“تتقدم الشاحنة البيضاء المطلية بألوان الصليب الأحمر ببطء. وتجتاز حاجزاً معدنياً أول يحرسه جنود إسرائيليون. ثم حاجزاً ثانياً يُقفِل خلفها، لتجد أمامها باباً من الحديد المشبك: هكذا تصبح الشاحنة في ما يشبه باحة أمنية. وسرعان ما يجد السائق الكيني نفسه محاطاً بكلاب بوليسية وبجنود مجهزين بأجهزة كشف إلكترونية. ويقوم الجنود بتفتيش السائق وبالكشف على حمولته. وبعد الإنتهاء من عمليات الكشف هذه يرتفع الحاجز في الجهة السورية من الحدود”.
ويتابع مراسل جريدة “لوموند” الفرنسية، “لوران زكيني”:
هنا تنفتح الطريق لبضع مئات من الأمتار: وبعد ذلك يتم تفريغ الحمولة لإعادة تحميلها على شاحنات سورية تتّجه نحو دمشق. إن نقاط التفتيش التي اجتازتها الشاحنة ثلاثة: الأولى يدعى “ألفا” وهو نقطة إسرائيلية. والثاني يدعى “تشيك بوينت تشارلي”، وهو يخضع لسلطة القوة الدولية المكلفة بمراقبة إتفاقات فك الإرتباط في الجولان. وأخيراً النقطة “برافو” التي يحرسها الجيش السوري.
إن الشاحنات هي جزء من “عملية إنسانية” تتم تحت رعاية “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”: وهي تنقل تفاح “غولدن” وغراني سميث” و”ستاركنغ” من إنتاج دروز الجولان.
وقد بدات العملية في العام ٢٠٠٥. ففي تلك السنة كان المحصول إستثنائياً، الأمر الذي جعل من الصعب على المزارعين الدروز تصريف إنتاجهم في السوق الإسرائيليين المتخم بإنتاج المستوطنين الإسرائيليين في الجولان.
وعندها، شكل المزارعون الدروز وفداً لزيارة “قريات شمونة” في شمال إسرائيل، لمقابلة مدير منطقة الجليل في وزارة الزراعة الإسرائيلية. وقال الوفد للمدير الإسرائيلي: “إذا اتصلنا بالسلطات السورية لنبيعها تفّاحنا، فهل تقبلون بمساعدتنا؟” وبعد تفكير، وافق الإسرائيليون على الطلب لأن تصدير التفاح الدرزي يرفع أسعار التفاح الذي يبيعه المستوطنون الإسرائيليون.
١٨ مليون دولار ثمن “الولاء”!
هكذا تستمر منذ العام ٢٠٠٥- مع انقطاع في العامين ٢٠٠٨ و٢٠١٢- هذه التجارة الحدودية التي تظل شبه رسمية لأن إسرائيل ما زالت، رسمياً، في حالة حرب مع سوريا.
ويقول مدير منطقة الجليل في وزارة الزراعة الإسرائيلية، ويدعى “أمير أنتلير” وهو يعرض ملفات سميكة: “كل شيء مدوّن هنا، وعند السوريين أيضاً في ما يبدو. المضحك أن ملفات السوريين كلها بخط اليد، وكل منها يحمل ٢٠ توقيعاً على الأقل”!
وقد استؤنفت صادرات التفاح الدرزي لسوريا للسنة الحالية في يوم ٥ آذار/مارس. ويتوقع أن تجتاز الحدود، خلال ٣ أشهر، ١٨ ألف طن من التفاح. وبسعر دولار واحد للكيلو، فإن المزارعين يجنون ١٨ مليون دولار. ويقول “أمير أنتلير”: “يستخدم بشار الأسد الموضوع لإظهار دعمه السياسي والوطني لـ٢٠ ألف درزي يعيشون في الجولان ويحملون الجنسية السورية”.
وفي “مجدل شمس”، وهي عاصمة دروز الجولان، فإن “سلمان فخر الدين”، الذي يدير “مركز حقوق الإنسان في الجولان” يؤكّد التحليل السابق: “العملية تسمح لبشار الأسد بأن يُظهِر بأن بلاده تظل تعمل بصورة طبيعية رغم الحرب”. ويبدو أنه نجح بإقناع الناس في الجولان. “فالناس هنا مقتنعون بأن الفضل يعود لبشّار في أن الوضع الإقتصادي مقبول”.
مع ذلك، فإن “مجدل شمس” التي تقع على خط الحدود مع سوريا نادراً مع تنعم بليالي هادئة منذ بضعة أشهر بسبب كثرة الإنفجارات التي اعتاد الناس سماعها.
وقد اقترب القتال بين الجيش السوري والثوار من الحدود، كما تشهد القذائف التي تقع في الجانب الإسرائيلي بين حين وآخر، أو عملية خطف ٢١ من الجنود الدوليين الفيليبينيين في ٦ مارس.
ولكن، أين تذهب الشاحنات السورية؟
يقول “أسعد صفدي”، الذي يعمل للصليب الأحمر: “سوريا تنتج نصف مليون طن من التفاح سنوياً، ولذا فهي قادرة على الإستغناء عن “غولدن” الجولان.”
وحسب الشائعات المحلية، فإن تفاح الدروز يُصدّر إلى بلدان الخليج، والمملكة العربية السعودية، وكذلك إلى إيران التي تعود منها الشاحنات محملة بالأسلحة. في أي حال، السوريون يدفعون ثمن التفاح كاملاً، وبالدولار، عند بوابة “تشارلي”.