تبلغ المسافة ما بين مفاعل “بوشهر” النووي والعاصمة الإيرانية طهران قرابة 765 كيلومتراً. أما المسافة بينه وبين دولة الكويت فهي قرابة 282 كيلومتراً. سوى أن المسافة بين المفاعل الإيراني وساحل الخليج تُقدر بعشرات الامتار، ومن المعروف أن دول الخليج العربي تعتمد في تأمين إحتياجاتها من مياه الشفة والري على تكرير مياه الخليج.
وتعتمد إيران بشكل أساسي على تقنية روسية غير متطورة في بناء و تجهيز منشآتها النووية. وفي هذا الصدد، تؤكد معلومات أن مساحة الاراضي المتضررة بالإشعاع النووي الناتج عن كارثة إنفجار مفاعل “تشرنوبيل” (1986) السوفياتي بلغت 1.4 مليون هكتار من الاراضي الزراعية في جمهورتي اوكرانيا وروسيا البيضاء، اضافة الى وفاة ما يقارب 8 آلاف مواطن اوكراني، ومعاناة ما يزيد عن 2,6 مليون آخرين من التلوث الاشعاعي…
فمن وجهة نظر بيئية، تعتبر دولة الكويت التي تقع على زاوية ساحل الخليج الدولة الأكثر عرضة للخطر في حال وقوع خللٍ في عمل مفاعل “بوشهر”. ومن الممكن أن تتعرض لما قد يوصف بإبادة جماعية ، نتيجة حركة الريح التي سوف تحمل معها غبارا نوويا.. إذا ما وقعت الكارثة!
المسافة ما بين طهران و تل أبيب تبلغ 1589 كيلومتراً.
إيران تلوح دائما أن قوتها الصاروخية قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي وبقوة تدميرة عالية.
في الوقت ذاته، تصر إسرائيل، منذ فترة، على القيام بعملية إستباقية ضد قدرات إيران النووية من خلال قواتها الجوية القادرة على الوصول إلى العمق الإيراني.
المسافة بين الرياض وتل أبيب تبلغ 1432 كليومتراً…
تضع المملكة السعودية مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز على الطاولة منذ ١٠ سنوات.
إزاء ذلك تعمل إسرائيل على تدمير ممنهج لكل المساحات التي من الممكن أن تساعد في صنع تسوية عادلة وشاملة في المنطقة. وقد ردّت على المبادرة العربية بقمع عنيف للإنتفاضة الفلسطينية، وتدمير كامل للبنى التحتية لدولة فلسطينية مفترضة. واستمرت في انتهاج سياسة استيطانية خطيرة، في مدينة القدس، مروراً بحربي إبادة في لبنان وغزة.
يربط مملكة البحرين بالمملكة السعودية جسر يبلغ طوله 28 كيلومتراً. يدخل الجسر المملكة السعودية في تفاصيل الدولة ونظام الحكم في البحرين، و يجعلهما (الدولة والنظام) حُكماً ضمن نطاق مصالح المملكة السعودية الحيوية، ويحول أمنهما الداخلي إلى جزء من أمنها القومي. لذلك، لم تتوانَ المملكة السعودية أبدا في التدخل السريع والقاسي في أزمة البحرين الأخيرة من أجل الحفاظ على ما تعتبره خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، حتى وإن كانت التكلفة صراعا إقليميا. وحتى لو أدّى، ربما، يؤدي إلى مواجهة مع المجتمع الدولي، الذي يرى أن هناك حقوقا مشروعة وعادلة يحق للشعب البحريني المطالبة بها.
تبعد مملكة البحرين عن اقرب حدود إيرانية مقابلة لها عند منطقة “باسيان” قرابة251 كيلومتراً. قِصر المسافة يجعلها أكثر رسوخا لما تعتبره الذاكرة القومية الإيرانية امتداداً طبيعياً لإمبراطوريتها. الإمتداد التاريخي أغرى الذاكرة الإيرانية بالتمدد حاضرا. وهو وإن اختلفت أدواته وشعاراته ومقاصده حاليا، إلا أنه يبقي فعل التدخل قائما بناءً على دوافع وقناعات جيوستراتيجية يحاول كل طرف دعمها بحقائق تاريخية.
قبل البحرين وبعدها، يقع لبنان في قلب خط الزلازل الممتد على طول جغرافيا المواجهة بين المملكة والجمهورية الإسلامية، حيث تجاوز الطرفان المسافة والجغرافيا وأضافاه إلى جوارهما المتوتر في العراق والإمارات والكويت و البحرين، فتحول لبنان إلى صندوق بريد لرسائل متبادلة بينهما.
أعلنت طهران من جنوب لبنان أنها تعتبر حدوده جغرافيا مواجهتها المباشرة وغير المباشرة مع الكيان الاسرائيلي. فضمّته إلى محور الممانعة، واعتبرته رأس الحربة في معركة تحرير فلسطين، وأضافته علانية إلى مجموعة أوراق القوة التي تعزز مواقعها في المفاوضات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حول برنامجها النووي.
استكمل محور الممانعة سياسة استتباع لبنان ، فاستبعد الدور السعودي وأسقط معه الدورالعربي، وترك لهيبة السلاح أن يلعب دور الإقصاء، بعد أن لعب سابقا دور الإرغام في 7 أيار .
تسللت رياح التغييرإلى الداخل السوري، تنبه فريق 8 آذار إلى أن المتغير العربي له أولوياته وحساسياته وثوابته، فخرج من الوهم واقترب بعضه من الوهن، فتعثر الإستتباع، وارتبك المحور الايراني السوري.
انتهز سعد الحريري لحظة الإرتباك تلك، فرفع لاءاته و حشد حشده، و قال لمن أراد أن يغلق دار والده إن لديه ألف باب ونافذة. وانتقل من خط الدفاع إلى الهجوم، معلنا رفضه الوصاية والإستتباع، معتبرا أن لبنان جزء من مواجهة دائرة بين العالم العربي والمشروع الايراني.
في المواجهة الواقعة بين الرياض و طهران، يتداخل القومي بالمذهبية، والماضي بالحاضر، والتاريخ بالمستقبل. وقد استعيدت بعض مفردات الصراع مع تعديلات طفيفة، حيث تم استبدال “الصفوي – العثماني” بـ”الصفوي – العربي”، فخرج لبنان من خارطة الإنتماء الوطني ليقع ضمن خارطة التوزيع المذهبي. فسقطت المسافة واقتربت المواجهة.
اذا كانت المسافة بين الرياض وطهران قرابة 1314 كيلومتراً، فإن المتحمسين لهذه المواجهة لا يعرفون أن المسافة الفاصلة بيني وبين جاري السني المتزوج من شيعية أقل من متر، وبأني شيعي متزوج من سنية، وبأن عدد الزيجات المتبادلة بين الطائفتين في هذا البلد يتجاوز 200 ألف زيجة، يعيش أكثر من ثلثيها في بيروت، حيث يقع خط التماس الإفتراضي بين لبنان العربي ولبنان الإيراني ، بين السنّة اللبنانيين والشيعة اللبنانيين!
ولعل أولياء الأمر الشيعة لا يدركون أن مزاج جاري السني الداعم للمقاومة قد تغير بعد حملة السلاح من أجل “حماية السلاح”، و خصوصا بعد أن ارتفع منسوب “التخوين” ليصنِّف بني مذهبه في خانة الأعداء!
ولعله أولياء الأمر السنّة لم يدركوا، بدورهم، حتى اللحظة أن الفرد الشيعي، رغم كل مظاهر القوة التي يبديها ويمارسها، يُستر خوفا على مصيره ومستقبله! وهو، كفرد، قبل ان يُعامَل او يتعامل كجماعة، تسكنه ذاكرة وطنية وعربية واسلامية مليئة بهواجس الغلبة والاستبعاد، ولعل مشهد البحرين الآن، والعرق منذ قرابة عقد من الزمن، خير دليل!
كاتب لبناني- بيروت
mhfahs@gmail.com