إلى : أطفال كنيسة سيدة النجاة – بغداد: الشمس لتشرق كل يوم..
“… إن التسامح لا يرضيني. فأنا لا أرغب أن يتسامح معي الآخرون، بل أطالب بأن يعتبروني مواطناً كامل الحقوق مهما كانت معتقداتي ”
من كتاب “الهويات القاتلة” لأمين معلوف
*
لماذا حي ” فلاشينغ”؟ ولماذا نحتاجه الآن؟ ليس في اليمن وحسب، بل وفي الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث عامة..
هناك أحياء ومدن عالمية صنعت لوحة إنسانية رائعة تحاكي إنسانية الإنسان بعيداً عن أثقال الهوية والدين، والثقافة، والمعتقد.. الخ. إنها المدن القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل انطلاقاً من التعايش بين الجميع “لكم دينكم ولي دين” هذه المدن أصبحت رمزاً يشار اليها بالبنان، في التعددية الدينية كحي “فلاشينغ” في نيويورك، ومدينة “قازان” عاصمة جمهورية “تتارستان” في روسيا الاتحادية.. الخ.
لقد صنعت هذه الأحياء والمدن، المختلف والمتعدد بالحق في التعايش بعمليات صعبة وشاقة للوصول إلى ما وصلت إليه. وبرهنت على أن التعايش صناعة ومِراس. وعلى العكس من ذلك استنفرت الإيديولوجيات المهجوسة بـ: العرق، ،والهوية، والدين، واللون والمعتقد.. الخ وأدخلت الإنسانية في لجة المذابح والمجاعات والإفناء، لينتهي المطاف: الذابحون والمذبوحون، لا يدرون لماذا اختلفوا، ولماذا تقاتلوا وأبادوا بعضهم البعض، ولماذا صاروا إلى هذه النتيجة الوحشية؟
لا شك ان الإصغاء لصوت الغرائز والإنجرار خلفها بهستيريا منفلتة كان على الدوام ينعش نوازع التطهير، والإبادة والإلغاء تحت شعارات دموية: المقدّس، والإلهي.. الخ والأحقية في تمثيل الملك، والمملكة (الله) على الأرض.
لذا يحاول العديد من المواطنين الذين لُسعوا واكتووا بهذه المذابح الدامية، أن يبادروا ويغامروا بصناعة المتعدد والمختلف. فصنعوا حيّاً يستوعب كل ذلك.. أنه حي ” فلاشينغ” في “كوينز” – نيويورك – منهاتن في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث المواطنة المتساوية، أو كما أعجبني هذا التعبير (“المواطنة المبصرة”)..
حي “فلاشينغ” ليس حياً واسعاً في مساحته، ولكن واسع بمحبة الإنسان لأخيه الإنسان، وبسعة محبة هذا الكون بكل كائناته وألوانه. فمساحته كما يقال لا تزيد عن 6,5 كيلو متر، تتعايش ديانات مختلفة حيث تضم 200 مكان للعبادة، يحتضن في طياته: الكنيسة، والمسجد، والكنيس اليهودي، والعديد من المعابد الهندوسية، والهياكل، وغير ذلك من تفرعات الديانات الأسيوية، “السيخ”، وأفراد الطائفة الطاوية / التاوية، والبوذية.. الخ من الديانات الأخرى.
في حي ” فلاشينغ” يعيش ويتعايش السكان من مختلف أجناس العالم، وكل بديانته وثقافته، لكن ألا يزعج أي طرف الطرف الآخر في ممارسة الطقوس..
كيف أتى هذا التعايش إلى الحي الصغير:
تذكر الأحداث التاريخية، أنه في عام 1657 تقدم سكان “فلاشينغ” (عددهم ثلاثون شخصاً) بوثيقة موقعة بأسمائهم، لحاكم مستعمرة نيويورك، وهو هولندي (حيث كانت نيويورك آنذاك مستعمرة هولندية) وهي وثيقة احتجاجية ونصها: ” دعم الحرية الدينية والسماح بالتعددية الدينية، بحسب التشريع الهولندي، بدون تدخل ومضايقة من أي حاكم أو مسئول إكليركي “كنسي”.
وتعد تلك الوثيقة المُحتفى بها حالياً من أقدم الوثائق والأهم في تاريخ الوثائق التي تفتخر بها الإنسانية والتي صيغت كما يقال بأسلوب أدبي شيق..
مطلب المواطنة في ذلك الزمن قبل أكثر من 350 عاماً وفي ذلك الحي الذي اجتمعت فيه أكثر من 16 لغة، وكلهم ينتمون لإثنيات وديانات مختلفة أتوا من مختلف أنحاء العالم، وتحقق مطلب التعايش من خلال تجربتهم التي جعلت من هذا الحي نشطاً جداً في التجارة والفنون، والثقافة بمفهومها الإنساني الأوسع، انه حي فلاشينغ حيث الحركة المتواصلة، والازدحام بحركة المشاة من كل الأجناس والألوان المختلفة.
في بلادنا.. ما أحوجنا إلى حي فلاشينغ:
فما أحوجنا لمواطنين ومثقفين في بلادنا “اليمن الحبيب” وفي مختلف الوطن العربي لـ”مغامرة الوثيقة ” للمطالبة الى هكذا حي، بل وأحياء، ومدن للتعايش، خصوصاً وقد اكتوى الإنسان العربي بنيران أيدلوجيات الهويات المتناحرة في المعتقد والدين والهوية واللون – برغم أن معظم السكان يدينون بالإسلام. أما الإثنيات والطوائف المختلفة، فكل يوم نسمع ونرى ما تقشعر له الأبدان، وأخرها ما حدث في كنيسة سيدة النجاة، في بغداد، ومن تلك المهلة التي قدمتها الجماعات الأصولية المنفلتة للأخوة المسيحيين لإخلاء العراق، وتصفيتهم نهائياً!!!
ما أحوجنا نحن العرب وفي كل مدينة إلى أحياء مثل حي “فلاشينغ” وما أحوجنا، أكثر وأكثر وأكثر إلى وثيقة التعايش والتسامح في مدارس أطفالنا ومناهجهم المدرسية ليس في اليمن فحسب، بل ولكل العالم العربي..
إنها أمنية بمطلع العام الجديد 2011…
arwaothman@yahoo.com
* كاتبة يمنية- صنعاء
إضغط لقراءة نصّ “إحتجاج سكان بلدة فلاشينغ المقدّم إلى الحاكم ستويفسنت، في 27 ديسمبر، 1657”:
الإمام الأوزاعي يدافع عن نصارى جبل لبنان
تعايش المختلف.. أمنية في مطلع 2011: ما أحوجنا إلى حي “فلاشينغ” – عدد العرب الذين قتلوا اثناء الاحتلال السوفيتي لافغانستان لعشر سنوات لا يتجاوز (150) فرد على ابعد تقدير , مقارنة بمليون افغاني .. لا بل بقوا منذ البداية وحتى الآن على هوامش افغانستان الحدودية ولم يتوغلوا لأكثر من بضعة اميال في الداخل الافغاني .. فكل الذين قتلوا واعتقلوا او “اختبأوا” بعد الاحتلال الامريكي , تم ذلك على الاراضي الباكستانية وذلك حقيقة بدهية ومنطقية ولكن غير مفكر بها “عربيا” .. مناسبة هذا القول , ان قندهار هذه الايام تشهد نهضة وحركة توازي نهضة وحركة (دبي) مع فارق الاحداث والثقافة “الغير… قراءة المزيد ..