يبدو ان الداعية وجدي غنيم يتمتع بنشاط غير طبيعي »اللهم لا حسد«، ففي مساحة الفراغ ما بين برامجه التلفزيونية ومنبر الخطابة والامامة ودروس الوعظ في المجالس. لا يجد مانعًا من الاطلالة على بعض المدارس الثانوية والاعدادية في »محاضرات« وعظية دعوية »غنيمية« الطابع والاهداف. وتعزيزاً لما أسميناها بـ »ظاهرة وجدي غنيم«، فقد ظهر صاحبها بشحمه ولحمه هذه المرة في احدى المدارس الاعدادية للبنات في المحافظة الوسطى الاسبوع الماضي.
وكالعادة قدم »محاضرة« جاءت معاكسة ومتناقضة ومناهضة بالمطلق لتوجهات مشروعنا الاصلاحي وتوجهات الدولة وتوجهات وزارة التربية والتعليم نفسها التي قدمت المحاضرة المذكورة في احدى مدارسها.. فماذا قال لا فض فوه. في جمع من الطالبات الصغيرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن الخامسة عشرة، وقبل أن يهل الشيخ الداعية بطلته البهية، طلبت احدى المدرسات من الطالبات الصغيرات غير المتحجبات ترك المقاعد الأمامية في القاعة والانزواء في اقصاها »لأن الشيخ لا يحب ان يرى إلا المتحجبات فقط، وتزعجه رؤية الحاسرات«.. وهو أول درس في ثقافة الاقصاء تتلقاه الطالبات الصغيرات وأول درس في التمييز على أساس المظهر.
ولا ندري هل إقصاء غير المتحجبات الى آخر القاعة هي احدى شروط الداعية، ام هو اجتهاد شخصي من المدرسة؟ لكنها بكل تأكيد احدى »بركات« حضوره الى المدرسة يومها. والأهم من ذلك هو ما قاله الداعية غنيم وما حشى به ادمغتهن الصغيرة الغضة، حيث فتح النار وبمنطق القرون الوسطى الظلامية على عمل المرأة، وإنها بالاساس خلقت لتعمل في البيت وتبقى في البيت، ثم مضى ليدير هذه الاسطوانة الحجرية المعروفة بكلام طويل عريض من بدايته الى نهايته ضد توجهات مشروعنا الاصلاحي الذي جاء ضمن أهداف كثيرة لينهض بحقوق المرأة في العمل وفي المساواة، عبر مواطنة لا تمييز فيها على أساس الجنس أو النوع.
ومنطق غنيم أيضا موجه ضد سياسة الدولة والحكومة التي تفخر بوجود وزيرتين فاضلتين ضمن تشكيلتها الأخيرة، ووجود عشر نساء معينات بمرسوم ملكي في مجلس الشورى.. ناهيك عن وجود مجلس أعلى للمرأة بقيادة قرينة جلالة الملك تأسس اصلا لتمكين المرأة من حقوقها على المستويات كافة، سواء على مستوى فرص العمل والترقي المتكافئة، أو على مستوى الترشيح والانتخاب، أو على مستوى حقوق المواطنة جميعها، وهو مجلس حضاري يعتني ويهتم ويعمل ضمن استراتيجيات وخطط تفتح أمام المرأة البحرينية سبل المشاركة ومساحات المساهمة العملية في صنع القرار الوطني العام.
ولن نستعرض هنا كل ما قاله وجدي غنيم للفتيات الصغيرات، وكيف هاجم الاحتفال بعيد الأم.. ولكننا فقط نريد أن نسأل وزارة التربية والتعليم وهي ترصد أضخم الميزانيات لتعليم الفتاة وتأهيلها بأعلى الشهادات، هل تفعل ذلك لتجلس فتاتنا في نهاية المطاف في البيت، أم لتشارك في صناعة مستقبل بلادها؟! إذن كيف سمحت الاجهزة المعنية في الوزارة لأن يتسلل »الغنيميون« الى مدارسها لبث افكارهم والترويج لمشروعهم وسط طالبات صغيرات، بما يهدم ويقوض كل جهود الوزارة التي نعرف أنها ترفض هذه الافكار التي تتناقض وتتعارض مع توجهات الدولة. إنه اختراق خطير من أصحاب مشروع مضاد لمشروع الدولة ومشروع التعليم في بلادنا.. ونشر أفكاره في مدارسنا يقرع أجراس الخطر، وينذرنا وينبهنا الى ان السكوت وتسهيل مرور المشروع المضاد الى الوزارات المختلفة والى الطلاب والطالبات هو جزء كبير من خطة السيطرة على عقول الناشئة والشباب بما يعني تأسيس جيل مناهض ومضاد لمشروع دولته ومملكته. فهل يرضيكم ذلك.. والى متى ستسكتون وتمررون..؟!
sadaalesbua@alayam.com
* البحرين