حينما يطلب “المرشد” إقفال معتقل “كهريزاك” غير القانوني، وحينما يعلن نائب من المحافظين أن “عشرات الشبان” قتلوا في ذلك المعتقل، فإن ذلك يطرح سؤالاً حول من يملك السلطة في إيران؟ وحينما يطالب جنرالات الباسداران بمحاكمة خاتمي ومير حسين موسوي وحتى المدعي العام في عهد الخميني، فإن “مطالبتهم” تبدو، في الواقع، ضغطاً مباشراً على “المرشد” الذي لم يتخذ بعد قراراً بالدخول في مثل هذه المواجهة الحاسمة مع الإصلاحيين، ومن ورائهم هاشمي رفسنجاني. وإذا كان أحمدي نجاد قد “صمد” أمام المرشد لمدة أسبوع قبل أن يتراجع عن تعيين صهره في منصب نائب الرئيس، فذلك لأنه يستند إلى دعم صلب من جانب قوى السلطة الحقيقية، أي الباسداران والباسيج”.
مشكة الوضع الإيراني الحالي أن إنتصار قوى التطرّف في أجهزة الأمن والباسداران يمكن أن يجرف “المرشد” نفسه. وإذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، فإن “العسكر” سيجدون “آ’ية الله عظمى” مستعداً لخلافة خامنئي، سواء كان “مصباح يزدي” أم “جنتي” أم غيرهما..
حتى ستالين كان مضطراً لإعدام مسؤولي الأمن التابعين له، بين حين وآخر، حتى لا تراودهم أفكار الحلول محله..
“الشفاف”
*
في مقابلة مع جريدة “الفيغارو”، قال الباحث الفرنسي “برنارد فوركاد” أن “المشكلة، اليوم في إيران هي أن المسارات
مشوّشة. فمنذ إعادة إنتخاب أحمدي نجاد، لم نعد نعرف من يملك السلطة الحقيقية، ومن المسؤول عن أي قرار يتم اتخاذه. منطقياً، فإن المرشد الأعلى هو الذي يملك الكلمة الأخيرة. في الماضي، كان يُقال أن القرارات في إيران تؤخذ بالإجماع. ولكن أحداً لا يستطيع أن يوفّر الإجماع في إيران حالياً. وبناءً عليه، فإن أحداً لا يملك السلطة، إنه وضع فوضى. وهذا أمر خطِر على الإيرانيين، وخطِر على الجميع.
وحول محاكمة الباحثة الفرنسية “كلوتيلد ريس”، قال “برنار فوركاد”:
“إنها محاكمة ستالينية تذكّرنا بممارسات قديمة في الإتحاد السوفياتي. في الصور التي وزّعتها وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية، شاهدنا عشرات الأشخاص تم تجميعهم “بالجملة” في قاعة محكمة واحدة وكانت “كلوتيلد ريس” بينهم: صحفيون إيرانيون، ومستشارون، وموظف إيراني في سفارة بريطانيا، وسكرتيرة فرنسية-إيرانية تعمل في سفارة فرنسا بطهران. بمواجهتهم، قام المدعي العام بإلقاء مرافعه عامة تطال المتهمين كلهم. إن السلطة الإيرانية، المصابة بذعر مَرَضي، تسعى لإقناع العالم بأن هؤلاء الأشخاص شاركوا في مؤامرة كبيرة دبّرها الغرب ضد جمهورية إيران الإسلامية”.
لكن هل يمكن لهذه المحاكمات أن تضعف المعارضة؟
“أعتقد أن المحاكمات لن تنجح في إسكات المعارضة. ما يحدث لا يخدع أحداً. إنها ليست محاكمة، بل مسرحية لتقديم متهمين. يصعب علي أن أفهم المصلحة في اعتماد مثل هذه الأساليب. هذه المحاكمة سيكون لها وقع سلبي داخل إيران، كما ستؤثر سلباً على صورة إيران في العالم.
هل سينجح أحمدي نجاد في تشكيل حكومة جديدة بدون صعوبات؟
“إن قدرة أحمدي نجاد على إدارة شؤون إيران قد أصبحت هشّة للغاية، مع أنه ما يزال يتمتع بدعم جهات نافذة. إذا ما رفض المجلس الموافقة على حكومة أحمدي نجاد، فقد تصل الأمور إلى حد إقالة أحمدي نجاد أو إرغامه على الإستقالة. وفي الحالة القصوى، يمكن تنظيم إنتخابات جديدة. بموازاة ذلك، ظهرت مؤخؤاً توترات بين أحمدي نجاد والمرشد. وقد رفض المرشد أن يسمح لأحمدي نجاد بتقبيل يده. وهذا أمر ذو مغزى. إن الإنقسامات التي تعيشها إيران حالياً عميقة جداً.