(الصورة من “باري ماتش”: حلب مدمرة)
لوموند: بنجامان بارت وإيلين سالون
بات التمرّد ضد نظام الأسد في حالة ضياعٍ تام في شمال سوريا. فقد استفادت القوات الموالية للنظام من « سجّادة القنابل » التي تُسقطها الطائرات الروسية للتقدّم حتى مسافة ٢٠ كيلومتراً من الحدود التركية، التي تمثّل الهدف الرئيسي لهجومها. ويمكن أن تكون مهلة الأسبوع، التي تسبق وقف إطلاق النار المقرّر في ٢٠ فبراير، كافية للجيش النظامي والجماعات الشيعية التي تقاتل بجانبه لاجتياز مسافة ٢٠ كيلومتراً المتبقية وتوجيه ضربة مدمرة للتمرّد.
ويعترف العقيد « عبد الباسط الطويل »، وهو ضابط سابق في الجيش النظامي، كان عضواً في فريق المفاوضين عن المعارضة، أن « الضغط هائل ». ويضيف: « خلال ٣ أيام، يمكن أن تصل قوات النظام إلى «باب السلامة »، أي إلى نقطة العبور نحو تركيا.
وهذا، إلا إذا وصل الأكراد أولاً. فبفضل الضربات الجوية الروسية، شنّت قوات « حزب الإتحاد الديمقراطي »، وهي أقوى أحزاب كردستان سوريا، هجومها المستقل. وقامت ميليشيات كردية انطلقت من « عفرين »، في شمال غرب حلب، باختراق محيط « أعزاز »، وهي بلدة تقع على بعد ٥ كيلومترات من الحدود.
ويزداد وضع المتمردين المناوين للأسد سوءاً بسبب وجود قوات « داعش » بجانبهم، الأمر الذي يحرمهم من إمكانية التراجع. ويقول « عبد الحكيم النعيمي »، وهو مستشار سياسي لأحد ألوية « الجيش السوري الحر »، أي الجناح المعتدل للإنتفاضة السورية: « بات ظهرنا إلى الحائط، فإما أن نصمد، أو نزول من الوجود ».
إن هدف العملية التي ابتدأتها القوات الموالية للأسد في ١ فبراير هو استعادة “الممر”، الذي يتراوح عرضه بين ٥ و١٥ كيلومتراً، الذي يصل « أعزاز » بـ »حلب »، التي تبعد ٥٠ كيلومتراً إلى الجنوب. وهذا “الممر” محور استراتيجي يسمح بنقل السلاح والمواد الغذائية إلى الأحياء الشرقية للمدينة التي وقفت في أيدي المعارضة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. وبعد أن نجحت في قطع هذا « الممر » في ٣ فبراير، فإن القوات الموالية للأسد تسعى للصعود نحو الحدود الشمالية، مسنودةً بالقصف الروسي.
« يستحيل علينا أن ننافس القوة النارية للعدو، فالأسلحة التي تصلنا ليست من العيار نفسه، يقول « حسن رجوح »، أحد قادة « الجيش السوري الحر ». وهو يلمح إلى « غرفة العمليات » التي تتمركز في جنوب تركيا ويشارك فيها « العرّابون » الرئيسيون للمعارضة (الولايات المتحدة، وفرنسا، وقطر، والسعودية، وتركيا)، والتي تؤمن للعشرات من ألوية « الجيش السوري الحر » التي تم انتقاؤها بدقة. ويضيف العقيد رجوح: « لقد استلمنا مؤخراً صواريخ « غراد » ومدافع هويتزر، ولكن ذلك ليس كافياً لمقاومة الروس. فمقابل 10 صواريخ من جانبنا، فإنهم يطلقون مئتين ».
وفي حين تتحرك قوات النظام السوري وفق منطق « شمال-جنوب »، فإن ميليشيات « حزب الإتحاد الديمقراطي » تعتمد استراتيجية « شرق-غرب ». وهي تسعى للوصل بين « عفرين » و »كوباني » التي تقع على مسافة 100 كلم إلى الشرق من « عفرين ». وقبل مهاجمة « عزاز »، قامت تلك الميليشيات بالإستيلاء على مطار « منغ » العسكري الواقع إلى الجنوب. وكان النظام قد خسر تلك القاعدة العسكرية في العام 2013 لصالح جماعة « أحرار الشام »، وهي أقوى الألوية السورية « السَلَفية »، ومصدر تمويلها هو تركيا، الخصم الرئيسي للأكراد.
إن التنافس بين الأكراد والنظام يضع على المحك وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ميونيخ، بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري والوزير الروسي سيرغي لافروف. فكيف يمكن للنظام السوري أن يقف مكتوف الأيدي في حين تسنح له فرصة استعادة قسم من هذه المنطقة؟ إن الثوار لا يعتقدون بإمكانية وقف إطلاق النار. وهم أنفسهم، مع أنهم على حافة الهاوية وبحاجة إلى هدنة، يرفضون تحويل وقف إطلاق النار إلى هدنة دائمة. وهم يربطون قبولهم بوقف إطلاق النار بالشروع بمسار انتقال سياسي وفقاً للقرار الدولي 2254 الذي تعارضه دمشق.
لتفادي الهزيمة، يراهن الثوار على وصول شحنات أسلحة جديدة. وحسب مصدر مطلع، فإبان اجتماع عقدته « غرفة العمليات » في أنقرة يوم الثلاثاء الماضي، تعهد السعوديون والأتراك والقطريون بزيادة دعمهم العسكري خلال ١٠ ايام، شرط أن يوحّد الثوار قواهم. ويضيف المصدر المطلع، المقرّب من الخليجيين، أن « ما وصل مؤخر اً ليس شيئاً بالمقارنة مع ما قد يصل قريباً ».
وفي « ريحانلي » (في تركيا)، فإن قادة « الجيش السوري الحر » يؤكدون تلك الوعود. ويقول « حسن رجوح: لقد تزايد الدعم الذي تقدمه « غرفة العمليات » قليلاً، ويمكن أن يتزايد أكثر. انتظروا بضعة أيام، فستكون هنالك مفاجآت ».
إن ثوار الشمال يرفضون الإعتراف بالهزيمة، مع أن معنوياتهم سيئة. ويقول «عبد الباسط الطويل »: يمكن للطيران الروسي أن يتيح للنظام استعادة الحدود، ولكنه غير قادر على ضمان أن يحافظ النظام على سيطرته عليها. » والسبب هو نقص أعداد الجنود في الجيش السوري. إن الإعتماد على ألوف الشيعة اللبنانيين والإيرانيين والأفغان والعراقيين لا يعوّض ذلك النقص إلا جزئياً لأن الميليشيات الشيعية ترفض القيام بمهام الحراسة. ويقول العقيد « الطويل »: « إذا سقط « باب السلام »، أو حتى « باب الهوا » (وهو مركز حدودي آخر إلى الغرب من حلب)، فسيشكل ذلك انتصاراً رمزياً لبشّار. فلن يكون علينا سوى أن نجد معبراً آخر على الحدود لكي نواصل القتال ».
لكن رغم تصميمهم، فإن الثوار يشعرون بأن الغربيين يتخلّون عنهم. خصوصاً بعد الكلام الذي قاله جون كيري لوفد من منظمات الإغاثة السورية في مطلع فبراير، على هامش مؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن. « ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أن أشن حرباً على روسيا؟ »، أجاب كيري محاوريه الذين انتقدوا تراخيه إزاء الضربات الجوية الروسية.
ويقول « أحمد حماده »، الناطق بلسان أحد ألوية الحيش السوري الحر: « الحقيقة هي أن الغرب يتخلى عنا. إن ما نحن بحاجة إليه ليس صواريخ « غراد »، بل نحن بحاجة إلى تشرشل أو إلى ديغول »!
ترجمة “الشفاف”