إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الفجوة بين التنظيمات الفلسطينية فيما يتعلق بالاعتراف بالقرارات الدولية والتخلي عن الكفاح المسلح، الى جانب تصميم م.ت.ف على دمج حماس في السلطة الفلسطينية المستقبلية، تُبعد حل الدولتين
سلّط جوزيف بوريل حزمة ضوء عندما حدد كيفية انهاء الحرب وحل النزاع. “نحن نعتقد أن حل الدولتين يجب فرضُه من الخارج من اجل التوصل الى السلام. هذا، مع التصميم على ذلك، رغم أن اسرائيل تكرر معارضة هذا الحل. ومن اجل منع هذا الحل فقد ذهبوا بعيدا الى درجة اقامة حماس بأنفسهم. حماس تم تمويلها من قبل حكومة اسرائيل من اجل اضعاف السلطة الفلسطينية الفتحاوية”، قال بوريل في خطابه في يوم الجمعة الماضي في جامعة فيادوليد في اسبانيا التي اعطي فيها لقب الدكتوراة الفخرية.
اسرائيل لم تنشيء حماس، والسلطة الفلسطينية ليست لـ”فتح”. ولكن بوريل يجب عليه عدم التشوش بالتفاصيل الصغيرة. توجد لدى بوريل خطة منظمة تركز على تمهيد الطريق لعقد مؤتمر دولي يناقش الطرق والوسائل من اجل التوصل الى حل الدولتين. وقد طرحه في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الذي عقد يوم الاثنين في بروكسل، الذي شارك فيه ايضا وزراء خارجية السعودية ومصر والاردن وممثل الجامعة العربية ووزير الخارجية الاسرائيلي اسرائيل كاتس. بوريل قال اقوالا قاسية بخصوص الاسرائيليين مثل “ما هي الحلول الاخرى التي توجد لديهم؟ هل جعل جميع الفلسطينيين يغادرون؟ أو قتلهم جميعا؟ الطريقة التي يدمرون فيها حماس ليست الطريقة من اجل فعل ذلك. هم يرسخون الكراهية لاجيال”. هذه الاقوال التي قيلت على لسان وزير خارجية، الذي حتى الآن لم يسجل أي انجازات بارزة في مجال العلاقات الخارجية في الاتحاد. فكرة عقد مؤتمر دولي لمناقشة حل النزاع ليست من اختراع بوريل. فمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، طرحها قبل اكثر من شهرين في المحادثات التي اجراها مع وزير الخارجية الامريكي. حيث قال إن “مثل هذا المؤتمر، برعاية دولية وبالاساس امريكية، يمكن أن يشكل الدليل على أن الادارة الامريكية تنوي وبجدية الدفع قدما بحل الدولتين. وبالتالي تحقيق الشرط الاساسي الذي وضعته السلطة كي تكون مستعدة لتحمل المسؤولية عن ادارة قطاع غزة بعد الحرب”.
الولايات المتحدة حتى الآن لم تُعطِ أي اشارة على استعدادها لعقد مؤتمر دولي كهذا، الذي مجرد عقده يمكن أن يضعها على مسار تصادم متفجر مع اسرائيل. واشنطن، التي قامت بصكِّ مفهوم “سلطة فلسطينية مُجددة”، لم تعرض بعد تفاصيل هذا التَجدُّد. ماذا يجب أن يفعل محمود عباس كي يحصل على شهادة الاهلية من البيت الابيض؟ واذا حقا “تجددت” السلطة، فهل تستطيع الولايات المتحدة وترغب في أن تفرض على اسرائيل اعطاء السلطة الفلسطينية الصلاحية على القطاع وبأي شروط.
مصادر في السلطة الفلسطينية ومراسلون فلسطينيون يقولون بأن المبعوثين الامريكيين الذين التقوا مع عباس تحدثوا معه عن الحاجة الى تعيين نائب له تكون لديه صلاحيات كبيرة، وتحدثوا عن تطهير السلطة من الفساد وضم قوى من الشباب لقيادة م.ت.ف. وأكدوا على أنه في كل تركيبة وبنية للسلطة الفلسطينية فإن “حماس” لن تكون شريكة.
حول هذه القضية الاخيرة اجرى كبار قادة حماس اتصالات غير رسمية مع جهات رفيعة في م.ت.ف بهدف التوصل الى تفاهمات حول الطريقة التي تستطيع فيها حماس الانضمام لـ م.ت.ف. ولكن حتى الآن قيادة حماس ترفض الشروط الاساسية التي وضعها محمود عباس لانضمام حماس. الاول، تبني المقاومة غير العنيفة للاحتلال بدلا من الكفاح المسلح. الثاني، الاعتراف بالقرارات الدولية، بما في ذلك اتفاق اوسلو الذي يتضمن الاعتراف باسرائيل. هذه الشروط تم رفضها في شهر تموز الماضي عندما التقى قادة الفصائل الفلسطينية في مصر من اجل الدفع قدما بالمصالحة. ومن غير المعروف عن أي تغير في موقف حماس. ورغم ذلك، الموقف الفلسطيني الرسمي كان وما يزال هو أن حماس، في الحرب وبعدها، هي جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وهي حركة يجب أن تكون ممثلة في مؤسسات م.ت.ف.
هذا الموقف يستند الى تناقض اساسي. لا يوجد لدى قيادة م.ت.ف في الوقت الحالي أي جواب على الاختلاف الفكري حول قضية الحل الدائم. في حين أن م.ت.ف تعترف بدولة اسرائيل وتطمح الى تطبيق حل الدولتين، فان حماس توجد في مكان آخر. بعد اكثر من ثلاثة اشهر على الحرب نشرت حماس وثيقة تتكون من 18 صفحة بعنوان “هذه هي روايتنا، لماذا طوفان الاقصى؟”. في الوثيقة تم شرح الاسباب التي جعلت حماس تخطط وتبادر الى تنفيذ الهجوم ضد اسرائيل. هذه وثيقة سياسية لم تستهدف بالتحديد الجمهور الفلسطيني، بل استهدفت رأي الشعوب العربية والعالمية. لا توجد أي جدوى من الانشغال بالاوصاف الوقائعية المزيفة التي شملتها الوثيقة، أو الجهود المبذولة لعرض الاعمال الفظيعة كـ “خطأ” أو حتى كفشل في السيطرة على القوات. اضافة الى ذلك كان يمكن توقع أن مثل هذه الوثيقة ستشمل خطة للدور السياسي الذي حماس معنية به فيما بعد، أو على الأقل رؤية سياسية معينة.
في الجزء الاخير في الوثيقة حماس تعرض ثمانية طلبات، منها ضرورة مواصلة الكفاح المسلح ودعوة للمجتمع الدولي والعربي لمقاطعة ومعاقبة اسرائيل، والتوصل الى وقف لاطلاق النار، وبالاساس وقف جميع الخطط التي تريد تشكيل مستقبل غزة حسب طموح “المحتل الصهيوني”، “لأنه لا يوجد لأي أحد صلاحية فرض وصايته على الشعب الفلسطيني باستثناء الشعب الفلسطيني نفسه”.
في كل هذه الوثيقة لا يوجد أي تطرق للشراكة مع م.ت.ف أو الحل السياسي المرغوب فيه أو الاستعداد لفحص صيغة الدولتين. ومثلما سأل الباحث والصحفي الفلسطيني هشام الدبسي في المقال الذي نشره أمس في موقع “جنوبية” اللبناني: “هل حماس مستعدة أصلا لطرح حل خارج الاطار الفلسطيني الشرعي، أو أنها ستواصل اجراء مفاوضات منفصلة مع اسرائيل والولايات المتحدة برعاية قطر؟”. دبسي الذي ينتقد بشدة وثيقة حماس عرض موقفها على أنه موقف يفضل “الحق التاريخي” على “الحق السياسي”. هذا تمييز واضح، يظهر جيدا الفجوة بين موقف م.ت.ف، المستعدة لتبني حلول سياسي تقتضي تقديم تنازلات عن “الحق التاريخي” في السيطرة على كل فلسطين، بما في ذلك حق العودة لجميع اللاجئين، وبين موقف حماس الذي يرى في تفضيل الحق في دولة فلسطينية ضياع للحقوق التاريخية.
أي لغة خطابية ملتوية لن تتمكن من التوفيق بين هذه المواقف الايديولوجية التي منعت حتى الآن حماس وم.ت.ف من ايجاد قاسم مشترك عملي وقابل للتنفيذ، الذي يمكنه أن يكون قادرا على خلق ادارة مشتركة في دولة فلسطين عند اقامتها. في نفس الوقت طالما أن م.ت.ف وقادتها، بما في ذلك قيادة السلطة الفلسطينية، يلتزمان بالشراكة السياسية والمؤسساتية مع حماس فان الدعوة لحل الدولتين ستبقى عقيمة.
من هنا فان طلب امريكا من السلطة الفلسطينية اجراء اصلاحات ادارية كي تكون شريكة في ادارة قطاع غزة، يتوجه الى المسار التكتيكي المريح، لكنه يتجاهل حقيقة أنه بدون فك الارتباط الايديولوجي لـ م.ت.ف، وبالاساس “فتح”، مع “حماس”، فان فرصة القناة السياسية ضئيلة. هذا طالما أن اسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام يتبنون المبدأ الذي يفيد بأن “حماس” ليس لها ولن يكون لها أي مكان كشريكة في ادارة الدولة الفلسطينية، وبالتأكيد في ادارة قطاع غزة.
ليس من نافل القول التذكير بأن كل هذه الدول التي تعارض الآن “حماس” كمركب في أي ادارة فلسطينية مستقبلية، توجد لها علاقات سياسية واقتصادية مع حكومات مثل لبنان والعراق، التي توجد فيها تنظيمات ارهابية تشكل جزء لا يتجزأ من النظام الشرعي فيها.
لقراءة الأصل بالإنكليزية:
There’ll Only Be a Palestinian State if the PLO Disengages From Hamas