·
أجرته في القاهرة – دلع المفتي لجريدة “القبس” الكويتية
أصبح حديث الناس منذ ثورة 25 يناير، وشاغلهم من أكتوبر الماضي، تميّز أسلوبه بالسخرية اللاذعة وسرعة البديهة والتلميح والإيقاع بالخصوم، بالضحكة مبكراً، ما نسميه «المرح السياسي» والعلاج بالنكتة. باسم يوسف يشاهد برنامجه (البرنامج) نحو 30 مليون مشاهد، محققاً نسبة مشاهدة عالية جداً، وصل صداها إلى الكويت، فصار حديث المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث يتداولون أفلام حلقاته، ويعيدون كلماته وقفشاته. التقت القبس بصاروخ الإعلام الجديد في القاهرة، وكان بيننا هذا الحوار الذي سلّط الضوء فيه على أهدافه، ومداه، وقدراته على المضي قدما، أو ما يخبئ له المستقبل، ولمصر.
● أجد من المهم محاورتك كطبيب في البداية، يبدو أنك حتى في هذه إنسان ساخر، كنت قبلاً تشرّح الخلق بالمشرط والآن استبدلته بالميكرفون، ما سر سخريتك؟
– السخرية ليست بعيدة عن الطب، فلقد جاءت كلمة السخرية من كلمة sarkasmos ساركازموس باليونانية التي هي بالأصل تعني تشفية، تقطيعاً، تشريحاً، سلخاً.. يعني في النهاية «ما فيش فرق كثير»، الجراحة كالسخرية.. «كله تشريح وسلخ».
من القلب إلى الكاميرا
● ما المهمة الأكثر سهولة: مواجهة القلب أم الكاميرا؟
– الموضوع ليس بأسهل أو أصعب، للأسف الضغوط في الطب أكبر، لكن مواجهة الفشل في الطب تكون على نطاق ضيق، يقتصر على أهل المريض، المشكلة في الإعلام ان الفشل يصبح «فضيحة بجلاجل»، رغم ان الفشل في الطب أهم وأخطر، فهو يُفقدك حياة إنسان.
● وهل ندمت على ترك الطب؟
– أنا لم أترك الطب، ما زلت عضواً في هيئة التدريس، لكن لا أمارسه. في النهاية الإنسان يفعل ما يحبه، في السنوات العشرين السابقة استمتعت بما فعلته، والآن استمتع بما أفعله.
● يقال إن برنامجك يحاكي برنامج «العرض اليومي» The Daliy Show، ماذا أخذت من جون ستيوارت؟ وما الجديد الذي تعتقد انك أضفته عليه؟
– جون ستيوارت هو رائد في هذا المجال منذ 14 سنة، وهو يقدم «ديلي شو»، ومنذ عشر سنين وهو يربح جائزة الــ«ايمي»، لكن نحن لا يمكننا أخذ برنامج أجنبي وتطبيقه بالكامل علينا هنا، نحن نضيف عليه ثقافتنا وطريقتنا، والسخرية التي تتفق مع خلفيتنا الاجتماعية والثقافية. لو ترجمت جون ستيوارت للعربية أو ترجمتي للإنكليزية فلن يفهم الناس ما نقول، لأنهم غير مرتبطين بثقافة الآخر.
الحقيقة والإثارة
● عرفك الناس لأول مرة عبر الإنترنت ببرنامج «باسم يوسف شو» بعد ثورة يناير، فما الذي جذبهم إليك في تلك الأوقات العصيبة؟
– لا أعرف للآن ما هو السر، ربما التوقيت ما بعد الثورة، وحاجة الناس الى من يحكي بلسانهم، أو لعلي كنت الأول من عمل فيديوهات ساخرة بوجهه الحقيقي. ففي السابق كانت الفيديوهات الساخرة عبارة عن صور وتعليق صوتي فقط، عندما ظهرت بوجهي واسمي الصريحين، أصبح للناس شخص حقيقي، إما يعجب به، واما ينفر منه. الأمر الثاني، هو أسلوب التقطيع السريع للفيديوهات والتعليق عليها بشكل مباشر وساخر، كان الشكل جديداً تماماً، ولم يكن الجمهور معتاداً عليه من قبل.
● هناك فرق بين «الإثارة» للوصول إلى الحقيقة و«الإثارة» من أجل الإبهار.. فأين أنت من الاثنين؟
– أنا أهاجم إعلام الإثارة ولا أمارسه. أنتقد الإثارة الإعلامية الرخيصة التي كان ينتهجها الإعلام أثناء الثورة، بل وأسخر منها. رسالتنا دائماً هي الوصول الى الحقيقة، لكننا نستخدم الإبهار كي «نصبّر» الناس للوصول الى الحقيقة، وليصلوا وهم مبتسمون، وليسوا مكتئبين، الإبهار بالنسبة الينا وسيلة، وليس الهدف.
الخروج عن المألوف
● قضية «كسر القواعد» والخروج عن «المألوف» سيف ذو حدين، هذه المرة جاء حده لمصلحتك، ولكنك ستجد نفسك بعد سنتين – مثلاً – ستتحول أنت الآخر إلى «مألوف»، فهل ستخرج عن نفسك هذه المرة؟
– أنا طفرة، في النهاية استمرار الحال من المحال، كما ان استمرار الشعبية صعب أيضاً، بعد فترة سيكون عندنا جمهورنا الخاص، هناك 30 مليون مشاهد لبرنامجي حسب آخر الإحصاءات، بعد فترة سيصبح 10 ملايين ثم سنكتفي بخمسة ملايين هم الذين يحبوننا ويبقون معنا. انها طفرة، ستصعد وتنزل، ليس هناك استمرار أبدي، جون ستيورد يتابعة 1.7 مليون، أنا يتابعني 30 مليون بني آدم، ربما استمر طويلاً، لكن من المؤكد ليس بهذه الطريقة وليس على هذا المستوى، لأن الأمر لن يكون طبيعيا، بعض الناس سيكرهونك، والآخرون سيملون، بعضهم سيجدون برامج أخرى، وهكذا سيقع منك ناس ويتابعك غيرهم.
خصوم وقضايا
● في غضون فترة قصيرة خلقت لك الكثير من الخصوم – لا أقول أعداء – بداية من الإعلامي عماد الدين أديب وانتهاء بالرئيس محمد مرسي.. ما حكايتك مع التصادمات؟
– الشعب المصري يحمل أخفّ دم، الا حينما تبدأ بالتكلم عليه أو انتقاده. الرئيس مرسي ليس بيني وبينه مسألة شخصية، أنا همي المشكلة وليس الشخص. القضايا التي رفعت ضدي (يقال) انها رفعت من ناس من برا ولا علاقة بالرئاسة بها. أما بالنسبة للأستاذ عماد الدين أديب، فقد زعل مني وقيل لي انه سيرفع قضية، وربما هناك من يتضايق مني في «القنوات الدينية» ويشتمونني ويسخرون مني بدورهم، هذا شيء طبيعي، الناس لا تستحمل اي أحد ينتقدهم الامر سيأخذ وقتا ليتعودوا.
● يقولون انك أحياناً تزيدها (حبتين) على الإخوان.
– انا كنت مع تسليم الاخوان واعطائهم فرصة لكن بعد ما استلموا اثبتوا عدم جدارتهم و(بسخرية اجاب): صدقيني هي تهم رخيصة، يتقولون عليّ ويدعون أني ضد الإخوان أحياناً، لا أنا ضد الإخوان «على طول»!
● من هو عدوك القادم؟
– ليس لي أعداء ولا خصوم، الموضوع بالنسبة لي غير شخصي، فهو همّ وطني عام.
● من الساخر الكبير في حياتك عموما سواء الاجتماعية أم في تاريخ الفن والأدب والثقافة؟
– جون ستيورد، وستيفن كولبير عالمياً، عربياً بلال فضل، وجلال عامر الله يرحمه كان عمنا كلنا، ومحمود السعدني لم ألحق عليه كثيراً، لكن بلال فضل أنا متواصل معه.
● كيف تختار ضيوفك؟ هل تفضّل ان يكون ضيفك من الذين تتفق معهم ام العكس؟
– نحن نقدم برنامجا مسرحيا بوجود جمهور حي، نريد ضيفاً يبسط الجمهور ويسليه، بالاضافة للفائدة، وان كان الضيف مألوفا نريد ان نقدمه بطريقة مختلفة. أتمنى استضافة ضيوف نختلف معهم ويتقبلون النقد والسخرية، من التيار الاسلامي او غيره.
● نجاح برنامجك خلفه فريق محترف.. ماذا تقول عنهم؟
– نحن لسنا محترفين، الفريق كله، ومن ضمنهم انا، هواة. فريقنا مكون من طلبة جامعيين وهواة، ومعظمهم لم يعمل في هذا المجال من قبل، وكلنا نتعلم معا.
العلمانيون والإسلاميون
● سياسياً، كيف ترى آفاق العلمانيين في مصر؟ وما مصير مواجهتهم مع الاسلاميين؟ وهل لديك توقعات او رؤية لمصر القادمة؟
– مصطلح العلمانية «فُرض» علينا ولم نطلبه، فلقد تم تشويه معناها. كأن كل ما هو غير اسلامي هو ضد الاسلام، رغم اننا جميعا مسلمون ونحب الاسلام. نحب الشريعة، لكن لا نريد ان تكون سلاحا بيد من يريد التطاول او الافتراء علينا.
هتلر وصل الحكم بالديموقراطية وحكم بالديموقراطية والاغلبية، بس «ودّى شعبه بداهية».
الامور ليست بالعناوين العريضة، فمعاني «العلمانية، الليبرالية، الديموقراطية» شُوهت و«شُوطنت» وصُنفت، على انها ضد الاسلام. وهذا افتراء. «مش كل واحد قال شريعة يعني انه يفهم بالشريعة». انا ارى اننا اسلاميون اكثر منهم. الفكرة ليست صراعا بين علمانيين واسلاميين، لكنه صراع بين من يريد اختطاف الدين، وبين من لا يريد ان يُختطف منه الدين.
● كيف ترى شيوخ الإخوان؟
– يحزنني ان الشيوخ فقدوا هيبتهم حين نزلوا مستواهم الى الشارع، وهذا غلط، شعبية الاخوان كانت في القمة، وها هي تنخفض يوما بعد يوم من جراء افعالهم. لكنهم، للاسف، سيكسبون، لان المعارضة مشتتة ومفككة. نحن نتعامل مع رواسب عقود ونحتاج لوقت طويل كي نطفو.
الاستقلالية والإعلام الجديد
● لديك «البرنامج» وهذا يحتاج الى قناة، والقناة عندها مفتاح، والمفتاح عند الحداد، والحداد عنده صاحب القناة، وصاحب القناة عنده «اجندة»، وهكذا، في «عالم الفضائيات» لا اعتقد ان هناك من يتجرأ ويقول «انا مستقل تماما».. ماذا تعتقد؟
ــ مش رح نقدر نبطل طريقة تفكير الناس، فالذين يأخذون اوامر لن يستوعبوا ان هناك من يفكر بشكل فردي. لحد الان لم يمنعني احد من قول ما اريد، نحن نتميز بمكاتبنا واستوديوهاتنا، مستقلون تماما،
علاقتنا بالقناة تقتصر على إعطائهم شريط الحلقة بعد الانتهاء من تسجيلها، لا أحد يفرض علينا شيئاً، ولا أحد يمنعنا.
● أتذكر تغريدتك في 26 ديسمبر: «اليوم احتفل بتخطي ألد أعدائي وائل غنيم». وأتمنى لك تخطي حاجز المليون قريباً، أين سيصل بنا «الإعلام الجديد» (تويتر وفيسبوك وغيرهما)؟ ماذا بعد تحول كل إنسان إلى محرر للآراء والأفكار والأشعار والأخبار وغيرها؟
– نقل المعلومة صار أسرع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن العيب ربما فيها الإشاعات المغلوطة وإثارة البلبلة. بعض الصحافيين أصبحوا يستقون أخبارهم من تويتر، وهذا مرفوض للإعلامي المحترف. لو كان برنامجي قبل عشر سنين لما نجح بهذا الشكل، ولكن «السوشال ميديا» ساهمت وتساهم في نجاح الكثيرين. الناس ستشتم لأني فقط موجود على الساحة، هناك من سيقبلني، وهناك من سيرفضني، هو سلاح ذو حدين.
آفاق «البرنامج»
● كيف تسير اعمالك؟ هل تخطط لها؟ بمعنى هل تملك خططا ممنهجة للفترة المقبلة، ام تعتمد على تطورات الاحداث، كما يفرضها التأثير الاعلامي.
– نحن نخطط طريقة العمل، نتابع الحدث الموجود على الساحة، لدينا منهجية في العمل، لكن الكتابة والاعداد نعتمد على المستجدات على الساحة السياسية.
● هل تعتقد ان برنامجك استطاع احداث «تغيير» ما كنت تطمح اليه؟
– اتمنى ان اكون اثرت.. يتابعني ناس من مختلف الاعمار والخلفيات، منهم حتى اطفال، لو استمر البرنامج، ربما سيؤثر في الجيل الجديد الذي يفتح عيونه الآن، ولم تتسرب إليه تشوهاتنا بعد. ما اريد فعله هو فتح باب النقاش والتساؤل، ادعو الناس للتأمل للنقاش، للتفكير، ان «تفتح مخها».
● هل تشاهد البرامج الدينية ومحاضرات الدعاة، ولو من باب العلم بالشيء؟
– نتابع البرامج الدينية والخاصة والاخبارية، كجزء من عملنا، وكمادة لبرنامجنا.
الجمهور العربي
● أنا جئت إليك من الخليج، والكويت تحديداً، لديك الكثير جداً من المتابعين والمعجبين هناك، ولكنك اعتدت أن تخاطب المصريين فقط، لماذا لا تتوجه إلى العرب عموماً؟
– أتمنى، ولكن الأمر صعب. الفكرة هي في الذين يتابعونك ونوعية جمهورك، يجب أن يفهموك، فحين أطلق «قفشة» مضحكة يجب أن تكون مفهومة. ستيوارت مثلاً يحكي عن أحوال روسيا والصين، ولكنه يحاول أن يربط بينها وبين المشاهد الأميركي كي يفهمها. وهذا لم يبدأ بفعله إلا بعد عشر سنوات من بداية برنامجه.
بودي أن ننفتح على الجمهور العربي أكثر، ولكن يجب أن نحل مسألة «القفشات» أولاً، ثم لدينا مشكلة أكبر، تلك التي تتعلق بسياسات الدول. فبعض الأنظمة العربية ما زالت منغلقة جداً، وأي سخرية أو انتقاد سيخلق نوعاً من الحساسية لديها، وربما تصل إلى مشكلات بين مصر وتلك الدولة، بالإضافة إلى أن هناك من سيرفض، كوني مصرياً، تدخلي في أوضاع مجتمعات أخرى وظروفها، وهذه خاصية عربية بامتياز. لنرى، ربما يوماً ما سنحاول بعد أن ندرس ما القضايا التي نستطيع طرحها وتناولها عربياً دون مشكلات.
سيرة ذاتية
باسم رأفت محمد يوسف (22 مارس – 1974)، طبيب جراح مصري تخرج من كلية الطب عام 1998 وحصل على دكتوراه جراحة القلب والصدر من جامعة القاهرة، ويعمل حاليا عضو هيئة التدريس في كلية الطب. بدأ بتقديم «كليبات» سياسية ساخرة بعد ثورة 25 يناير على موقع اليوتيوب، كان يصورها في «غرفة الغسيل» في منزله، ثم اشتهر عبر تقديم برنامجه البرنامج على قناة اون تي في قبل الانتقال للقناة سي بي سي في نوفمبر 2012، لتقديم البرنامج ذاته. يحاكي البرنامج الذي يقدمه يوسف البرنامج الاميركي العرض اليومي الذي يقدمه الاعلامي جون ستيورات، حيث يقوم بانتقاد الاحداث السياسية بشكل ساخر.