في قاعة الإستقبال في الفيلا التي كانت منزل والدهم الراحل الجنرال عبد الفتاح يونس أطلق أبناء الراحل الثلاثة إنذاراً: “إذا لم تُنشَر نتائج التحقيق في مقتل والدنا بالكامل بحلول اليوم الرابع للعيد، فإننا سوف نتصرّف”! وحيث أن “عيد الفطر” حلّ في يوم ٣٠ أغسطس، فإن إنذار عائلة الجنرال المقتول ينتهي في ٣ سبتمبر. وقد وعد “المجلس الوطني الإنتقالي” بأن ينشر نتائج التحقيقات القضائية. وكان المسؤول العسكري للثورة، الجنرال يونس، قد قتل في يوم ٢٣ يوليو، في بنغازي. ومنذ ذلك التاريخ يطالب أولاده الثلاثة بمعرفة الحقيقة كاملة. ويقول الثلاثة، وهم “حسام” (ممرض)، و”طارق” (مهندس)، والمعتصم (يدرس الطب) أن الإنذار ليس بإسمهم وحدهم: “أكثر من مئة قبيلة معنا”.
زعماء قبائل
الواقع أن ١١٩ من ممثلي أكبر التجمعات القبلية الليبية كانوا قد وقّعوا عريضةً بهذا المعنى في مطلع أغسطس. وطالب الموقّعون بتحقيق شفّاف في مقتل الجنرال وبدمج كل “الميليشيات” تحت قيادة موحدة. ويساند ممثلو القبائل الموقّعون جميعهم قبيلة “العبيدات” التي كان عبد الفتاح يونس ينتمي لها. وكان عدد من أبناء “العبيدات” قد نزلوا إلى شوارع “بنغازي” بالسلاح بعد ايام من مقتله. ولتهدئتهم، فقد عمد المجلس الوطني الإنتقالي إلى نشر ملصقات تشيد بالجنرال الراحل في كل أنحاء “بنغازي”. ولكن القبائل تطالب بأكثر من ذلك. وعلى غرار أبنائه الثلاثة، فإن القبائل تعتقد أن سبب اغتيال عبد الفتاح يونس كان سعيه إلى ضبط جميع الميليشيات، علماً أن بعض تلك الميليشيات يتبع قيادات من “الإسلاميين”.
ومع أنهم لا يريدون استباق نتائج التحقيقات، فإن أبناء عبد الفتاح يونس يعتقدون أن “الإسلاميين” كانوا يتمتعون بدعم من بعض قيادات “المجلس الوطني الإنتقالي”. ويقول الأبناء أنه، في يوم مقتله، تم ّ استدعاء عبد الفتاح يونس من الجبهة بأمر من نائب رئيس حكومة الثورة، “علي عيساوي”، الذي تم إعفاؤه من منصبه بعد ذلك. وكان رئيس المجلس، “مصطفى عبد الجليل”، قد اعلن بعد الإغتيال أنه لم يكن على علم مسبق باستدعاء يونس.
وقد وقع “يونس” في فخ، حسب أقوال إبنه “طارق” الذي يقول: “اتصل بي من سيارة، وقال لي أنه تمّ اعتقاله من جانب قوة تضم ٤٠٠ رجل وأنهم كانوا بصدد نقله إلى بنغازي. وقد نُقِلَ إلى الجامعة، التي كانت تُستَخدم كقاعدة عسكرية للميليشيات، وكانت تلك آخر مرة رأيناه فيها على قيد الحياة”.
تعرّض لتعذيب رهيب
تم العثور على جثّة الجنرال يونس في اليوم التالي. وتفيد التقارير الطبية أنه تعرض لتعذيب رهيب. هل كان تعذيبه وقتله عملية إنتقامية قام بها بعض ضحايا أعمال القمع التي أمر بها يونس في بنغازي في عهد القذافي؟ ليس صعباً التكهّن بالدوافع، ولكن أبناء الجنرال المغدور يؤكدون أن المقصود بالإغتيال كان القائد العسكري للثورة وليس وزير الداخلية السابق. وحسب اقوالهم، فإن والدهم سقط ضحية صراع على السلطة. ويشير الأبناء إلى أن السلطة الليبية الجديدة تضم “إسلاميين” عديدين، سواء من “الإخوان المسلمين” أو من قدماء “الجماعة الإسلامية المقاتلة”، وهي حركة “جهادية” كانت قد تعرّضت لقمع عنيف من جانب سلطة القذافي في منطقة بنغازي، في سنوات التسعينات. إن احد قادة هذه الجماعة ظهر مؤخراً بصفة الحاكم العسكري لطرابلس. وقد أقسم على توحيد جميع الميليشيات ضمن جيش واحد. ولكن عملية التوحيد هذه لم تتحقّق في شرق ليبيا على الأقل. وفي مركز متقدم في “نوفيليه”، على الطريق إلى “سرت”، تتعايش نواة الجيش الثوري الجديد مع “ملتحين” مقلّين في الكلام.
خيط قطري!
إن مقتل الجنرال عبد الفتّاح يونس يمثل نقطة تقاطع الخلافات بين “الملتحين” و”المجلس الوطني الإنتقالي” و”القبائل”، التي تمثّل توجهات سياسية محافظة وليس متطرفة.
ولا ينحصر الإستياء والشكوك ضمن حدود ليبيا.
فالوثيقة التي وقّعها ١١٩ ممثلاً للقبائل تطالب، كذلك، بتشكيل “جيش للبلاد، وليس جيشاً يسيطر عليه أحد من خارج البلاد”! ويوجّه أحد أبناء عبد الفتّاح يونس إتهاماً محدّداً: “لقد استأثرت الميليشيات بـ٩٠ بالمئة من الأسلحة التي سلّمتها قطر إلى الثوار”! وكانت قطر قد ورّدت عدة شحنات أسلحة بالطائرات غالباً، وبمعرفة حلف الأطلسي.
وبغض النظر عن مدى صحة الشكوك، فإنها راسخة في أذهان قبيلة عبد الفتاح يونس من “العبيدات”، وفي أذهان أبناء القبائل المؤيدة لهم. ويصادف أن موعد انتهاء إنذار “العبيدات ” للمجلس الإنتقالي هو نفس موعد إنتهاء الإنذار الموجّه لـ”سرت” للإستسلام. وسيمثّل ذلك لحظة صعبة لـ”بنغازي”.
كتب التحقيق “بيار بريير”، ميعوث جريدة “الفيغارو” الفرنسية في بنغازي