ليس للعبد عيد. عيد العبد هو عيد سيده. العبد ليس له أن يفرح حتى يفرح سيده، وليس له أن يحزن دون إذن سيده. ليس للعبد تاريخ ،ولا أجندة، ولا جغرافيا. ليس للعبد أتصال بأي شيء سواءً كان أرضياً أم سماوياً، إلا عن طريق قرن استشعار سيده الاعرابي المؤمن والشديد الإيمان.
ليس في حياة العبد ألوان، ولا زهر. ليس فيها أحاديث عن العشق. فكل أحاديث العشق حرام على العبيد، إلا ما صح منها عن سيده الإعرابي الوافد اليه على ظهر النوق العصافير. أحاديث العشق كلها حرام إلا ما تواتر بالخبر الصحيح عن سيده من أخبار غزواته وفتوحاته في مخادع إمائه وعبيده وجواريه ومُلك يمينه وشماله وخصيانه، وتفنّنه في تحويل رحله بين أزواجه الأربع المحظيات والمخصيات. ليس للعبيد من حديث إلا أحاديث سيده الأعرابي المبرأ من كل عيب.
ليس للعبيد أعياد. فلا أعياد للأموات ولا دياّت. فدية العبد عند سيده عُشر أعشار دية كلب زينة امريكي حر وجميل.
تزامن مريب بين مواعيد الأعياد الأربعينية لجلوس أمراء مؤمنيكم البدو على عرش كرامتكم المُخردة، وأعياد فقهائكم وأتباع فقهاكم، وبين يوم حزن للإنسان في كل الكون. تزامُن مريب يجعلك تتوقف لتردد القول الكريم الحكيم “وكل شيءٍ خلقناه بقدر”.
الخير خُلق بقدر والشر خُلق بقدر وأنتم اخترتم أن يكون الشر قدركم الإلهي الذي لا تريدون منه فكاكا.
عندما يتناوب الفرح والحزن، الغُصة الدامية والإبتسامة المزروعة رغم أنفها على وجه عبد كالح مشعث ذميم،عندما تفضي بك بوابة ليل اعياد فقهائهم إلي صباح يوم حزين، صباح يوم استحر فيه القتل والموت تماماً كما أراد الله وكما ترجم لنا الفقيه الصالح كلام الله.
ليس للعبيد عيد. ليس لهم سوى مهرجان للتهريج يمارسون فيه ضحكهم على أنفسهم، ويكررون فيه شعائر تقواهم المزورة، ثم ينفضّ السامر ويعود المهرّجون إلي خلواتهم لينزعوا عنهم أسمال أفراحهم البالية الحزينة ويرمون عن وجوههم الكالحة تلك الضحكة المخادعة ويعودون ليقبعوا في إسطبل سيدهم كعير الحي بعد أن تذهب عن عقولهم البائسه نشوى العيد المصطنعة، وليكتشفوا ككل مرة أنهم أقاموا أفراحهم ونصبوا زينات أعيادهم وزرعوا إبتسامات أطفالهم وأقاموا صلواتهم من داخل جدران إسطبل سيدهم المُسيّج بتعاويذ وليّه الفقيه.
يأتي عيد العبيد وينفض تماماً على ذات طريقة إنفضاض اعراس العبيد بـ”الصنان”. ينفض عيد العبيد تماماً كما تنفض أسواق النخاسة في عكاظ والرشيد مخلفة وراءها كل قبح الدنيا مزروعاً على الطرقات. تتمزق آخر غلالات ليل العيد البليد ليتبدى من خلالها اشراقة نهار حزين يحمل حُزنأً من نوعٍ آخر، حُزن ليس ككل حزن، حُزن مهيب جليل، حُزن يُطهر روح المؤمن ويهيئها لمناجاة الله، حزن إلهي وملائكي، حزن فاجع بحجم فجيعة الإنسان في نفسه في صباح 11 سبتمبر 2001، بحجم فجيعة الله في هذا المخلوق الرملي النابت من قيض الصحراء والساعي في الأرض فساداً ليُهلك الحرث والنسل وليحيل كل جميل يصادفه في طريقه إلي ركام من رماد ورمال يتيمّم بها ليفد على ربه ويكبر له بكفين تقطران بدماء عياله تحقيقاً لشرعة الفساد وتحدياً لذاك الإله الذي لا يحب الفساد .
كانت هذه الشواطى هي الإختيار، وعليها وقع الإختبار. إلي هذه الشواطئ فرَّ الإنسان قبل عدة قرون هرباً من كل الباباوات والببغاوات والفقهاء والمشيخات. فرَّ الإنسان لينجو بما تبقى من آدميته التي سحقها الكاهن وكتب بمائها صكوك الغفران ووقعها نيابة على الله. إلي هنا فر الإنسان من صكوك الملكية لرقاب قطعان الحور العين والأولاد المخلدين. فرَّ الإنسان إلي هنا عارياً، منبوذاً، مطروداً، مجرداً من كل شيء سوى بقايا إيمان إستطاع إستخلاصها من بين ركام فلسفات العُهر الفاضلة التي تُقيم عليها إمارات الرمل كيانها. استطاع بهذا الإيمان القليل المتبقي أن يحوّل منفاه إلي وطن، إلي حلم جميل. هنا تعاضدت سواعد الإنسان المناضل الشرير والخيّر على السواء لتبنى مدينة للإنسان، مدينة لم يقل صانعها يوماً عنها أنها ملائكية البنيان كما تقولون عن خلافاتكم الراشدة ودويلات إمراء مؤمنيكم المتهالكة. هنا أسّس الآباء العظام مشروع هذا الحلم وتركوا أجيالهم لتنمو وينمو معها، لتنتج هذا الحلم الأمريكي الإنساني العظيم بدولة للإنسان. الحلم الذي داهمته كوابيس حَمَلة الجينة البومية ممن ينسبون أنفسهم لبني الإنسان.
هنا فاخر الإنسان بإنسانيته وشهدت له السموات والأرضين بِرُقيّه، رُقيّه على تلك المخلوقات وهو يعد الحملات في رمضانهم المقدس ليغيثهم من غضب السماء على تلك الأرض التي أخفت في كهوفها سفاحاً ومجرماً وإرهابياً تستحي الإنسانية من إنتسابه اليها. هنا لم يفلح زلزال الفاجعة في أن ينزع إيمان الإنسان بإنسانيته، إيمانه الّذي مكّنه أن يعفو عند مقدرته. ولقد أراكم عرضاً من مقدرته على تملّك أعناقكم عندما أخرج لكم إلهكم المُرعب الّذي تعبدونه من دون الله، أخرجه لكم من جحره الممتد لستة أمتار في الأرض. أخرج لكم ربكم الهارب من قدره الي درك ملتهب في قاع الأرض حيث يستعين على قيظ قضائه البائس بمروحة تدار ببطارية “أصبع”.
أراكم عرضاً من قدرته ليكشف لكم الحقيقة وليقول لكم انه لا يرغب في امتلاككم، ولو شاء لفعل، وكيف لا وأنتم من ذلة أعناقهم وأنحت لكل طارئ على نفسه وعلى الكون من صدّام وحتى نصرالله وقائمة السفهاء الّذين ولّيتهم عنقك تطول بحجم تطاول توغلك وتغولك في المذلة عبر كل العصور .
ليس للعيد في مجتمعات العبيد أية قيمة مضافة لحياة الإنسان. عيد العبيد ليس سوى يوم لقفل الحسابات الطيبة مع السماء. العطش والجوع لشهر كامل مقابل الجائزة، والجائزة دفتر حسابات جديد بصفحات بيضاء تسلمه السماء للعبد المؤمن ليزرع فوقه موبقاته لأحد عشر شهراً قادمة وحتى يأتي موعد قفل الحسابات القادم.
أحزان الإنسان هنا لها قيم مضافة لحياته ونموه لا تبلغها أعياد العبيد الكئيبة. الحزن هنا تواصل مع أولئك المغدورين، تواصل فيه الوعد لهم بأن يستمر الإنسان في إعلاء قيم إنسانيته المستمدة من كل الشرائع الفاضلة، تلك الشرائع المستمدة من فطرته السوية السليمة التي خلقه الله عليها.
هنا يقول الإنسان وعبر أحزانه لكم أنه لا يحتاج إلى وعاظكم ولا فقهائكم ولا أسلافكم ليقتفي أثار ربه في السموات والأرضين وقبل ذلك في نفسه. يقول لكم إنه لا يحتاج إلي تسابيح كهّانكم وفقهائكم ليتلامس مع ربه وليتواصل معه ويصل اليه قبلكم. هنا يُعلن الإنسان مقدرته على التصالح مع كل موروثه وكل أسلافه وأن ينحاز إلى الفضائل ويبرأ إلى الإنسانية من كل فعل مُشين ارتكبه أسلافه، في حين تعبد مجتمعات العبيد أسلافها وتضفي صبغة القداسة على مجرمي الحرب وقطاع الطرق وتُسميهم صحابة وسلف تحثون أبناءكم على الاقتاداء بهم وتحشون رؤسهم بصور مجازرهم وتطلبون اليهم أن يكونوا قتلة ومجرمين مثلهم. ولقد كان لكم ما أردتم وها أنتم تحصدون هذه النماذج العُمرية البائسة التي تعرف جيداً كيف تقتدي بسنة “عمرو” في الحنث باليمين وخيانة القسم والتنصل من العهود واستعراض الدهاء على الأمم المغلوبة، ويوم يصح الصحيح تتقيها بسوءتها على سنّة الشيخ الداهية الجليل الّذي أجبرتم الله أن يرضى عنه ويرضيه.
نماذج عُمَرية تعرف كيف تقاسم الآخر بيته، ورغيف عياله، بل حتى أزواجه، وتعرف متى تطعن هذا الآخر في الظهر لتستولي على بيته وماله وعياله ولتغتصب زوجه ليلة ذبحه، كما فعلت بالمدينة بعد رحيل حبيبها. هذا ما أنتجه نهجكم، طفولة عُمَرية يسير على نهجها أطفالكم وهم يوزعون الحلويات والابتسامات بمناسبة حرق الإنسان.
طفولة عُمَرية لأطفالكم وغلمانكم المخلدبن في البؤس والشقاء وإنعدام الرعاية الصحية ،الجسدية منها والعقلية، التي أنتجت طفلاً يوزع حلوياته وابتساماته بمناسبة تلاشي الإنسان في الفضاء وهو يقفز من السحاب ليتشظى إلى ألف سؤال تصرخ في وجوهكم.. أية شريعة شيطانيه أباحت لكم فعل ذلك؟
أيُ شريعة شيطانية أكسبتكم هذه القلوب الصماء البكماء الخرساء؟ أيُ شريعة حوّلت قلوبكم إلى مناقع للدم الآسن يستلقى على ضفافها كل جنود الحقد والكراهية والبغضاء؟ أيُ شريعة منحتكم الحق في مطاردة الإنسان في عقر داره لتفرضوا عليه أن يدفع عنقه جزيه لحَمَلة رسالة السماء والموكلين من الله بتعليم الناس كافة وصايا نبي الرحمة.
هذا هو نتاج تعاليمكم الدينية الحاقدة التي يزرعها الفقيه، وهذه هي الأصناف التي أنتجتها، أصناف متعددة ومتنوعة للعار والذل والخنوع، يتقمصها مواطن نذل يعيش بقيم النذالة ويتلذذ بها، نماذج لمخلوق بومي التكوين يعشق الخرائب ويعيش ويعشش في شوارع خربة، شوارع لقيطة لا تحمل أسماءاً ولا عناوين وليس لبيوتها أي ترتيب في أية أبجدية يقبع فيها أنموذجكم، مواطنكم الرباني ليهرش مؤخرته كل ليلة ويتفاصح ويتفاطح على زوجته أو أزواجه اللواتي يعددهن بتعداد قرفه من نفسه حاضراً وغابرا.
بين عيد القاتل هناك وعزاء المقتول هنا ، بين ألم الفقد هنا، ذاك الألم الذي يصيغه الإنسان هنا وسيلة تواصل مع الأحبة في يوم رحيلهم، تواصل معهم في عالمهم العُلوي عبر مناداتهم بأسمائهم إسماً، إسما، والحديث إلي أرواحهم عبر الفضاءات المفتوحة.
أَلَمُ الفقد هنا وآلام الافتقاد هناك، إفتقاد الإنسان لنفسه لذاته، وعجزه المُخزي عن إبتكار أية وسيلة للتواصل معها. ألم الإنسان هناك الّذي أضاع الحب وأضاع بتضييعه وسيلة التواصل الوحيدة والفريدة التي ابتكرها الانسان لتحقيق إنتمائه الي نفسه وإلي الأشياء من حوله.
أَلَمُ العبد النابع من فقد اتصاله وتواصله مع الكلمة وهو الّذي يدعي أنه حامل سر الكلمة وصاحب أختامها في حين أنه يموت رعباً من الكلمة. فما اسعد أحزانهم وما أتعس أعيادكم التي لا تخرجون منها إلا بمدرك واحد وهو أنكم وخلال كل تاريخكم كنت دائما الخاسر الأكبر وفي كل الميادين.
لم ولن يكون للعبد أعياد حتى يتصالح هذا العبد مع نفسه. ولن يتصالح العبد مع نفسه حتى يعرف من هو الشيطان الّذي زيّن له موبقاته وكساها مُسوحاً إلهية والقى اليه وعليه زُخرف القول غروراً. لن يتصالح العبد مع نفسه حتى يغوص في أعماقها وينبش فيها ويستخرج كل موبقاته المقدسة ويرميها على الأرض ويدوسها بقدميه حتى تنطق وحتى تنبت لها أصابع تشير جميعها إلي مُعلّم الرذائل الأول عبر كل العصور، إلي عدو الله في كل الأزمنة، إلي الكاهن الفقيه الدجال المُشكك في أعجوبة الله الطينية البديعة، الفقيه الدجال وريث أبليس والمنتهج لنهجه في رفض السجود لآدم.
* كاتب ليبي
تجاعيد العيد: ليس للعبيد عيد اصبح (الشفاف) : مناحة المسلم , ولطمية الشيعي , وكرسي اعتراف المسيحي “يشمل الاقباط” , وملجأ الموعارض السوري , ورب الحجال الليبي , ومرتع “ناقصات العقل والدين” .. الك الله يا شيخ (بيار) وانتظار ان ينطق الحمار : (يحكى ان رجلا تطاول على الملك , فحكم عليه بالاعدام , وكانت امنيته الاخيرة مقابلة الملك , فقال : ما هو اشرف من مقابلة الملك , الموت بقرار من الملك , ولكني امضيت العمر اعلم حماري الكلام وبقي لي عشر سنوات لأحصد ما زرعت , ففكر الملك بأن مملكة يتكلم حميرها ستكون بلا شك درة الممالك ..… قراءة المزيد ..