فيما أُسدل المشروع القطري في لبنان منذ أشهر قليلة الستار على ورشة إعادة إعمار مدينة “بنت جبيل”، باعتبار أن المساعدات المالية التي قدمها أمير قطر – مشكورا- قد صرفت في أماكنها الصحيحة وأن كل متضرر من أبناء المدينة قد وصله حقه على أكمل وجه، فقد تكشف الآن حقائق غاية في المرارة.
فمن جهة، قضت ورشة إعادة الإعمار العشوائية على معالم المدينة التراثية، وعلى رأسها السوق التاريخية في وسطها التي أنشئت أيام السلطنة العثمانية. كما أنها محت آثار مبانٍ تراثية تعود إلى أكثر من مئة عام. ومن جهة أخرى، خلّفت وراءها عددا من أبناء المدينة العاجزين عن متابعة أعمال البناء لضآلة الأموال التي حصلوا عليها.
ويعلق أهالي بنت جبيل تهكما على ما آلت إليه أحوالهم قائلين: “انتصرنا في حرب تموز لكننا هزمنا في “حرب التعويضات”!
التعويضات: آخر دفعة قبل الإنتخابات البلدية!
والمعروف أن حزب الله عبر مؤسسة “جهاد البناء” احتكر توزيع الهبة القطرية، وكذلك الإشراف على عمليات إعادة اعمار مدينة بنت جبيل وثلاث بلدات أخرى. وأن المكتب الهندسي التابع لهذه المؤسسة، و قوامه 15 مهندسا، قد تسلم ما يقدر بنصف مليار دولار تكرمت بها دولة قطر لإعادة إعمار مدينة بنت جبيل والبلدات الثلاثة بعد حرب تموز، إضافة إلى ورشة بناء دور العبادة التي طاولتها تلك الحرب,
وقد تم توزيع التعويضات بواسطة حزب الله على المتضررين على ثلاث دفعات: الدفعة الأولى صُرِفت بعد الحرب مباشرةً لتليها الدفعة الثانية ثم الدفعة الثالثة والأخيرة التي تم تسليمها قبل الإنتخابات البلدية الأخيرة بوقت قصير. ويُقال إن حزب الله استعمل الدفعة الثالثة من هذه الهبة كميزانية لخوض الانتخابات البلدية.
فساد “إلهي”!
حكاية بنت جبيل مع دفع التعويضات لا تشبه أي حكاية. وقد حيكت فصولها منذ بدء التلاعب بمسح الأضرار ثم كيفية صرف التعويضات، بفعل تواطؤ المكتب الفني التابع لحزب الله، المخول بتقاضي أموال الهبة القطرية، والموظفين اللبنانيين في المكتب القطري في بيروت. وينقسم المكتب الفني هذا إلى لجنتين غير رسميتين: واحدة لتخمين الأضرار، وأخرى لصرف الأموال. فتقوم لجنة التخمين بتحديد حجم الضرر لكل مواطن عن محله أو منزله وفق رؤيتها الخاصة، وتقوم اللجنة الهندسية بصرف المبلغ الذي أقرته لجنة التخمين. ويتم ذلك ضمن آلية استنسابية، كل حسب ولائه أو انتمائه السياسي أو هويته الطائفية! فترتفع القيمة إذا كان المتضرر محسوبا على حزب الله، وتنخفض إذا كان محسوبا على “حركة أمل” أو “الحزب الشيوعي” أو قوى اليسار. ومن يعترض على التخمين أو التعويض، يقوم أشخاص متابعون بتحذيره من مراجعة المكتب القطري تحت طائلة حرمانه من المبلغ بأكمله. ويؤكد أبناء المدينة أن حزب الله وزّع على عناصره أموالا تتعدى بكثير حجم الأضرار التي مُنِيوا بها مقارنة مع تعويضات ضئيلة جدا لأشخاص فقدوا كل ما يملكونه.
الموظفون اللبنانيون في المكتب القطري كانوا قد دبروا مع مسؤولين في مؤسسة “جهاد البناء” قصة تلاعب مسبقة بدأت مع عمليات مسح الأضرار، حيث رفعوا عدد الوحدات السكنية المدمرة تدميرا كليا في مدينة بنت جبيل من 1200 وحدة سكنية إلى 2000، أي بإضافة وحدات سكنية وهمية على الجداول المقدمة إلى دولة قطر ليتسنى لهم اقتناص المبالغ الفائضة.
كما تشير التقارير أن المشروع القطري قد صرف أكثر من ثلاثة ملايين دولار لبناء أقل من 200 محل متواضع في سوق المدينة التجارية، وهو رقم مبالغ فيه كثيرا. فحجم العمل ومواصفاته لا يتناسبان إطلاقا مع قيمة المبالغ الكبيرة المصرح عنها . ويؤكد أبناء بنت جبيل أن 70% من الهبة القطرية لبناء سوق بنت جبيل العتيقة قد توزعت على “أبرشية” حزب الله، وتقاسمها الإستشاريون في المكتب القطري ومهندسو “جهاد البناء”. وهذا ما دفع المكتب القطري غير مرة إلى إقالة عدد من الإستشاريين اللبنانيين بتهمة الفساد قبل أن يقفل أبوابه نهائيا في العام الماضي.
يقول شخص من آل “بزي”: تقاضيت مبلغ 600 دولار فقط عن منزلي المدمر كليا، بينما حددت الهبة القطرية، على ما أعلم، صرف 40 ألف دولار للوحدة السكنية!
ويقول آخر من آل “بيضون”: حصتي كانت أدسم. فلقد تقاضيت مبلغ 15 ألف دولار والباقي، كما قال لي المهندس المسؤول، فهو “على الله”!
بينما تؤكد سيدة من آل “شرارة”: أن المحسوبين على حزب الله تقاضوا عن منازلهم تعويضات خيالية تبدأ من 120 ألف دولار ولا أدري أين تنتهي!
ويروي أحد المغتربين من آل “دعيبس”: زرت مدينتي هذا الصيف، بعد طول غياب، ولولا اللافتة على مدخلها لظننت أنني في مدينة أخرى. لقد نبتت مكانها غابة من الباطون المسلح طغى عليها اللون الرمادي في حين كانت تزهو سابقا ببيوتها الصخرية الوادعة. وقد بذلت جهدا للتعرف إلى دكان أبي وسط السوق، حيث نصبوا قناطر عملاقة لا تمت إلى تراثنا الشعبي البسيط بصلة. وتضيف زوجته: بنت جبيل تستحق الأفضل، لكن لا رأي لمن لا يطاع!
تجدر الإشارة إلى أن قسم العمارة في كلية الهندسة في الجامعة الأمريكية ببيروت طرح، عبر متطوعين من الأساتذة والطلاب، أن يشارك في الدراسات المعمارية قبل البدء باعمال الجرف والبناء في بنت جبيل، من أجل الحفاظ على الطابع المعماري للمدينة القديمة. إلا أن جهوده باءت بالفشل، وتم استبعاد الفريق المتطوع بحجة أن لدى “جهاد البناء” مهندسين مختصين في كافة المجالات ولا تنقصهم الخبرة والدراية في هذه المواضيع.
مستشفى بنت جبيل
ولمستشفى بنت جبيل قصة أخرى مع المحسوبيات والفساد. فقد رصد لها المشروع القطري مبلغ 10 ملايين دولار لإعادة الإعمار و10 ملايين أخرى للتجهيز،صبت بمعظمها في جيوب المستفيدين الجدد الذين أفرزتهم حرب تموز. ومن يستطلع حال المستشفى عن قرب لا يساوره شك في أن مبنى المستشفى العادي لا يمكن أن تكون تكلفته المادية قد بلغت عشرة ملايين دولار. وهو رغم ما صرف عليه من أموال ما زالت انطلاقته متعسرة بعدما كانت حتى سنوات سبقت حرب تموز متعثرة. وما زالت أقسامه المختلفة التي جهزتها دولة قطر بأحدث المعدات الطبية تعاني نقصا حادا في عدد الموظفين الذين لا يتجاوز عددهم 45 موظفا من ضمنهم طاقم التمريض. ويشير أحد الأطباء أن اللوم في ذلك يقع على مجلس الخدمة المدنية الذي يمسك بزمام التوظيف، في حين تشير المعلومات أن أغلب الموظفين الحاليين لم يمروا على امتحانات مجلس الخدمة المدنية إنما عينوا فيه تعيينا بناء على معطيات “حزبية”.
أبناء بنت جبيل يتناقلون شكواهم شفاهيا في ما بينهم,مسلمين بالكارثة الذي وقعت على رؤوسهم جراء حرب تموز,ويحتجون سرا على ما لحقهم من غبن في توزيع التعويضات, فهم لا يملكون الجرأة على الاعتراض علنا لأنه في حال رفعوا الصوت عاليا فإن تهمة التآمر على المقاومة جاهزة لملاحقتهم.
أخيرا: يروي الجنوبيون حادثة طريفة جرت بعد أيام من عودتهم إلى منازلهم المدمرة، وهي أن صحافيا تابعا لقناة تلفزيونية “معينة” كان يجري مقابلة مع أحد العائدين إلى بنت جبيل. المواطن استفاض “على الهواء” في الحديث عن الصمود والمقاومة ومعاني النصر والتحرير. بعدها طلب من الصحافي أن يطفئ الكاميرا ويتأكد جيدا من ذلك. وحين وضع الصحافي الكاميرا جانبا، انهال عليه المواطن بالسباب واللعن صارخا: “الله يلعنكن ويلعن المقاومة ويلعن حسن نصر الله”!
بنت جبيل: “انتصرنا في حرب تموز وهُزمنا في حرب التعويضات”!
اللهم احفظ اهالي بنت جبيل وانصر القائد الكبير المجاهد حسن نصر الله واتمنى لو يصل سلامي الى قائد المقاومة لأني ارسلت العديد من الرسائل مع بعض الزوار اللبنانين ولااعرف هل وصلت
بنت جبيل: “انتصرنا في حرب تموز وهُزمنا في حرب التعويضات”!
عمو لايوب — blindedpress@blindhotmail.lb
وا حسرتاه لا نستطيع ألا ان نقول إن الفساد الاتي أعظم والوزراء القبضايات الزعران آتون وسيصلحون ما أفسده اللبنانيون وما علينا وعليكم الا الصبر ومن يعيش يرى
بنت جبيل: “انتصرنا في حرب تموز وهُزمنا في حرب التعويضات”!
يا أستاذ علي حيدر مع فائق إحترامي لك, كيف تكونوا يولى عليكم. وبرأي كان يجب ان يكون عنوان المقالة بدل “انتصرنا في حرب تموز وهُزمنا في حرب التعويضات”! “انهزمنا في حرب تموز وهُزمنا أكثر في حرب التعويضات”!
“لو كنت أعلم بأن هذه العملية كانت ستودي الى هكذا نتائج لما أقدمتُ الى هذا العمل” أي عملية خطف الجنديين الإسرائليين عند حدود الجنوب اللبناني للأراضي المحتلة التي سببت بحرب تموز 2006 هذا الذي قاله سماحة السيد حسن نصر الله عند إحدى إطلالته على شاشات المرئي أثناء حرب تموز.