يرجع تاريخ أول كتاب قرأته لمحمد أركون إلى نحو 20 عاما ومنذ ذلك اليوم وأنا حريص على التوقف في مكتبة دار الساقي التي تنشر كتبه في لندن كلما كنت قريبا منها لشراء كل أعماله الجديدة التي ينقلها إلى العربية باقتدار هاشم صالح.
ولابد أن أعترف أن أركون فتح لي بابا على كثير من كتاب المغرب العربي مثل الجابري والعروي وجعيط.
ولكن لا زلت أنبهر بشكل خاص بكتابات أركون وأعتقد أنه لا يمكن أن يختلف اثنان على أنه رائد موسوعي له إسهامات علمية كبيرة في مجالات تحليل بنية العقل الإسلامي وتفكيك النص المقدس باستخدام أحدث آليات العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل مبهر وعن طريق إعادة قراءة التراث الإسلامي بطريقة لغوية وسيميائية وتاريخية وانثروبولوجية أو ما يسمى بمنهجية التحقيب الابستمولوجي لهذا الفكر.
ولكن سلسلة المقالات الأخيرة للأستاذ نادر قريط على هذا الموقع جعلتني أتوقف قليلا في لحظة تأمل سألت نفسي خلالها هل حققت كل دراسات وتحليلات وكتابات أركون والجابري ونجيب محفوظ وحسن حنفي والعروي وجورج طرابيشي ومحمود العالم والعشماوي ونصر أبو زيد والقمني وخليل عبد الكريم…. الخ أي تقدم حتى الاآن في مسيرة هذه الآمة المبتلاة بالفقر الفكري قبل الفقر المادي؟ والأهم من هذا هل قام هؤلاء المفكرون حقا بما كان يتعين عليهم القيام به لإدخال شعوبهم إلي الحداثة؟ وهنا فإنني أتذكر أحد الفلاسفة الفرنسيين الذي قال ما معناه أنه لا يمكن أن ينهض بنيان فكري حديث في مجتمع معين إلا على أنقاض الفكر المتخلف، بمعنى أنه لا يمكن يتعايش كلا الفكريين معاً.
وهؤلاء الكتاب العظام يحاولون إنجاز المهمة المستحيلة ألا وهي إقامة بنيان فكري حداثي دون السعي بجدية وشجاعة لتقويض البنيان الفكري القديم الذي يضرب العفن في جذوره منذ قرون.
إن أقصى ما يفعلونه هو المس بطريقة لطيفة أو طريقة غير مباشرة ببعض الجوانب السطحية لهذا الفكر العتيق الذي يحول دون تقدم هذه الأمة، وحتى الآن لم يحاول أحدهم هدم قواعد هذا البنيان الهش أو حتى الاقتراب من أساسه والسبب واضح ألا وهو الخوف من سيف التكفير أو ردة فعل غير مواتية من العامة والمشايخ والراسخين في الجهل .
إزاء هذا، فإننا نتساءل كيف سنتقدم إذا كان مفكرونا لا يجرأون على المواجهة وما هي جدوى كتاباتهم المعقدة الموجهة لفئة قليلة جداٌ لا تزيد عن 1% أنعم الله عليها بالاستنارة أصلاٌ ولا تحتاج إلى المزيد منها.
إن أغلبية الـ99% تحتاج إلى جرأة وشجاعة كاتب مثل نادر قريط الذي نقول عليه بالإنجليزية He speaks his mind””، أي أنه يقول ما في رأسه وضميره دون خوف أو مواربة وهو أيضاٌ رجل واسع الإطلاع كما هو واضح من كتاباته المختلفة.
إن بيان هشاشة العقل الديني لا يحتاج إلى ترسانة الأدوات المعرفية التي يستخدمها أركون. فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من تطبيق قواعد المنطق والحس السليم “Common sense” لبيان هشاشة وعدم معقولية الكثير من جوانب تراثنا التي اكتسبت مصداقية لا تستحقها بفضل عدم التعرض لها على مدار مئات السنين وليس أكثر من ذلك. أن مشروع أركون الفكري يحتاج على مئات السنين حتى يثمر.
وعلى المستوى الشخصي، وفي مجال تخصصي كرجل اقتصاد وبنوك، فإنني أنقد أي وضع خاطئ دون مواربة و أهاجم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بل وحتى الدينية التعيسة في بلدي مصر، ومقالاتي في هذا الموقع تشهد على هذا سواء في الموقع القديم أو الموقع الحالي. وعندما أزور القاهرة يتم تعطيلي في المطار بسبب هذه المقالات.
وهناك من هو أفضل مني وأشجع مني بكثير. وهم هؤلاء المعارضون لأنظمة الحكم الديكتاتورية في بلادنا العربية والذين يعيشون داخل بلادهم ويتعرضون لأبشع أشكال الاضطهاد والمضايقات. بالرغم من هذا لم يلجأوا إلى أساليب التقية وسياسة إمساك العصا من منتصفها كما هو حال مفكرينا الذين ينتظرون حدوث المعجز الخلاص على يد شعوب أنهكها ظلم وجبروت حكامها ورجال دين يبيعونهم الأوهام ومفكرين آثروا السلامة والآمان.
إن التخلص من نفوذ الكنيسة ونهوض أوروبا ودخولها إلى الحداثة تم بفضل مجموعة من المفكرين والفنانين الشجعان الذين لم يترددوا في الهجوم على كل أشكال الفكر البالي والمعتقدات الخرافية وقادوا شعوبهم إلى الحداثة دون خوف أو وجل وتحملوا في هذا الكثير من التضحيات.
وعلى العكس من ذلك فإننا في عالمنا الإسلامي ما أن نتقدم خطوة للأمام إلا ونتبعها بخطوتين إلى الخلف وتكون المحصلة النهائية التراجع المستمر. وعلى سبيل الأمثلة لا الحصر نجد أن طه حسين قد تراجع عن الكثير من آرائه التقدمية بعد الهجوم الذي تعرض له بعد نشره كتاب “الشعر الجاهلي”. ونفس الشيء حدث مع نجيب محفوظ بعد نشره رواية “أولاد حارتنا” والتي سبق أن أشرت إليها في أحد مقالاتي. بل أن محفوظ أعتبر أن هذه الرواية أبناٌ غير شرعي وتنكر لها حتى قبل مماته بقليل.
ونفس الموقف حدث مع نصر أبو زيد الذي أصبح يكتب بحذر شديد بعد تركه مصر. ووصل الأمر بسيد القمني إلى أن تخلى عن الكتابة تماماٌ لفترة طويلة بعد تعرضه للتهديد من أحد المتطرفين.
والخلاصة تأتي على لسان سعد زغلول عندما قال قولته الشهيرة “مافيش فايدة غطيني يا صفية”. فكتّابنا في واد، والشعوب في واد آخر. وأنا أدعو الأخ نادر قريط إلى الإنضمام إلى الركب والكف عن كتاباته المشاغبة، وأذكره بالمثل الشهير”في التأني السلامة وفي العجلة الكاوتش”.
.وكل عام وكتابنا بخير.
MahmoudYoussef@hotmail.com
مستشار اقتصادي مصري
بين محمد أركون ونادر قريطأسجل إعتذاري للأستاذ محمود بكبير الذي سلبته في تعليقي الأول ( حرف الواو). وأشكر الأساتذة الذين شاركوا في إثراء النقاش. وإسمحوا بكلمة إضافية فقد شاركت الأستاذ محمود قراءة أركون والترجمات الرائعة لهاشم صالح .. أجل كنت أحس ببعض المراوغة في كلام أساتذة التنوير رغم كل الثراء المعرفي وما قدموه ..كانوا دائما في موقف دفاعي وكأنهم يدفعون تهمة التكفير عنهم بإعاء موارب للإيمان . شخصيا أعرف أحد هؤلاء الأساتذة وقد أسرّ لي بعكس مايعلنه على الملأ وهو شخصية عظيمة بكل المقاييس، الغرابة أن سلطة القمع ( الذاتي والخارجي) تزداد سطوة وترهيب ونحن في القرن21 مع أن ثقافتنا… قراءة المزيد ..
بين محمد أركون ونادر قريطأشكر الأستاذ محمد على تناول كتاباتي المتواضعة بجانب قامة كبيرة أثرت حياتنا المعرفية كالأسناذ أركون وأشكره أكثر على وصفي بالمشاغب الذي يقول ما يفكر به. وألتمس العذر للأساتذة فهم يكتبون ضمن إختصاصهم كأساتذة يلتزمون أساس البحث الأكاديمي بكل مافيه من نخبوية . فالتغيير الحقيقي يلزمه بالفعل كما يقول الأستاذ بندق وجود حوامل إجتماعية مهيأة أو ما أسماه أركون نفسه ” الأطر الأجتماعية للمعرفة” إننا نعيش في مركبات شديدة التشويه والتعقيد لم تستطع خلق نظام عمل وإنتاج كفوء . أخيرا وأرجو أن لا أبالغ إذا أخبرت الأستاذ محمد بأني أرتبك وأرتجف في أي مطار عربي وأستغيث بالله… قراءة المزيد ..
بين محمد أركون ونادر قريط الدين قرأت ما سطره سعادة المستشار وما علق به الأستاذ بندق وتوقفت عند ما كتبه (العطاسي)والذي حور اسم عائلتهم الى الأتاسي لصعوبة نطق حرف العين على الفرنسيين. قرأت لكل من أشار لهم سعادة المستشار جهد طاقتي و فهمت مما قرأت على قدر إمكانياتي. السيد المستشار خرجت مما سطر أنه لا يعني الدين بذاته و كذا الأستاذ بندق ولكنهما يعنيان من اختطف الدين و فصله كل على مقاسه وما يتناسب و مصالحه و ذاك ما أوافقهما عليه. سبق أن خاطبت أحد الأصدقاء من ذوي الفكر النير و البنية الدينية الصافية وقلت ما قاله سعادة المستشار أن… قراءة المزيد ..
بين محمد أركون ونادر قريط الدين قرأت ما سطره سعادة المستشار وما علق به الأستاذ بندق وتوقفت عند ما كتبه (العطاسي)والذي حور اسم عائلتهم الى الأتاسي لصعوبة نطق حرف العين على الفرنسيين. قرأت لكل من أشار لهم سعادة المستشار جهد طاقتي و فهمت مما قرأت على قدر إمكانياتي. السيد المستشار خرجت مما سطر أنه لا يعني الدين بذاته و كذا الأستاذ بندق ولكنهما يعنيان من اختطف الدين و فصله كل على مقاسه وما يتناسب و مصالحه و ذاك ما أوافقهما عليه. سبق أن خاطبت أحد الأصدقاء من ذوي الفكر النير و البنية الدينية الصافية وقلت ما قاله سعادة المستشار أن… قراءة المزيد ..
بين محمد أركون ونادر قريطالدين – بما هو عنصر ثقافي – مكانه البناء الفوقي للمجتمع ، شأنه شأن القانون والأعراف والأخلاق …الخ بيد أن البناء الفوقي يلزمه أساس مادي ينهض عليه ، وذلك الأساس Infra structureإنما هو ما ينتجه ذلك المجتمع ، وعلى ضوئه تتحدد العلاقات وتتبلور الطبقات وتتوزع الثروات وتبرر الثقافة السائدة وما من شك في أن الدين إنما هو الأيديولوجية التي أستند علبها النمط الإقطاعي الهيراريكي ، وحين حل زمان رحيل ذلك النمط في أوروبا كان طبيعيا أن تثمر كتابات الفلاسفة والمفكرين الحداثيين ثمارها . في بلادنا لم تنجح الرسملة في تصفية النمط الإقطاعي نتيجة تقسيم العمل الدولي… قراءة المزيد ..
بين محمد أركون ونادر قريطاحييك على هذا المقال الذي قرأته بشغفٍ إلى أن وصلت إلى آخر جملة فيه التي تدعو فيها نادر قريط إلى الكف عن كتلباته المشاغبة فأصِبتُ بخيبة أملٍ قليلة. إذ قبل أسطر قليلة من هذا وصفته بأنه كاتب شجاع وقبلها قلت أن 99% من الأمة تحتاج إلى شجاعة وجرأة نادر قريط وأنه يقول ما في رأسه وضميره ثم تنتهي إلى وصف كتاباته بالشغب!!! لماذا هذا التناقض؟؟؟ لم استطع أن أفهم!!! وكأنني بك أنت نفسك من الذين وصفتهم بأنهم يمسون الأمور التي يريدون أن ينتقدوها مساً لطيفاً لا يزعج أصحاب الفضيلة. نحن بحاجة ليس فقط إلى شغب نادر… قراءة المزيد ..