخابات المقبلة، وهي أول تجربة من نوعها في الظروف التي نعيشها بعد الثورة، لن تعكس قوّة الأحزاب على الأرض، لأن الكثير منها قرّر المشاركة الرمزية، نتيجة قِـصَـر الفترة المتاحة. فالأساس في النتائج، لن يكون مدى انتشار الحزب أفُـقيا في مدن ليبيا. وكما قلت آنفا، فإن الضامن هو التوازن والإحتكام إلى العملية الديمقراطية.
متى ستشارك إذن هذه الأحزاب في المنافسات الانتخابية؟
محمد العلاقي: في انتخابات البرلمان المقبل. فهي ستظل تُعد نفسها منذ الآن إلى أن يحين موعد الإنتخابات بافتتاح الفروع في مناطق ليبيا. لكن دعني أشير إلى مفارقة تتمثّل في أن تأخّر المُشرِّع في سَـنّ القانون، جعل هذه الأحزاب لا تعقد جمعياتها العمومية. فرؤساؤها تمّ التوافق عليهم من بين المؤسسين، وليسوا منتَخَـبين. فكيف لها أن تطالب الناس بممارسة الديمقراطية وهي لم تمارسها داخليا؟ وعليه، لا يمكن القول بعد الانتخابات المقبلة أن التيار الليبرالي أو الإسلامي ساد أو انتصر، إذ لا يمكن اتِّخاذ تلك الانتخابات مقياسا لشعبية الأحزاب وقوتها.
هل تتوقع أن تسلّم السلطات التونسية رئيس الوزراء السابق البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية؟
محمد العلاقي: الحكومة التونسية ستسلِّـمه إلى سلطة منتَـخبة شرعيا، وهي سلطة المؤتمر الوطني، وهناك قراران قضائيان تونسيان يوجبان تسليمه للقضاء الليبي. ولا أعتقد أن السلطة التنفيذية التونسية ممثلة في رئيس الجمهورية ستنال من مصداقية القضاء التونسي، بل ستصادق على القرارين. فهذا أيضا اختبار لمدى احترام السلطة التنفيذية في تونس لقرارات السلطة القضائية. وربما تعود الخِشية التونسية والتأخّر في التسليم، إلى أن القضاء الليبي لم يبسط سيطرته على الأرض.
لكن، ما هي الضمانات بعدم تعرّضه للتعذيب وسوء المعاملة، أو الحكم عليه بالإعدام؟
محمد العلاقي: لماذا السؤال عن حُـكم الإعدام. القانون الليبي يعرف حُـكم الإعدام وهو مرتبِـط بنوع التُّهم، وإذا ما دقّقنا في التُّـهم الموجهة للمحمودي، والتي قدّمها النائب العام الليبي إلى القضاء التونسي، نلحظ أنه لا علاقة لها بالتُّـهم الموجبة للإعدام، إذ تقتصر على تهمتيْ التحريض على الاغتصاب واختلاس المال العام. وأعتقد أن السلطة القضائية في ليبيا، نظريا، مستقلة عن السلطة السياسية، ولا أتصوّر أن المحمودي سيتعرّض في ليبيا لما يمَس من كرامته، خاصة بعد إعداد سجن بمعايير دولية، من حيث الرعاية الصحية ونظام السجن، لاستقبال المساجين السياسيين.
وماذا عن عبد الله السنوسي؟
محمد العلاقي: تمت المطالبة بتسليمه، بناء على معاهدة الرياض، لكن أمام تعدّد المطالبات، ومنها المحكمة الجنائية الدولية، فإن القضاء الوطني له الأولوية وِفقا لنظام روما، إذا ما توافرت الرغبة والجدية، وبالتالي، فإنه يتقدّم على الطلبين، الدولي والفرنسي.
رشيد خشانة – الدوحة- swissinfo.ch