في الثامن من آب/أغسطس 2012، اتُهم ثمانية أشخاص من سكان الناصرة والغجر (قرية صغيرة تمتد عبر “الخط الأزرق” الذي رسمته الأمم المتحدة على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان) في محكمة جزئية إسرائيلية بمحاولة تهريب 20 كيلوغرام من المتفجرات إلى إسرائيل أحبطتها السلطات الإسرائيلية في أوائل شهر حزيران/يونيو 2012، حسبما نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”.
ووفقاً لما ذكره متحدث رسمي باسم “جهاز الأمن الإسرائيلي” (“الشين بيت”)، شملت المتفجرات ما يكفي من مادة C-4 لشن “موجة من الهجمات الخطيرة في إسرائيل”. وقد أوردت تقارير إعلامية على لسان السلطات الإسرائيلية قولها إن المتفجرات قد عبرت الحدود بمساعدة أحد سكان قرية الغجر، والشخص الذي قام بمساعدته معروف لدى السلطات، سواء بعلاقاته مع مهربي المخدرات أم «حزب الله».
وتدّعي الحكومة الأمريكية أن «حزب الله» متورط بشكل كبير في مخططات تجارة المخدرات وغسل الأموال. وفي كانون الأول/ديسمبر 2011 رفع مدعون عامون قضية مدنية في نيويورك تستهدف بعض الشركات الأمريكية واللبنانية التي يشتبه في تورطها في شبكة عالمية يديرها «حزب الله» لغسل ملايين الدولارات من عوائد الأنشطة الإجرامية من الولايات المتحدة إلى غرب أفريقيا، وفقاً لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”. وقد أصدر «حزب الله» بياناً ينفي فيه هذه المزاعم. ومع ذلك، تشير الأدلة المتاحة إلى أن الجماعة لها باع طويل في استخدام خطوط طولية لتهريب المخدرات عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية لأغراض ذات صلة بالعمليات العسكرية والتي من بينها مبادلة المخدرات بالمعلومات الاستخباراتية من مجرمين من عرب إسرائيل (وأحياناً من يهود إسرائيليين)، وكما توضح قضية حزيران/يونيو 2012 نقل أسلحة أو متفجرات عبر شبكات تهريب المخدرات.
ووفقاً لمقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الأول/ديسمبر 2011، فإن مشروعات «حزب الله» في تجارة المخدرات العالمية ليست جديدة ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية وسّع «الحزب» بشكل كبير من أعماله اللوجستية المرتبطة بتجارة المخدرات ومشاريع غسل الأموال وأضفى الطابع المؤسسي عليها إلى درجة أن عائدات الأموال من تجارة المخدرات قد زادت عن تلك التي تصله من كافة مجالات التمويل الأخرى مجتمعة ومن بينها نحو 200 مليون دولار أمريكي يُعتقد أنه يتلقاها سنوياً من إيران،
عبر المنطقة الأمنية والخط الأزرق
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت لبنان منتجاً رائداً في منطقة الشرق الأوسط للمخدرات غير المشروعة حيث كان يتم زرعها بصفة أساسية في سهل البقاع الشمالي، وفقاً لإحصائيات “مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة” UNODC)). وفي عام 1976، عندما دخل الجيش السوري إلى لبنان تردد بأن مسؤولين سوريين رفيعي المستوى أدركوا مدى ربحية إنتاج تلك المخدرات في سهل البقاع، وفقاً لتقارير الصحافة إسرائيلية، وعمدوا على زيادة نسبة الأرض المزروعة المخصصة لإنتاج المخدرات من 10 إلى 90 بالمائة في أقل من عقد من الزمن. وجاء تورط «حزب الله» في تجارة المخدرات في لبنان نتيجة لازدياد زراعة المخدرات لأغراض تجارية في سهل البقاع والتي استمرت طيلة أواخر السبعينيات.
وفي عام 1978، اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان في محاولة لدفع بعض المجموعات الإرهابية الفلسطينية بعيداً عن الحدود الإسرائيلية، وأسفرت تلك الحملة عن وصول القوات الإسرائيلية شمالاً حتى نهر الليطاني. وفي عام 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان مرة أخرى وأقامت هذه المرة “منطقة أمنية” على امتداد الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل في محاولة لمنع الهجمات عبر الحدود. ووفقاً لدراسة نشرتها “مجلة الدراسات الفلسطينية” عام 1984، باستنادها على بيانات رسمية وغير رسمية حول الصادرات في الفترة بين حزيران/يونيو 1983 وشباط/فبراير 1984، فقد صدَّرت إسرائيل رسمياً 60 مليون دولار أمريكي في شكل بضائع إلى لبنان خلال تلك الفترة. بيد، كانت الصادرات اللبنانية غير الرسمية إلى إسرائيل تقدر بـ 400 مليون دولار أمريكي من بينها حوالي 700 طن من الحشيش ونصف طن من كل من الهروين والأفيون والحشيش السائل.
وعقب تأسيس «حزب الله» في أوائل الثمانينيات، عمل هذاعلى تجنيد أعداد غفيرة من القبائل والعائلات من سهل البقاع حيث استفاد من الفتوى الدينية الصادرة في منتصف ذلك العقد والتي منحت مبرراً دينياً للأنشطة غير المشروعة والفاسدة للاتجار بالمخدرات. ووفقاً لتقرير من “مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأمريكي كُشف النقاب عنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، “صرح الزعيم الروحي لـ «حزب الله»” [تم حذف الاسم من التقرير الذي أُزيلت عنه صفة السرية] “بأن تجارة المخدرات مقبولة أخلاقياً في حالة بيعها للزنادقة الغربيين كجزء من الحرب ضد أعداء الإسلام”.
وبمرور الوقت انتقل تجار المخدرات اللبنانيون ذوي الصلة بـ «حزب الله» إلى جانب شركائهم المجرمين في إسرائيل، من مجرد توفير المال لـ «الحزب» وإلى استخدام تجارة المخدرات لأغراض ذات صلة بالعمليات العسكرية. والمثال المعبّر على ذلك هو شخص من عرب إسرائيل يدعى قيس عُبيد – نجل نائب رئيس المجلس المحلي السابق لمدينة الطيبه الذي يحظى بصلات قوية. ووفقاً لما ذكرته صحيفة “هآرتس” في عام 2002 أُلقي القبض في عام 1996 على عبيد وعلى يهودي إسرائيلي يدعى عوفر سكنيتمان، بتهمة التآمر لبيع ذخيرة إلى فلسطينيين في الضفة الغربية. وكانت قد اشتدت أواصر الصداقة والقرب بين عبيد وشخص ثاني يدعى محمد بيرو الذي كان ذات مرة مصدراً للمخابرات الإسرائيلية وحوّل ولاءه بعد ذلك إلى «حزب الله».
كما تقابل عبيد مع شخص إسرائيلي آخر يدعى الحنان تانينبوم كان قد تعرّف عليه للمرة الأولى عندما كانا أطفالاً، وحدث تقارب وتداخل بينهما من وقت لآخر عبر مسار حياتهما. وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن تانينبوم كان قد اشترك في تسعينيات القرن الماضي في أنشطة غير مشروعة متنوعة، كان بعضها مع عبيد. [وأثناء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان] وقّع تانينبوم على خدمة عسكرية احتياطية إضافية في جيش الدفاع الإسرائيلي.
إن ازدواجية وضع تانينبوم جعلته هدفاً جذاباً للاستغلال. كما أن رحلات العمل المتكررة إلى لبنان مكّنته من الاتصال بتجار المخدرات اللبنانيين، ولكن إغلاق الحدود الإسرائيلية اللبنانية عام 2000 بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان جعلت هذه التعاملات أمراً صعباً وأنهت فعلياً فرص الأعمال التجارية هناك. ووفقاً لتقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست”، اقترح عبيد على تانينبوم أن يشتركا الاثنان معاً في أعمال تجارية عن طريق الاستفادة من صلات عبيد في العالم العربي ومن قدرات تانينبوم في فن البيع. وفي تشرين الأول/أكتوبر عام 2000 غادر تانينبوم إسرائيل متجهاً إلى بروكسل، باعتقاده أنه سيقابل بعض الشخصيات التجارية ذات الصلة بعبيد لكن وردت تقارير بأنه فُقد هناك بعد أيام قليلة. وبعد ذلك بأقل من أسبوعين، أبلغ زعيم «حزب الله» حسن نصر الله مؤتمراً عقد في بيروت بأن «حزب الله» اختطف تانينبوم “في إنجاز نوعي جديد وفي عملية أمنية معقدة”، وفقاُ لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
وعندما سحبت إسرائيل قواتها من جنوب لبنان في أيار/مايو 2000، تُركت الغجر، القرية الصغيرة في شمال إسرائيل، في موقع فريد من نوعه تمثّل بعدم وجود سياج أمني على الجانب اللبناني. وقد كان الجانب الشمالي المفتوح موقعاً مثالياً للتهريب كسبت بموجبه الغجر سمعة بأنها الطريق الرئيسي لتهريب المخدرات.
ولعل الحالة الأكثر شهرة هي تلك التي وقعت في عام 2002 عندما اتهمت السلطات الإسرائيلية مقدماً بجيش الدفاع الإسرائيلي يدعى عمر الهيب بتقديم معلومات عسكرية حساسة مقابل الحصول على المخدرات والأموال. وقد خدم الهيب في جيش الدفاع الإسرائيلي لمدة 20 عاماً وكان الضابط الأعلى رتبة من المجتمع البدوي. وكثيراً ما كان يستشهد بـ الهيب، الذي فقد عينه اليمنى في انفجار حدث على جانب الطريق في عام 1996 عندما كان يطارد عملاء «حزب الله»، بأنه مثالاً لإمكانية تقدم عرب إسرائيل داخل الجيش الإسرائيلي. وفي عام 2002، جمعت الشرطة العسكرية الإسرائيلية أدلة تشير إلى أن «حزب الله» طلب من الهيب تقديم معلومات عن انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا وتوفير خرائط عن شمال إسرائيل ومواقع كمائن الدبابات وتفاصيل شخصية عن رئيسه في الجيش قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلية الفريق غابي أشكينازي. وفي 18 حزيران/يونيو 2006 أدين الهيب بتقديم معلومات حساسة لـ «حزب الله» وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً.
تجارة المخدرات في أمريكا الجنوبية.
بدأ «حزب الله» في التوسع في صناعة المخدرات في أمريكا الجنوبية في أوائل الثمانينيات إلا أنها زادت بشكل كبير في العقود التالية.
وكان «الحزب» يتلقى الدعم من الجالية اللبنانية في أمريكا الجنوبية، ومن ثم امتد تأثيره في أعمال تهريب المخدرات الدولية من سهل البقاع والحدود اللبنانية الإسرائيلية إلى نصف الكرة الغربي. وعلى وجه الخصوص، انخرط مؤيدو «حزب الله» والمتعاطفين معه في مشاريع نقل المخدرات في كولومبيا وفي المنطقة الحدودية الثلاثية الواقعة بين كل من البرازيل والأرجنتين وباراغواي، وبمرور الوقت توسعت تلك الأعمال وامتدت إلى فنزويلا وأماكن أخرى في أمريكا الجنوبية.
وبدأ الشيعة اللبنانيون المتورطون في تجارة المخدرات يعملون مع شركائهم المجرمين داخل الجاليات الشيعية اللبنانية في أمريكا الجنوبية. وفي النهاية أصبحت لبنان دولة ترانزيت لعبور الكوكايين والهروين عبر أراضيها.
وقد استفاد «حزب الله» من الانفلات الحدودي عبر منطقة الحدود الثلاثية للمشاركة في مجموعة واسعة من النشاطات غير المشروعة ولجمع التبرعات من داخل المجتمعات الإسلامية الكبيرة في المنطقة.
وفي التسعينيات؛ كان الكثير من عوائد «حزب الله» من المشاريع الإجرامية – بما فيها المخدرات – يدار عبر شبكة متمركزة في منطقة الحدود الثلاثية يترأسها أسد بركات. وفي عام 2001 داهمت السلطات الدولية مرتين محل بركات للاستيراد والتصدير في مركز “غاليريا پيج”Galeria Page التجاري في بارغواي، حيث شكل ذلك المحل بمثابة غطاء استخدمه بركات للنشاطات التي كان يقوم بها مثل الاستخبارات المضادة ومراقبة عمليات تزوير العملات وإدارة المخدرات وغيرها. أما شقيق أسد وشريكه في العمل حمدي أحمد بركات، فقد أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية على لائحتها السوداء في كانون الأول/ديسمبر 2006. ووفقاً لما جاء في بيان صحفي لوزارة الخزانة إن حمدي “هو عضو في «حزب الله» في منطقة الحدود الثلاثية ومتهم بالتورط في الاتجار بالمخدرات والدولارات الأمريكية المزورة والأسلحة والمتفجرات”. وفي الوقت نفسه، أضاف البيان بأن المساعد التنفيذي لبركات، صبحي محمود فياض، “كان مسؤولاً كبيراً من قبل «حزب الله» في منطقة الحدود الثلاثية وعمل كحلقة وصل بين السفارة الإيرانية ومجتمع «حزب الله» في منطقة الحدود الثلاثية.”
في عام 2006 أسفرت عملية “جمل” التي قادتها الشرطة الاتحادية البرازيلية عن إلقاء القبض على فاروق العميري – مواطن لبناني حصل على الجنسية البرازيلية بصورة غير قانونية – كان يقدم تسهيلات السفر لمهربي الكوكايين، وفقاً للتغطية الصحفية للموضوع في البرازيل. وقد سبقت عملية الاعتقال قيام وزارة الخزانة الأمريكية في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2006 بإدراج أمر العميري على أنه عميل لـ «حزب الله»، بالإضافة إلى شريكه في الأعمال التجارية محمد عبد الله.
إن الطبيعة الدقيقة للروابط العملياتية بين الأنشطة الإجرامية والقضايا الإرهابية لم تصبح متضحة إلا بعد وقوع الحادث المعين في بعض الأحيان، مثل تلك القضية التي أعقبت إلقاء القبض على مروان القاضي (الملقب مروان الصفدي) عام 1996 والذي اعتقله عملاء أمريكيون بعد تعقبه، لكونه شريكاً في مؤامرة لتفجير السفارة الأمريكية في أسونسيون – بارغواي.
وفي حزيران/يونيو 2005، نجحت الشرطة الإكوادورية في اكتشاف عملية لتهريب الكوكايين يديرها أفراد من مجتمع الشتات اللبناني كانت لهم يد في أنشطة جمع التبرعات لصالح «حزب الله». وقد ترأس المدعو راضي زعيتر شبكة للمخدرات من إحدى المطاعم الشرق أوسطية شمال كويتو حققت مبيعات بلغت مليون دولار أمريكي للشحنة الواحدة من الكوكايين المهرب إلى أوروبا وآسيا. وقد وردت تقارير بأن العملية جندت أيضاً مسؤولين في المطار عملوا على تمرير بضائع أعضاء شبكة المخدرات من نقاط التفتيش الأمني في المطار، وفقاً لوكالة “أسوشيتد برس”.
وفي نيسان/أبريل 2009 ألقي القبض على 17 فرداً في جزيرة كوراساو الهولندية في البحر الكاريبي لتورطهم في “شبكة مخدرات متصلة بـ «حزب الله»”، وفقاً لوكالة “أسوشيتد برس”. وفي بيان لهيئة الإدعاء الهولندية صدر بعد تلك الاعتقالات صرحت الهيئة بأن “للمنظمة اتصالات دولية بشبكات إجرامية أخرى مولت [عمليات] «حزب الله» في الشرق الأوسط. وهناك مبالغ طائلة تم ضخها في لبنان حيث كانت تصدر منها أوامر لشراء الأسلحة التي كان من المفترض أن يتم تسلمها من أمريكا الجنوبية.”
أما أهم عملية لوقف تهريب «حزب الله» للمخدرات حتى الوقت الحالي فقد كانت تلك المسماة “تيتان” [أو العملاق] وهي عبارة عن تحقيقات امتدت عامين حول عملية لتهريب الكوكايين وغسل الأموال في كولومبيا يديرها أحد رموز «حزب الله» يدعى شكري حرب (الذي استخدم الاسم الحركي “طالبان”). ففي حزيران/يونيو 2007 قابل عميل سري من “إدارة مكافحة المخدرات” الأمريكية شكري حرب في بوغوتا وعن طريقه علم بعض التفاصيل عن الطرق التي يستخدمها حرب ومن بينها طريق تهريب الكوكايين براً إلى سوريا عبر أحد موانئ الأردن.
ومع تقدم عملية التحقيقات أصبح العميل السري قريباً بما يكفي من المنظمة ليصبح إحدى الكيانات التي تغسل لها الأموال. وقد قام العميل بغسل نحو 20 مليون دولار أمريكي مما مكن “إدارة مكافحة المخدرات” من تعقب الأموال ورسم الكثير من عمليات المنظمة. ولكن قبل أن يفصح حرب للعميل السري من “إدارة مكافحة المخدرات” عن صلته بـ «حزب الله» توقفت العملية، بسبب خلافات داخلية بين الوكالات، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”.
وقد ألقى العملاء الأمريكيون والكولومبيون القبض على ما يزيد عن 130 مشتبهاً به وصادروا 23 مليون دولار أمريكي، وقد تردد بأن شبكة حرب كانت تدفع 12 في المائة من أرباح المخدرات لـ «حزب الله». وعلى الرغم من انهيار عملية التحري إلا أنه تمت إدانة حرب بتهمة تهريب المخدرات وغسل الأموال.
التهريب على طول ‘الطريق السريع 10’
يعتبر خط المخدرات الأفريقي إحدى الوسائل المربحة على وجه الخصوص في تمويل الإرهاب. وفي أواخر شباط/فبراير 2012 أبلغ رئيس “مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة” يوري فيدوتوف مجلس الأمن الدولي: “… نحن نقدر بأن تجارة الكوكايين في غرب ووسط أفريقيا تحقق نحو 900 مليون دولار أمريكي سنوياً.”
ومع ذلك، لا تنشأ هذه المخدرات في أفريقيا. فالمهربون يعبرون الآن المحيط الأطلسي على طول طريق الترانزيت الذي ظلت تسير فيه السفن منذ أوائل القرن العشرين على امتداد خط العرض 10، الذي يطلق عليه بجدارة “الطريق السريع 10” ويقومون بنقل المخدرات عبر أضيق نقطة في المحيط بين أمريكا الجنوبية وغرب أفريقيا.
وتمر المخدرات القادمة من البرازيل وكولومبيا وفنزويلا – وبعض البلدان الأخرى في أفريقيا – عبر غينيا بيساو في طريقها إلى جنوب أوروبا، وفقاً لـ “تقرير الاستراتيجية الدولية لمكافحة المخدرات” لعام 2010 الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية.
ويرتبط بعض من هذه الأنشطة على الأقل بـ «حزب الله» وغيره من الجماعات الإرهابية. ووفقاً لما جاء في تقرير لـ”مركز بولتيزر” نقلاً عن تقارير وكالة الانتربول والأمم المتحدة من حزيران/يونيو 2009 أن “تجارة الكوكايين المتداولة من خلال حسابات في غرب أفريقيا تمثل جزءاً كبيراً من دخل «حزب الله»” وغيره من الجماعات الإرهابية. ويستغل «حزب الله» مجتمعات المهاجرين الشيعة اللبنانيين في أمريكا الجنوبية وغرب أفريقيا من أجل “ضمان نقطة اتصال فعالة بين كلتا القارتين”.
لقد ظهرت فضيحة مثيرة حول النطاق الشامل لكل من مشكلة المخدرات الأفريقية ودور «حزب الله» فيها في 26 كانون الثاني/يناير 2011 عندما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية تاجر المخدرات اللبناني أيمن جمعة على لائحتها السوداء بالإضافة إلى تسعة آخرين و19 شركة متهمة لتورطهم في تهريب المخدرات ومشاريع لغسل الأموال كانوا ضالعين فيها. ووفقاً لبيان صحفي صادر عن وزارة الخزانة كانت منظمة جمعة حقاً عابرة للحدود في طبيعتها، ولها صلات إجرامية وشركات تغطية في كولومبيا وبنما ولبنان وبنين وجمهورية الكونغو. وكشف تحقيق شامل لـ “إدارة مكافحة المخدرات” أن جمعة كان يقوم بغسل مبالغ تصل إلى 200 مليون دولار أمريكي في الشهر من مبيعات الكوكايين في أوروبا والشرق الأوسط من خلال العمليات الكائنة في لبنان وغرب أفريقيا وبنما وكولومبيا مستخدماً شركات الصرافة وتهريب الأموال النقدية الكبيرة وغير ذلك من الخطط، وفقاً لبيان وزارة الخزانة الأمريكية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2011 اتُهم جمعة بالتخطيط لتوزيع الكوكايين والتآمر لارتكاب عمليات لغسل الأموال، ولا يزال طليقاً.
“ورقة التفاهم” في.. المخدرات!
وهناك عميل بارز آخر لـ «حزب الله» متورط في غسل الأموال عبر أفريقيا، وفقاً لمسؤولين أمريكيين، وهو أوسام سلحب Oussam Salhab. وتفيد وثائق المحكمة التي جمعت أثناء تحريات “إدارة مكافحة المخدرات” بأن سلحب هو “عميل لـ «حزب الله» يدير – من بين أمور أخرى – شبكة من شركات نقل الأموال قامت بنقل ملايين الدولارات نقداً من غرب أفريقيا إلى لبنان”. ولا يعرف بالضبط مكان وجوده حالياً ولكن يعتقد أنه في توغو. وهناك شخص قريب الصلة من سلحب يدعى مارون سعادة – ينتمي إلى “التيار الوطني الحر” وهو منظمة لبنانية مسيحية متحالفة مع «حزب الله» – يدير منظمة كبرى منفصلة للاتجار بالمخدرات تربطها صلة بـ «حزب الله» في أفريقيا، وفقاً لما جاء في وثائق المحكمة. وفي شباط/فبراير 2011 اتُهم سعادة، إلى جانب عدة متهمين آخرين، بضلوعه بالإرهاب المتصل بالمخدرات وتهم أخرى متعلقة بالاتفاق المنسوب إليه حول بيع الكوكايين لأشخاص علم أنهم ينتمون إلى حركة “طالبان”، وعلى نقل وتوزيع هروين مملوك لـ “طالبان” في غرب أفريقيا.
وفي حالة أخرى، رشى سعادة مسؤولين لكي يقوموا بغلق عمليات تحقيق حول أنشطة تتعلق بتجارة المخدرات كان عماد زبيب ضالعاً فيها، وهو الذي وُصف في وثائق محكمة أمريكية بأنه “ممثل بارز لـ «حزب الله» في توغو”. ووفقاً لما أشار إليه مسؤولون أمريكيون ورد ذكرهم في هذه الوثائق، فإن زبيب هو شخص قريب الصلة بسلحب، كان قد نقل أحمالاً تتألف من إثنين إلى ثلاثة أطنان مترية من الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى توغو، وكان يخفي اللفافات في سيارات مستعملة تم شراؤها من لوطات يمتلكها، ونقل بواسطتها المخدرات لبيعها في أوروبا.
ووفقاً لمدير “إدارة مكافحة المخدرات في لبنان” اللواء عادل مشموشي فإن إحدى الطرق التي كانت ترسل عن طريقها المخدرات إلى لبنان هي من خلال وضعها على متن طائرات “الخطوط الجوية الإيرانية” في رحلتها الأسبوعية من فنزويلا إلى دمشق ثم نقلها براً بالشاحنات إلى لبنان. وقد أكد مسؤولون أمريكيون عند مناقشة ذلك الطريق أن “هذه العملية لا يمكن أن تتم دون اشتراك «حزب الله» فيها”، وفقاُ لم ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الأول/ديسمبر 2011.”
وفي عام 2006 اتُهم المهاجر اللبناني من منطقة ديترويت في ولاية ميشيغان الأمريكية عماد حمود من بين 18 آخرين بقيامه وشركائه بإحضار ما يزيد عن 90000 من حبوب الفياغرا غير الأصلية كانت قد استوردت من الصين على مدار ثلاثة أشهر، ولم يتم القبض على حمود حتى الآن.
إن ضلوع مجموعات إرهابية مثل «حزب الله» في أعمال الاتجار بالمخدرات يعتبر إلى حد بعيد عاملاً يعزز عدم الاستقرار وانعدام الأمن على الحدود. وإن لم يكن هذا الأمر راجعاً إلى قدرة تلك المجموعات على نقل منتجات عبر حدود الدول، فقد تمثل صناعة المخدرات مخاطر تزيد على ما تمثله من قيمة.
ويبدو العكس صحيحاً في الوقت الراهن. ففي حزيران/يونيو 2010 أرسلت عضوة مجلس النواب الأمريكي عن ولاية كارولينا الشمالية سو ميريك خطاباً إلى وزيرة الأمن الوطني الأمريكية جانيت نابوليتانو حثت فيه وزارتها على أن “تقوم بجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية عن تواجد «حزب الله» على حدود الولايات المتحدة”. وأبدت ميريك قلقها الخاص من تواجد «حزب الله» وأنشطته واتصالاته بالعصابات ومنظمات المخدرات. وقد زادت الروابط بين «حزب الله» وعصابات المخدرات بشكل كبير وخاصة على طول الحدود الأمريكية المكسيكية. وفي خطابها اقتبست ميريك ما قاله مساعد المدير السابق ورئيس عمليات “إدارة مكافحة المخدرات” مايكل براون بأن: “«حزب الله» يعتمد على نفس مهربي الأسلحة المجرمين وتجار الوثائق وخبراء النقل التي تعتمد عليهم منظمات تجارة المخدرات… فهم يعملون معاً؛ ويعتمدون على نفس الوسطاء غير المعلومين. وبطريقة أو بأخرى يرتبطون جميعهم سوية.”
وقبل سنوات نشرت “وكالة الاستخبارات الأمريكية” تقريراً (تم الكشف عنه في نيسان/أبريل 2012 وحذف منه تاريخ إصداره الأصلي) عن “الصلات الممتدة بين مهربي البشر والمتطرفين: تهديدات تواجه الولايات المتحدة”. وورد في ذلك التقرير الذي رُفِعت عنه السرية: “أن المسافرين المرتبطين بجماعات إرهابية مختلفة – بما في ذلك «حزب الله» و«حماس» و«منظمة الجهاد الإسلامي» المصرية – ينصهرون في شبكات تهريب البشر الدولية لتعزيز تحركاتهم حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.”
وهذه الشبكات تتيح الآن لـ «حزب الله» – فضلاً عن غيره من الجماعات الإرهابية ومنظمات الاتجار بالمخدرات – القدرة على جمع مبالغ طائلة من المال عن طريق تهريب المخدرات وغسل الأموال.
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للإستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومؤلف الكتاب القادم “«حزب الله»: التأثير العالمي لـ «حزب الله» اللبناني”.