(الصورة: الواجهة البحرية لمدينة صيدا)
*
تُشَكِّلُ وجهة استعمال الواجهة البحرية الجنوبية لمدينة صيدا المستقبلَ الواعِد للحياة الاقتصادية للمدينة ومحيطها، وتسمح للمعنيين بتحويل الحركة الاقتصادية من نمط يغلب عليه الاقتصاد الاستهلاكي المحلي الى اقتصاد انتاجي بنسبة كبيرة، ما يضع المدينة في صُلب الخارطة الاقتصادية على المستوى الوطني العام.
ما هي قصة الواجهة البحرية الجنوبية والمعروفة باسم الأرض المردومة؟
عام 1982 تم إنشاء مكب للنفايات على قطعة أرض عامة على الشاطىء الجنوبي لمدينة صيدا، كان يستقبل نفايات المدينة بالإضافة الى 15 بلدة محيطة بصيدا. يعيش في المنطقة المذكورة نحو 300 الف شخص، وكان يصل إلى المَكب نحو 300 طن من النفايات يومياً، ما حوّله الى جبلٍ ينهارُ باستمرار الى البحر.
وقبل البدء بإزالته كان يحوي 1500000 م3 من النفايات واوساخ اخرى، وبلغ طول المكب 350 متراً وارتفاعه من 20 متراً الى 55 متراً.
ويذكر انه في عام 2011 بدأت “شركة داني خوري”، وبتمويل سعودي، ببناء جدار بحري طوله 2100 متر يمتد من معمل معالجة النفايات المنزلية الصلبة الى مكب النفايات، وذلك بموجب مرسوم حمل الرقم 5790 بتاريخ 6 نيسان 2011.
وبعد ذلك تم تلزيم “شركة السوبس الفرنسية” و”شركة الجهاد للمقاولات” لإزالة مكب النفايات واستحداث حديقة عامة بمساحة 35 الف متر مربع، اطلق عليها اسم “حديقة السعودي” بديلاً عن المكب السابق.
وبعد بناء الحاجز البحري، صار هناك حوض بحري تحيط به مساحات من اراض مردومة.
وعند تشغيل معمل معالجة النفايات، ظهرت مشكلة رئيسة وهي عدم التخلص من العوادم والمتبقيات، مع العلم ان العقد الموقع بين البلدية وإدارة الشركة المشغلة للمعمل يقول انه معمل معالجة بدون طمر او حرق او عوادم.
وقد تم إلقاء كميات من العوادم في الحوض البحري ما ادى الى تلوث مياه الحوض وانبعاث الروائح الكريهة وتحولت هذه المساحة الجديدة الى مكان لرمي الردميات وأنواع مختلفة من النفايات بعلم واذن من بلدية صيدا. وفي عام 2017 بدأت كميات من نفايات بيروت، بلغت 250 طن يومياً بالوصول الى صيدا لمعالجتها وفق اتفاق بين بلدية بيروت وبلدية صيدا. وفي العام نفسه تم ردم مئات من اطنان النفايات الطبية التي تمت معالجتها، وصارت بحاجة الى طمر وتم طمرها في الحوض البحري بموافقة من بلدية صيدا.
مرسوم 3093
بتاريخ 21 ايار 2018 صدر مرسوم حمل رقم 3093 وموقع من رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس الحكومة سعد الدين الحريري، وزير الأشغال يوسف فنيانوس ووزير المالية علي حسن خليل، ويقضي باعطاء رخصة لبلدية صيدا لاشغال واستثمار 505452 متر مربع من الأملاك العامة البحرية في منطقة الردم المستحدث في منطقة “الدكرمان”. وهذه الرخصة صالحة لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد ضمناً، ويمكن إلغاء الرخصة بموجب مرسوم في اي وقت اذا اقتضت المصلحة العامة.
واشترط المرسوم على البلدية إعداد مخطط توجيهي عام للمساحة المحددة في المرسوم المذكور خلال مهلة 9 اشهر من تاريخ اصداره.
كما اشترط المرسوم ان يتضمن المخطط التوجيهي العام احتياجات مرفأ صيدا التجاري الجديد من مساحات برية متاخمة للمرفأ، وأن يحدد المخطط نشاطات واعمال من شأنها ان تعود بالمنفعة على الاقتصاد الوطني وفتح مجالات عمل وفرص عمل جديدة.
كما طلب المرسوم من صاحبة الترخيص تقديم دراسة تقييم اثر بيئي لاشغال الأملاك العامة البحرية. وان على البلدية ان تباشر في تنفيذ الأشغال في الأملاك البحرية خلال مدة سنة من تاريخ المخطط التوجيهي العام.
ماذا فعلت البلدية؟
مرت سبعة أعوام على صدور المرسوم ولم يحدث اي تغيير على الأرض باتجاه تنفيذ الشروط التي نص عليها المرسوم.
في نهاية شباط 2019 اعد المدير العام للنقل البري والبحري انذاك “عبد الحفيظ القيسي” خارطة هي عبارة عن تقسيم المنطقة الى اربعة اقسام، القسم الاول لاحتياجات المرفأ، القسم الثاني لإقامة منشآت نفطية، القسم الثالث منطقة حرة، والقسم الرابع عبارة عن عقارات متفرقة.
تم إعداد هذه الخارطة بناء على طلب من بلدية صيدا بدون مخطط توجيهي عام او اعطاء المبررات التي فرضت هذا التقسيم المقترح، واقفل الملف تحت حجة الوضع العام.
وماذا عن اليوم؟
منذ فترة دار نقاش واسع بين اصحاب المصالح الكبرى في المنطقة، وقد حاول البعض تسويق فكرة ان تستعيد ادارة مرفأ صيدا الأرض وتستثمرها وأن تقتصر استفادة صيدا من الرسوم البلدية التي قد تحصل عليها.
كما حاول بعض المستثمرين تقديم اقتراحات تجارية.
يقول رئيس بلدية صيدا المهندس مصطفى حجازي:” اتصل بنا بعض المستثمرين، وقد رأينا ان نبدأ بإعداد دراسة جدوى اقتصادية مع خطة عامة للأرض المردومة في مطلع العام المقبل وان هناك مستثمرين لإيجاد حديقة حيوانات قرب حديقة السعودي “.
وهذا يعني ان بلدية صيدا لم تنجز شيئاً من المطلوب منها فعلياً خلال السنوات الماضية، كما تضمن المرسوم 3093.
فيما يدور النقاش حالياً حول اعطاء مساحة من الأرض المردومة لإدارة شركة معالجة النفايات لاستخدامها والشروط التي يمكن ان تطلب منها.
اقتراحات من المجتمع المدني
بالمقابل تقدمت جمعية “عل صوتك” باقتراح حول الخيارات الممكن تحقيقها في الأرض المردومة.
يقول مصدر في عل صوتك:” خلال العام 2019، تقدمنا بدراسة الى المجلس البلدي ونظمنا لقاء عاماً في البلدية لنقاش المقترحات المقدمة، لكن المجلس البلدي ومنذ ذلك الوقت لم يهتم بالموضوع”.
ويضيف المصدر:” لقد طرحنا ثلاثة خيارات وهي: إنشاء منطقة تجارية حرة، منطقة تخزين للنفط والغاز وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة.
يكون دور المنطقة التجارية الحرة استيراد المواد الخام والعناصر المكونة للصناعة، تصدير مواد مصنعة، إنشاء مصانع لإنتاج سلع مختلفة.
وتكون المنطقة متاحة امام شركات متعددة الجنسية.
اما منطقة لتخزين النفط والغاز فتكون مجال عمل لشركات النفط والغاز تحوي خزانات ومكاتب للموظفين.
اما إقامة المنطقة الاقتصادية الخاصة، فانها تشكل نقلة نوعية وفعالة من اجل تدعيم القطاعات الاقتصادية في المدينة، ويمكن ان تستقطب استثمارات عديدة وتؤمن فرص عمل لأكثر من 3000 شخص”.
وفي مقارنة بين الخيارات المطروحة تظهر ان خيار منطقة تجارية حرة، تؤمن فرص عمل منخفضة، ويستفيد منها عدد محدود، ولا تساهم في بناء القدرات الفردية في حين ان مردودها الاقتصادي سيكون مقبولاً.
اما فرص العمل في منطقة تخزين النفط والغاز قستكون منخفضة جداً، ونسبة المستفيدين محدودة جدا، ولا بناء لقدرات العاملين او تطوير لها، والمردود الاقتصادي متدني ويقتصر على بدل استثمار المكان.
في حين ان خيار منطقة اقتصادية خاصة سيؤمن فرص عمل كثيرة، ويستفيد منها عدد كبير، وتساهم ببناء قدرات فردية لعدد كبير والمردود الاقتصادي سيكون جيدا جدا.
وفي تعريف لهذا الخيار، يقول مصدر ّ”عل صوتك” : “سيكون عبارة عن حيز جغرافي يتمتع ببنى تحتية عصرية، وتسهيلات إدارية مختلفة، بهدف تفعيل النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات، عبر تقديم أشكال متعددة من النشاطات الاقتصادية والتجارية والخدماتية وتتمتع بطابع أنمائي، اذ تساهم في تنمية الاقتصاد وتطويره من خلال إيجاد فرص عمل جديدة، وبناء قدرات العاملين بالتقنيات الحديثة في مختلف القطاعات، وتحديث البنى التحتية للمناطق المحيطة بالمنطقة.
ويشرح مصدر “علِّ صوتك” المخطط التوجيهي للمنطقة بالقول:”يتم تصنيف المنطقة الى مناطق صناعية وتجارية، وإجراء فرز للارض المردومة حسب القوانين المرعية الإجراء وتحويلها الى قطع لا تتعدى مساحة الواحدة الألف متر مربع على أن تسمح عملية الفرز بجمع اكثر من قطعة ممكن مستقبلاً”.
لكن الوصول الى هذا الخيار يتطلب جهداً مشتركاً بين البلدية والفعاليات الاقتصادية والسياسية، واليوم يبدو ان التوقيت مناسب لان يكون هناك تحرك فاعل للحكومة اللبنانية والبلدية في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا في منطقة الجنوب. وهذا ما يدفع كل القوى المعنية في المدينة للاسراع في دراسة الجدوى الاقتصادية عبر تشاركية فعلية بين البلدية والمجتمع المحلي، ودراسة طبيعة الاستثمارات المتوقعة وأنواع النشاطات الاقتصادية الممكنة ما يمكن ان يوفر نحو 3000 فرصة عمل مباشرة او غير مباشرة.
ولكن لنجاح مثل هذه الخيارات يتطلب تأمين عوامل مختلفة، اهمها التعاون في مختلف المجالات بين السلطات المحلية والحكومة وتأمين البنى التحتية المطلوبة واعتماد أقصى معايير الشفافية في إجراءات الترخيص والاشغال ووضع رؤية موحدة لمهام المناطق الاقتصادية في حال الانشاء.
مع العلم انه يوجد اكثر من ثلاثة الاف منطقة اقتصادية خاصة في 135 بلداً بما فيها دول ناشئة في قارات مختلفة وتساهم هذه المناطق بما قيمته 400 مليار دولار أميركي من التجارة العالمية وتؤمن اكثر من 70 مليون فرصة عمل.
العام الجديد بات على الأبواب، هل يبادر المجلس البلدي لمدينة صيدا الى آلية تشاركية جدية وليس فولكلورية لدراسة الخيارات المتاحة من اجل تنمية فعلية، ام تبقى الأرض المردومة مشروع مطمر للنفايات والردميات غير شرعي وغير قانوني وبرضا القوى السلطوية؟
المجلس البلدي الحالي على المحك.
إقرأ أيضاً:
من أسقط حق “صيدا” بالمعالجة المجانية لنفاياتها؟
بلدية صيدا لا تلتزم القوانين
جبال متنقلة في صيدا

